الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أيها المعلمون... لقد غلطتم وغالطتم

مصطفى علي الجوزو
A+ A-

لقد كنا دوماً مؤيدين لهيئة التنسيق النقابية، لاسيما رابطات المعلمين فيها، ورأينا فيها بارقة أمل بعد الركود النقابي في لبنان، ولا نزال مؤيدين لها، لكن لا بد من مصارحتها بأخطائها بعدما باتت حركتها المطلبية أدعى إلى الضرر منها إلى النفع.


لقد أخطأت هيئة التنسيق في اتخاذها رواتب القضاة والهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية مرجعاً.
وغالطت في حساب الرواتب مغالطة فاحشة.
وغلطت في الامتناع من التصحيح.
ثم غلطت حين أعلنت عودة الدراسة بصورة طبيعية في مطلع السنة الدراسية.
حين كان أساتذة الجامعة اللبنانية يطالبون بتصحيح رواتبهم كانوا يعمدون إلى مقياس عام هو رواتب الأساتذة الجامعيين في لبنان والخارج، وحين طالبوا بذلك التصحيح بعد تصحيح رواتب القضاة لم يقولوا إن راتب إستاذ الجامعة كان دوماً أكبر من راتب القاضي، وأن القضاة كانوا يتمثلون برواتب الجامعة لزيادة رواتبهم، وأنه ينبغي أن تبقى رواتبهم أكبر من رواتب أولئك، بل قبلوا بكون رواتب القضاة الجديدة أكبر بكثير من رواتب الجامعيين على اعتبار أن للقضاة ميزة في كل دول العالم، وأنه ينبغي لهم ما يقيهم الانحراف والظلم. على حين أن شعار رابطة أساتذة التعليم الثانوي كان دائماً: كما زدتم للقضاة والجامعيين يجب أن تزيدوا للمعلمين وبالنسبة نفسها. ولكثرة ما تردد هذا الشعار كاد الناس يظنون أن أساتذة الجامعة صاروا بكوات القرن الحادي والعشرين وأنهم سبب فراغ خزانة الدولة، وحتى ذهب بعضهم إلى اقتراح جدي بخفض رواتبهم بنسبة 15 في المئة، وذلك كي يخفضوا ما يقابل هذه النسبة في سلسلة الرواتب المقترحة لموظفي الدولة. أي أن حضرات المعلمين يوشكون أن يضروا بأنفسهم وبأساتذة الجامعة.
وليت مطالبتهم تلك بنيت على الحقيقة، فقد زعموا أن مقدار الفرق بين راتب أستاذ التعليم الثانوي وأستاذ التعليم الجامعي كان دائما ست درجات! وهذه مغالطة فاحشة لا تخلو من سوء نية؛ فالحقيقة أن أساس راتب الفرد من أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية كان دوماً مساوياً لأساس راتب أستاذ التعليم الثانوي، لكن كان يزاد عليه تعويض تفرّغ بنسبة خمسين في المئة، وتعويض اختصاص بنسبة خمسين في المئة أخرى، وتعويض بحث بنسبة خمس عشرة في المئة، وهذا يجعل الراتب يساوي الأساس المشترك مضروباً بـ 2,15. على حين أن أستاذ التعليم الثانوي كان يحظى بنسبة 60 في المئة علاوة تعليم، وليس له تعويض تفرّغ لأن من حقه أن يتعاقد خارج دوام عمله للتعليم عدداً من الساعات في الأسبوع؛ كما أنه ليس له تعويض تخصص بل علاوة تعليم، لأن التعليم الثانوي يتطلب إجازة جامعية فحسب، ومن يحصل على شهادة الدكتوراه يعط درجتين؛ وليس له أخيراً تعويض بحث لأن التعليم الثانوي لا يقتضي البحث ونشر الدراسات الأكاديمية. وقد أخطأت الدولة يوم أدمجت التعويضات في أساس الراتب ففسحت لمثل هذه المغالطة، وعلى ذلك فأن أساس راتب الأستاذ الجامعي والثانوي ينبغي أن يساوي راتب الدرجة الدنيا في السلسة الحالية لأساتذة الجامعة مقسوما على 2,15، أي:
3700000 ÷ 2,15 = 1720930,2 ليرة (نحو مليون وسبعمئة وواحد وعشرين الفاً) ثم يزاد على هذا الأساس نسبة ستين في المئة لأساتذة التعليم الثانوي فيصبح راتب الدرجة الدنيا في سلسلتهم هو: 2753488,3 ليرة (نحو مليونين وسبعمئة واربعة وخمسين الفا). واذا زيدت درجتان لمن يحصل على دكتوراه يكاد راتبه يساوي راتب استاذ التعليم الجامعي من غير تفرغ ولا بحث.
أما خطأ الامتناع من التصحيح فلا يغتفر مهما حاولت هيئة التنسيق من تسويغات. إن مبدأ الوظيفة، خصوصاً الحكومية، وبالأخص التعليمية، هو أن الموظف خادم للمواطن وليس المواطن خادماً لمصالح الموظف، مهما كان الظلم الواقع على الموظف نفسه، لأن الموظف يقبض راتبه من الضرائب التي يدفعها المواطن، وليس المواطن على كل حال سبباً في ذلك الظلم. وحين امتنع المعلمون من تصحيح مسابقات الامتحانات أضروا بالفقراء وليس بأبناء الساسة الذين يفترض أنهم ظلموهم، لأن الساسة في معظمهم أغنياء يعلّمون أولادهم في مدارس خاصة يحصل فيها التلامذة على شهادة أجنبية تخولهم الدراسة في الخارج، أو لهم صلات بالخارج على الأقل تجعل شهاداتهم المدرسية معترفاً بها، خلافاً للفقراء الذين يدْرسون في المدارس الرسمية أو المدارس الخاصة المتواضعة، وقلما يذهبون للدراسة في الخارج إلا إذا كانوا متفوقين وحازوا منحاً دراسية، وهذا بذات نفسه مجاف للعمل النقابي, فضلاً عن الظلم الناشئ عنه، الذي لا يخفف من فداحته عمر الحراك المطلبي مهما طال.
أما الخطأ المضحك المبكي فهو تلك التناقضات التي اجترحها المعلمون، والتي هزت صورتهم بصورة لا يفرح لها قلب محب، فهم قد أضربوا، ثم قبلوا الإشراف على الامتحانات أسئلةً ومراقبة، ثم امتنعوا من التصحيح، ثم أعلنوا أن الدراسة ستمضي بصورة طبيعية في المدارس منذ مطلع السنة! وما معنى أن يشرفوا على الامتحانات ثم يمتنعوا من التصحيح، هل لذلك اسم غير اتخاذ التلامذة رهينة؟ وما معنى أن يعطلوا تصحيح الامتحانات ثم أن يعِدوا بتسيير الدراسة في المدارس؟ يتخذون التلامذة رهينة في الامتحانات، ويطلقونهم بعدها، قبل أن يحصلوا على أي مكسب ظاهر؟ وكيف سيصنعون بالتلامذة الراسبين أصلاً في الصفوف المتوسطة، أَيعتمدون على الإفادات، وهم لا يعترفون بها، أم على العلامات المدرسية والدولة لا تعترف بها؟ وماذا سيصنع التلامذة الذين لا ينجحون في امتحانات الدخول إلى الجامعة، أيعودون إلى المدرسة لاستدراك أوضاعهم، أم يتركون الدراسة حتى يقضى الله أمره؟ وأسئلة وأسئلة، تدل على مقدار التعنت الذي لم يبخل الله به على هيئة التنسيق النقابية. وما ضر المعلمين لو صححوا المسابقات ثم عادوا إلى الحراك المطلبي بصورة تتلاءم والظروف السياسية والتربوية القائمة التي لا يفكر بالقفز فوقها ذو عقل.
إن للعمل النقابي سياسة ورؤية غير سياسة رجال الحكم والدولة الفاسدة، وغير رؤيتهم، وهو يراعي مصالح الناس أكثر مما يراعيها عمل الساسة التقليديين، وليس فيه تصلب بل صلابة؛ وما جرى كان في بدايته يدل على الصلابة والرؤية الحكيمة، لكن ما انتهى إليه لم يخل من نزق. فليترفق المعلمون، وليفكروا بالرسالة التربوية والنقابية، ولا يستعْدوا موظفين آخرين زملاء لهم، ولا أهل التلامذة، وهم المجتمع اللبناني كله، وليبنوا مطالبهم على معايير لا على مقارنات غير علمية، ولتكن حساباتهم صحيحة وصادقة، وليست مغالطات إذا انكشفت لم تكن في مصلحة العمل النقابي قط.


 استاذ جامعي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم