الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رسالة مفتوحة إلى حاكم مصرف لبنان

جمانة سلّوم حداد
A+ A-

تحية وبعد،
ذهبتُ قبل أيام إلى أحد المصارف، لأفتح باسم ابني القاصر حساباً يستفيد من مدخراته المتواضعة بعد أن يبلغ السنّ القانونية، ففوجئت باعتذار الموظف عن عدم تمكنه من ذلك.
السبب أني امرأة.
قال لي الموظف إن القانون اللبناني لا يسمح للأمّ بفتح مثل هذا الحساب، لأن ذلك مقصور فقط على الوالد باعتباره وصياً و... ذكراً.
في واقع الحال، ذهبتُ والوالد بعد ذلك إلى المصرف، ففتح الحساب "الخطير" وانتهى الموضوع عند هذا الحد. لكن المسألة في جوهرها لم تنته عندي.
يهمّني أن أوضح للقرّاء كم بدا الموظف مرتبكاً ومحرَجاً وهو يشرح لي هذه التفاصيل المصرفية والقانونية البائسة التي تحكم العلاقة غير المتوازنة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا، وفي قانوننا للأحوال الشخصية.
أعرف أن مآسينا كثيرة، وأكبر من هذه القضية "التافهة". يكفي أن نشاهد قوافل القتلى والشهداء، وانهيار مؤسسات الدولة، وفراغ الرئاسة، وفساد القيم، حتى أعزّي نفسي بالمثل الشعبي اللامع: عندما ترى مصيبة غيرك، تهون عليك "مصيبتك". علماً أن مصائب البلاد هي مصاب جماعي، وهي بالذات مصاب شخصي، بكل ما في الكلمة من معنى.
ولكن، من أين لبلاد أن تستقيم أمورها وأحوالها، إذا كان التمييز بين الرجل والمرأة فيها يبلغ هذا الحدّ الفاحش والمهين؟
قلتُ مخفِّفةً وطأة المسألة في نفسي، إذا كانت المرأة الأمّ لا تستطيع أن تمنح جنسيتها لأولادها، أفيضيق في عينيها عدم تمكنها من فتح حساب مصرفي باسم ولدها القاصر؟!
ثمّ مرّت في خاطري مشاهد المهانة اليومية التي تتعرض لها المرأة في حياتها، كابنة وزوجة وأمّ، على يد المجتمع الذكوري البطريركي. فضربتُ صفحاً عن الحادثة المذكورة.
لكني، بعد حين، قلتُ في نفسي لماذا لا أوجّه رسالةً إلى سعادة حاكم مصرف لبنان في هذا الشأن، وأنا أعلم علم اليقين أن الحلّ قد لا يكون عنده. إذ لا بدّ أن يكون محصوراً في أيدي صنّاع القوانين، وخصوصاً صنّاع قوانين الأحوال الشخصية.
ثمّ قلتُ في نفسي: ما دام الزوج الأب راضياً، بل مبتهجاً، فلماذا لا يرضى القانون، فيرفع هذا الغبن القيمي اللاحق بالمرأة؟ ولماذا يريد أن يكون ملكياً أكثر من الملك؟
رسالتي إليك، يا سعادة الحاكم، أن تعمل على رفع هذا الغبن، وأن تساهم، من حيث أنت، في اتخاذ اجراء "مصرفي" رمزي، قد يكون خطوة أولى في مسيرة وضع حدّ لهذه المهزلة الذكورية التراجيدية.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم