الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

دور المسنين: ردهات انتظار الموت!

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
A+ A-

"اللي خلّف ما مات ... لكنّه قد يرمى في أحد دور العجزة بانتظار الموت" ... هذه حال كثير من الآباء والأمّهات الذين ضحّوا بشبابهم في سبيل تربية أولادهم، لكن عندما استفحل الكبر بهم، وضعوا في دور للمسنين.


تتعدّد أسباب لجوء الأولاد إلى هذا الحلّ، إمّا لعدم قدرتهم على الاعتناء بأهلهم بسبب العمل، إمّا لخلافات في العائلة بين الكنّة والحمى مثلًا، إمّا بسبب مرض الأهل وعدم قدرة أولادهم على توفير العناية اللازمة لهم. لكن هل دار المسنين هو المكان المناسب لهم؟ هل يلقون العناية التي يطمح إليها الأولاد؟


إهانات وضرب
تستهلّ إحدى الممرّضات السابقات في دار للمسنين في المتن حديثها لـ"النهار" بالقول : "أدعو الله أن لا يعوزني الدخول إلى مأوى، أتمنى الموت قبل أن أصبح عاجزة عن خدمة نفسي". عن الأسباب التي تدفعها نحو هذا القول، تردّ: "من المفترض أن يكون دار لرعاية المسنّ والاهتمام به، لكن للأسف الشعارات تختلف عن الواقع. بدل العناية به وصون كرامته، يتعرّض لشتى أنواع الإهانات، بدءًا بتوجيه الكلام النابي له وصولًا إلى ضربه، مستغلين ضعفه وعجزه في الدفاع عن نفسه".


وتضيف: "المسؤوليّة جماعيّة، تقع على بعض الأولاد الذين لا يكترثون لأهلهم، وعلى عاتق المؤسسات نفسها التي ترتكب الكثير بحقّ المسنّ، سواء لناحية عدم تأمين طاقم وظيفي كافٍ أو لناحية ضربه كما كانت تفعل الراهبة المسؤولة في المؤسسة التي عملت فيها. وكذلك على العاملين الذين لا يؤنّبهم ضميرهم ويردعهم عن هذه الممارسات".


كيف نقيّم وضع المسنّ في لبنان؟ ما هي سبل حمايته وتوفير حياة صحيّة له والمحافظة على كرامته؟ من يتحمّل مسؤوليّة المخالفات والتجاوزات الإنسانيّة والقانونيّة؟ هل المحاسبة وحدها المطلوبة من غير معالجة النواقص وتطوير القطاع؟ ما هي الحلول المطروحة أو المشاريع المنفّذة لتطوير هذا القطاع؟


الوضع القائم
تقيّم الاختصاصيّة في رعاية كبار السنّ، ومديرة بيت القديس جاورجيوس، السيّدة مها أبو شوارب، في حديث لـ"النهار" وضع كبار السنّ ودور الرعاية في لبنان وتقول: "الإنسانيّة وحبّ الاهتمام بكبير السنّ قائمان في لبنان، مازلنا نحترم الكبير ونخاف ربّنا، لكن البيئة والثقافة اللبنانيّة تطغى على المهنيّة بالتعاطي. دور الرعاية تعمل ضمن معطيات ضعيفة بسبب ضعف الدعم والمساعدة من الدولة. رسالة دور كبار السنّ مهمّة لكن من غير الممكن إيصالها إن لم تكن مبنية على قواعد مهنيّة، فهي ليست مأوى بل تعنى بصحّة وكرامة المسنّ. هناك نواقص كثيرة في المؤسّسات التي تعمل ضمن إمكانات ضئيلة معنويًا وماديًا وبشريًا".


متطلبات التحسين
لا شكّ في أنّ هناك تجاوزات وانتهاكات وقلّة احترام يتعرّض لها المسنون، وفي المقابل تعاني هذه المؤسّسات من نواقص لوجيستيّة وقانونيّة وماديّة، فما هي المتطلبات الواجب توافرها لتأمين حياة تليق بمن ضحّوا بشبابهم لنصبح شبابًا؟ تردّ أبو شوارب: "أولًا يجب حماية كبار السنّ عبر وضع شرعة وطنيّة في شأن حقوق كبار السنّ، على أن تشمل حقّه بالحماية الاجتماعيّة وتأمين استقلاليّته الماديّة والإفراج عن قانون ضمان الشيخوخة. ثانيًا دعم الدولة لهذه المؤسّسات لتحسين نوعيّة الخدمة المقدّمة. بيّنت دراسة أجريت مع نقابة المستشفيّات أنّ كلفة المسنّ اليوميّة تبلغ 80 ألف ليرة لبنانيّة بينما المبلغ الذي تؤمنه وزارة الصحة هو 26350 ليرة يوميًا. رفعت وزارة الشؤون الاجتماعيّة التعرفة اليوميّة التي تقدّمها من 4 آلاف إلى 18 ألف ليرة. هناك تراكمات على الوزارات بسبب التأخير في الدفع، والمؤسّسات تعاني من الديون خصوصًا أن السقف المالي السنوي لم يرفع. ثالثًا هناك ضرورة قصوى لتدريب العاملين في المؤسّسات، تقديم حوافز لأصحاب الاختصاص والشهادات التمريضيّة للعمل في دور رعاية المسنين ورفع الرواتب المعطاة لهم".


مخالفات وعقوبات
إلى ذلك، تشدّد أبو شوارب على ضرورة جلب أصحاب الاختصاص والخبرة في علم وطبّ الشيخوخة إلى هذا القطاع بهدف تحسينه خصوصًا أنّ فتح أي مركز رعاية لا يتطلب سوى "علم وخبر" من وزارة الداخليّة، ترخيص من وزارة الصحّة واتفاق معها، إضافة إلى تشديد المراقبة الفعّالة والمنتجة، والتعامل مع كلّ المؤسّسات بتساوٍ بعيدًا من المحاصصات الطائفيّة.


وعن المخالفات التي ترتكب في بيوت رعاية المسنين، التي تبدأ بإهانتهم لفظيًا وصولًا إلى تعنيفهم، تؤكّد أبو شوارب أنّ التجاوزات والأخطاء موجودة، ولكن من السيئ تعميم حالات محدودة على كلّ المؤسّسات. وتقول: "داخليًا هناك قانون على الموظّف احترامه، يحدّد حقوقه وواجباته، يحاسب وفق درجة الخطأ بدءًا من التنبيه الشفهي وصولًا إلى الإنذار ثمّ الصرف من الخدمة. وعلى المستوى الرسمي، من حقّ الوزارة أن تراقب وتحاسب ومن واجبها أن تساعد وتحسّن، وهناك حالات أغلقت فيها بعض الدور جرّاء المخالفات التي حصلت داخلها".


مشاريع تطوير
من جهة أخرى، بدأت وزارة الشؤون الاجتماعيّة منذ عام 2011 مشروعًا مشتركًا مع برنامج السكان والتنمية مدعوماً من صندوق الأمم المتحدة للسكان لوضع معايير جودة للمؤسّسات الصحيّة والمستوصفات ودور المسنين، وتشرح عضو الهيئة الوطنيّة الدائمة لشؤون المسنين التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعيّة والخبيرة الاستشاريّة في المشروع، منال سعيد، العمل لـ"النهار" : "مازال المشروع في بداياته، أجرينا دراسة وطنيّة عام 2010 لوضع معايير جودة للمؤسّسات التي تعنى بالمسنين، انطلق المشروع عام 2011 وقسّم إلى عدة فصول".


وتضيف سعيد: "تتضمّن المعايير، بيئة الرعاية والمكان الذي يعيش فيه كبير السنّ لناحية المبنى والمفروشات والنظافة والسلامة العامّة. ضرورة وجود موارد بشريّة متخصّصة تتعامل مع المسنين، بدءًا من ممرضين مخرّجين، أطباء متخصّصين، اختصاصيين نفسيين وغذائيين واجتماعيين، وفريق عمل كامل ومتكامل. التركيز على مكافحة انتقال الأوبئة. ضرورة وجود ملف لكل مسنّ وتقييم شامل له تمهيدًا لوضع خطّة رعاية شاملة تهتمّ بصحتّه الجسديّة والنفسيّة. والأهمّ التشديد على تطبيق واحترام حقوق كبير السن وحمايته من أي استغلال وتعنيف داخل المؤسسات".


وتشرح سعيد: "لبنان وقّع على كلّ الوثائق التي تطالب بتأمين حقوق المسنّ، وتالياً هناك ضوابط قانونيّة لا يمكن المؤسّسات أنّ تتفلّت منها. للأسف في الوقت الراهن لا يوجد أي قانون خاصّ بكبار السنّ ولا رقابة ولا شروط لفتح مؤسّسة مماثلة. كلّ ما يتطلّبه الأمر جلب رخصة من وزارة الصحّة. اليوم 10% من سكان لبنان أي حوالى 400 ألف شخص هم من المسنين وبحاجة إلى اهتمام خاصّ، هناك خطوات يجب اتخاذها بسرعة لحفظ كرامة المسنّ. الهدف من هذه المعايير تحويل المؤسّسات من دور انتظار للموت إلى دور حياة".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم