الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حكايتي أنا مع جوليا

جورج موسى
جورج موسى
A+ A-

لا أدري متى بدأت حكايتي مع جوليا. لا أعرف ما الذي جذبني إليها أولاً: صوتها، خياراتها وكلمات أغنياتها، أو موسيقى شقيقها زياد وملحنين قلة آخرين تعاملت معهم، أم الحالة الخاصة التي انطلقت منها في مجموعة أعمالها الأولى؟ كل ما أتذكره هو أن ذاك المراهق استساغ نمط جوليا الغنائي، وبدأ يتعلّق بكل اصدار جديد تقدّمه، ويحرص - من وقتها الى اليوم - على حضور أكبر عدد ممكن من حفلاتها.
في تلك المرحلة العمرية، تماهى كاتب هذه السطور مع شخصيات سياسية وفنية متنوّعة. المسألة صحية في المراهقة، لتشكيل صورة أوضح عن الذات وتحديد بعض التوجهات.
لكن كل ذلك كان يتبدّل مع مرور السنوات، أسقطتُ رموزاً وخُزلت بفنانين... جوليا من القلائل الذين بقوا في موقعهم راسخين. علاقتي بها لم تشهد الكثير من التحوّلات. كنا نتطور معاً، ننضج أكثر معاً. كل منّا على طريقته وفي مجاله. أنا أتغيّر، وهي - بحكم الخبرة والعمر والتجارب - تطوّر أدواتها وتتبدّل قليلاً. نحن نتغيّر، فيما علاقتي بأغنياتها تزيد ثباتاً.
حكايتي مع جوليا مختلفة. ليست فقط "حكاية وطن"، كما اختارت عنواناً لألبومها الجديد. هي حكاية عمر كامل وذكريات. جوليا عرّفتني أكثر الى الحب... وأنا أستعيد معها، في السهرة الثانية التي قدمتها مساء السبت الماضي على مسرح "البلاتيا"، (ضمن أمسيتين استثنائيتين فناً وحضوراً، بعنوان "حكاية وطن")، أعمالاً قديمة وحديثة، تنبّهتُ إلى أن أغنياتها العاطفية قادرة على توثيق تجاربي الشخصية العاطفية. الحب لديها كان بمعظمه مناجاة وعتباً أو غزلاً ... وأنا عشتُ "قصصي" أناجي حبيبة رحلتْ وأتغزّل بأخرى لم تأتِ.
جوليا التي غنّت الانسان والوطن، جعلتني أيضاً أنتمي أكثر إلى هذه الأرض. معها، عشتُ تعلقاً أكبر بالسهل والبحر والنهر، واحتفلتُ بندرة الانتصارات... وليلة السبت الماضي، كسبت جوليا الرهان مجدداً. وفيما الفتنة تطل برأسها، والبلاد تقترب من أبواب الجحيم، جمعت ١٠ آلاف شخص في جونيه.
الوطن هرم في أرض الخوف حيث كبرنا... في زمن الإبادات الجماعية والقتل الهمجي والدم الرخيص، باتت الذاكرة مرهقة من صور الفظاعة التي خزّنت فيها، وباتت القلوب تدق بالصدفة، فيما نحن نقترب من موت بطيء. وسط ذلك، جاءت هي بنبرتها الصلبة وصوتها الذي يزيد ألقاً مع مرور السنوات، ويبقى في الحفلات تماماً كما تسمعه في الاسطوانة، لتدبّ فينا بعض الروح، فيقف الجميع على الكرسي ويردد: "انا لن استسلم لن أرضخ". من غير المنصف أن نختصر كل الحضور بفئة سياسية واحدة، ولو كانوا غالبية. كل ذلك لا يهم حين تقف مدهوشاً أمام تفاعلهم مع أغانيها، أمام الحماسة التي كانت تُدبّ فيهم، مع كل أغنية وطنية تُطلقها. تقف حائراً حينها وتسأل: أين تذهب حماسة كل هؤلاء حين يخرجون من هذه الصالة، ويعودون خانعين أمام ساسة يتفنّون في إذلالنا، وأمام عدو، لم نعد نعرف كيف ومن أين يداهمنا؟!
حكايتي مع جوليا، فعلاً "شي غريب"! أنا أعرف تلك الفنانة جيداً، واكبتُ تحوّلاتها. توقفتُ عند بعض إخفاقاتها. أنا أعرف جوليا، لكنني لا أعرفها! بقرار شخصي، ورغم عملي الصحافي وتعاملي مع أسماء مقرّبة جداً منها، أردت أن تبقى علاقتي بها من دون معرفة شخصية. أهي الخشية من أن تهتزّ صورتها في مخيلتي حين نلتقي مباشرة؟ أم إنه الغموض الذي يضفي سحراً مختلفاً على أعمالها التي أحب؟ لا يهم!
سيدتي، في ذاك الوطن الذي أرسمه في مخيلتي، والذي سأبنيه "يوماً ما"... اسطواناتك حكماً ستشكل جزءاً أسياسياً منه... اسطواناتك هي حكايتي أنا مع الذكريات.


[email protected]
Twitter: @moussa_georges

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم