الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

شعر - أنا

جوان سوز
A+ A-

إلى كلّ الذين يجهلونني في هذا المستنقع الذي يسمّونه "الحياة".


أنا أمّي التي ماتت تحت الانتظار بدلاً من التعذيب؛ أنا أخي الذي لم أره منذ سنين؛ أنا أختي التي نسيتْ ملامحي؛ أنا أبي الذي يكرهني جداً، ويرفض دائماً أن أكتب الشعر لابنة الجيران؛ أنا عمّي الكبير الذي يضرب زوجته كلّ مساء؛ أنا ابنه الصغير الذي يبكي كلّما نظر إلى عينيه البيضاوين؛ أنا ابنته الشريرة، تلك التي تحقد على جدّي وجدّتي، وتتمنى لهما الموت قبل الأوان.
                                                                                 * * * 
أنا عمّتي الكبرى التي لم أكرهها يوماً، وهي مع ذلك تدعو لي بالفشل في كلّ صلاة، كلّما رأت أولادها حول مائدة الطعام؛ أنا عمّتي الصغرى التي لم تعرف بعد معنى الأمومة، تلك التي عشتُ طفولتي معها، تلك التي أنقذتني من برودة الشتاء في عام 1994.
                                                                                * * *
أنا جدّي الذي عاصر محتلَّين ونيّفاً؛ أنا جدّتي التي تتأوه كلّ ثانيّة، كلما تذكرت ولدها المشرّد منذ عقدَين، ذاك الذي لن يأتي أبداً.
                                                                               * * * 
أنا تلك القرية التي غادرتُها في خريف 2003 ولم تغادرني يوماً؛ أنا تلك المدينة التي لا تجيد الحبّ ولا الكراهيّة، تلك المدينة التي لا تعرف شيئاً إلا اشتياقنا لها، نحن الحمقى المقيدين، لا نملك سوى المشاعر وجيوبنا المثقوبة، كلّما مشينا في الشارع، تفاجئنا بشيء ما سقط منّا، حتى لم يبقَ منا شيء سوى رائحة النبيذ ونكهة السجائر الأجنبيّة.
                                                                              * * * 
أنا تلك الموسيقى التي أسمعها وأتناسى أنَّ من يغنّي الآن، لم ينتحر بعد؛ أنا ذاك المجنون الذي يرقص معه، وينسى أيضاً أن الحرب لا تزال قرب بيته كخيمة عزاءٍ لسيّد القوم الذي بعثر الملايين من أجل كرسيّه الخشبي.
                                                                              * * *
أنا جوان؛ ومَن عرفني في المدرسة، عرفني باسمٍ آخر، حتى أنّني كتبتُ ذات مرة: "على هويتي كتبوا اسماً ولم يكن لي؛ على جواز سفري كتبوا اسماً ولم يكن لي؛ على سطح بيتنا نادتني ابنة الجيران باسمٍ غريب ولم يكن لي؛ في حارتنا كانت الفتيات يكتبن اسمي على الحجارة ولم يكن لي؛ في أمانة السجل المدني كتبوا اسماً ولم يكن لي؛ في شؤون الطلاب طردوني من الجامعة ولم يكن الاسم لي؛ في المعتقل كنت رقماً والاسم لم يكن لي أيضاً. في ثلّاجة الموتى كنت شهيداً وكان الاسم لي".


 شاعر وصحافي سوري

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم