الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

علي برّو والإضراب عن الطعام: إحتجاج أم نضال؟ \r\nضرورة التخطيط لأعمال تأييد ومناصرة

علي منتش
A+ A-

لا خيمة تحمي الدكتور علي برو (رئيس مصلحة في وزارة الزراعة) من شمس تموز الحارقة، فقد صادرت القوى الامنية الخيمة التي كان قد نصبها بداية اعتصامه بعدما قررت ان حرية الاعتصامات في لبنان تقتصر على السياسة فقط. تستطيع مثلاً قوى الرابع عشر من آذار او الثامن منه نصب عشرات الخيم واقفال طريق وسط البلد لأشهر عدة، هذه حرية. اما ان يعتصم مضرب عن الطعام من اجل تحصيل حقوقه، فهذا امر مرفوض، مشوّه للمنظر العام، معرقل لحياة الناس، مهدد لأمن المسؤولين، وان كان المعتصم يريد الموت من الجوع، فليمت من الجوع والحرّ معاً.


سيموت برو يوماً ربما، من اجل كرامته، وفي احسن الاحوال سينقله اقاربه الى المستشفى بعد تدهور حاله الصحية. قد لا يندم حينذاك لأنه يعرف انه اختار نضالاً سلمياً. سيشعر انه أصبح كغاندي، سيفكر بثورة قد تندلع بعده... ولن تندلع.
على مسافة امتار من اعتصام برو، يجتمع النواب اسبوعياً، وكذلك الوزراء، لكن لا احد يهتم. يبدو كأنه غير مرئي بالنسبة اليهم. كثر ممن يمرون في ساحة رياض الصلح لا يعرفون برو. وكثر لا يعرفون قصته. يحجّ الاعلاميون اليه، ففي اعتصامه مادة لا بأس بها. يحدثهم عن غصته من وضع البلد، وعن امله بامكان احداثه خرقاً في الوضع القائم، وبانضمام آخرين اليه. لا ينتظر برو المعنويات من احد، بل هو من يعطيها لاصدقائه الذين يزورونه يومياً. يقول لزواره انه صامد، لن يتزحزح، وسيصمد لأربعة اشهر.
بهدوء يؤكد لزواره ان معركته من اجل المواطنة، من اجل حقوقه كمواطن، "فالمطالب لم تعد من اجل سلسلة الرتب والرواتب فقط، بل تعدتها".
لا يمل من الحديث عن الفساد في الادارات العامة، ويكرر امام الجميع انه لم ولن يستسلم له وللفاسدين. هو لم يدخل في شبكة الفاسدين في المؤسسات العامة، وهذا ما اوصله الى هنا، "لكني غير نادم البتة".
بدأ برو يشعر باليأس، فهذا يومه الحادي والعشرون من الاضراب عن الطعام ولا احد حوله. هو لا يريد الانتحار كما قال، ولا يريد جلد ذاته، تجربته كانت من اجل تجييش الرأي العام، "هذا هو المنطق"، لكن لا يبدو ان التجربة نجحت.
اربع حالات فقط ستجعل برو يتراجع عن اعتصامه رغم يأسه، الحالة الاولى هي قيام الاساتذة بالتراجع عن قرارهم، والقيام بتصحيح الامتحانات الرسمية، الثانية قيام مجلس الوزراء باصدار افادات للطلاب، الثالثة اقرار سلسلة الرتب والرواتب. اما الحالة الاخيرة فهي تأكده ان لا مجال لتحقيق اي خرق من خلال تحركه.


أصول وقواعد
حركة برو "النضالية" ليست الأولى في لبنان، ولا حتى في العالم، علماً ان التحركات النضالية في العالم غالباً ما تجد صدى عند المسؤولين. اما في لبنان فحدث ولا حرج. فهل تعتبر خطوة برو واعتصامه عن الطعام تلبية لمطلب اقرار سلسلة الرتب والرواتب اسلوباً من اساليب النضال اللاعنفي؟
تقول رئيسة جامعة اللاعنف وحقوق الانسان في العالم العربي الدكتورة أوغاريت يونان ان ما قام به برو يسمى اضراباً عن الطعام، وهو اسلوب من اساليب النضال اللاعنفي، "لكن لهذا النوع من النضال اصوله وقواعده".
وتضيف: "اهم ما في النضال اللاعنفي هو التخطيط، فهو ليس شعاراً، او كلمة جذابة، بل يتطلب استراتيجية متكاملة، وذكاء في استخدام الوسائل المستخدمة".
وتعتبر يونان ان "الاضراب عن الطعام قد يكون عملاً احتجاجياً، وليس عملاً ضاغطاً، وهذا يتوقف على كيفية ممارسة هذا الاحتجاج، الذي يرتقي الى مفهوم النضال اللاعنفي في حال استطاع استنهاض الرأي العام، والضغط على السلطة".
وتشير الى انه "لا يمكن المباشرة بالاضراب عن الطعام من دون التخطيط لأعمال تأييد وتضامن كالاعتصامات، من اجل استنهاض الرأي العام في طريقة متواصلة، وهنا تظهر قوة هذا النوع من النضال، حيث تظهر القوة الجماعية للمتضامنين مع المضرب عن الطعام".
وتشكك يونان في امكان وصول برو الى تحقيق اهدافه، "لأنه لا يبدو ان هناك شروطاً لنجاحه" وخصوصاً "عدم وجود تنسيق بين برو وهيئة التنسيق النقابية التي تطالب بالمطلب نفسه، اي سلسلة الرتب والرواتب، وحتى لو كان هناك تنسيق فهو امر غير بادٍ، وسيؤدي الى فشل التحرك"، علماً ان هيئة التنسيق قررت أمس التضامن مع برو لكن ليس على قاعدة الاضراب عن الطعام!
أما عن تجارب الاضراب عن الطعام في لبنان، فتقول يونان انه حصلت بعض التجارب "غير الناجحة للاضراب عن الطعام، كإضراب بعض طلاب الجامعة الاميركية، الذين نقلوا الى المستشفى بعد نحو عشرين يوماً من دون ان يحققوا مطالبهم".
بالكلام تتضامن هيئة التنسيق مع برّو، الذي قد يكون لم ينسق معها في البداية. بالكلام فقط، حتى ان اعضاء الهيئة استكثروا عقد مؤتمرهم الصحافي في رياض الصلح، لعل الشمس حارقة. لكن ماذا لو قام نقيب المعلمين نعمة محفوض، ورئيس رابطة التعليم الثانوي حنا غريب وغيرهم من قيادات هيئة التنسيق بإعلان الاضراب عن الطعام لاسبوع واحد، مع ما سيرافق ذلك من ضجة اعلامية وشعبية؟ هل كان سيكون الضغط حاسماً؟ برأي برو نعم.


[email protected]
Twitter: @alimantash

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم