الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

صحة جنسية - قبل أن تبدآ معاملات الطلاق!

الدكتور بيارو كرم
A+ A-

تبدل مركز المرأة الإجتماعي خلال الاعوام الأربعين الماضية. كانت تتعلّم الطبخ والتنظيف قبل أن تتزوج وتبقى في المنزل للإهتمام بالأطفال. لم تكن لديها تساؤلات عن إمكاناتها المتعلقة برغبتها في القيام بأمور أخرى لتحقيق ذاتها خارج إطار الزواج والإنجاب وتربية الأطفال. سمح لها التحرّر شيئاً فشيئاً بتقدّم إيجابي نحو مزيد من الإستقلالية والحرية. هذا في الوقت الذي يبدو أن أغلبية الرجال لم يدركوا معنى ومترتبات تحرّر المرأة من الإطار المنزلي الضيق، إذ ما زالوا يتوقّعون من نسائهم الإهتمام بالشؤون المنزلية حصراً. ولمحاولة فهم حالات الفشل المتزايدة بين الثنائي، يجب اخذ هذا التفاوت بين مفهوم الرجل لمركز المرأة وحقيقة واقع المرأة المستجدّ في الإعتبار، وهو أمر يولّد الكثير من الإحباط لدى الطرفين.


بما ان المجتمع يزداد تعقيداً، تبذل النساء كما الرجال جهوداً متزايدة لحل المشكلات العملية والإجتماعية والمادية وهذ الجهد يستنفد كل ما لديهم من طاقات بحيث لا يعودوا قادرين على حل نزاعاتهم داخل العائلة. هذا الضغط الإجتماعي لا يصبّ في مصلحة استقرار حياة الثنائي.
والطلاق إذا كان خلافياً أو توافقياً، فهو لا يمرّ أبداً مرور الكرام كونه حدث يزعزع العادات الحياتية ويطرح تساؤلات حول الأسس التي قام عليها الثنائي ويُدخله في مرحلة من الإضطرابات والمضاعفات النفسية. يُعتبر الطلاق بمثابة قفزة في المجهول يصعب التعامل معها وتجاوزها، فتأثيراته النفسية تتخطّى إطار حميميّة الشريكين.
الطلاق هو أصعب العقبات التي تعترض حياتنا وهو قد يكون على درجة من العنف تُخلّ بتوازن بعض الأشخاص المعنيين وتُربكهم كون العقل والمنطق في بداية مرحلة الإنفصال يكونان مغيّبين.
هي مرحلة تتّسم بالمعاناة والشعور بالنبذ والرغبة في الإنتقام وتكون مُشبعة بالألم والإرباك. في حين أنه من الطبيعي، وإن إستغرق ذلك بعض الوقت، أن تعود الحياة إلى مجراها بعد تحقيق الإنفصال ويسمح مرور الوقت شيئاً فشيئاً بإستقرار من نوع آخر.
وفي حالة الطلاق، يُصاب الشريك الذي لم يتّخذ قرار الإنفصال بالإكتئاب التفاعلي. فهو جرح نرجسي تنتج منه أصعب الأحاسيس المؤلمة، ألا وهو النبذ، أي تخلّي الآخر عنا وإلغائه أحادياً كل ما حلمنا بالقيام به لبقية العمر. يتبعه إحساس بالحزن والذنب والتخوّف من المستقبل بحيث نعتقد أننا لن نتمكّن مجدداً من إنجاز أمر ما والنجاح في أي عملٍ نُقدم عليه وأننا قد أصبحنا فاشلين. يمرّ المرء عندها بمرحلة لا يكون فيها على ما يرام، ولا ينام جيداً ويصعب عليه التركيز. يعمّ الإكتئاب جميع جوانب الحياة اليومية.
وللتخلّص من جميع المفاعيل المؤلمة للإكتئاب التفاعلي، على المرء إقامة الحداد على العلاقة المنتهية، أي الزواج، ومنح نفسه الوقت الكافي للحزن وإستيعاب الأمر للتمكّن من تخطّي هذه المحنة وتقبّل فكرة الإنفصال بحيث يكون قادراً على وضع حد لهذه المفاعيل والإنتقال إلى حياة جديدة. وفي حال كانت المعاناة كبيرة، يكون التغلّب على المحنة أصعب ويتطّلب هذا الأمر بعض الوقت. ولكنّنا جميعاً نعرف جيداً أن مرحلة الحزن هذه لا بد من أن تنتهي لأن الحياة تستمرّ وعلينا القيام بأمور أخرى بحيث يتلاشى الخوف والقلق ونستعيد الثقة بالنفس وبالذات. وللإيضاح، سنتطرق في مقال لاحق إلى مراحل الحداد على العلاقة. الاعراض والعلامات التي تندرج في إطار الإكتئاب تتلاشى مع إلتئام الجرح النرجسي. ولكن عندما لا تختفي الاعراض بعد مرور أشهر عدة ولا نتمكّن من إستيعاب الأزمة وتخطّيها، علينا عندها طلب المساعدة واستشارة إختصاصي.


بين الخاص والمحيط
إضافة إلى الطلاق وتعقيداته، تظهر مشكلات من نوع آخر مرتبطة بالمحيط وبالتعامل مع الآخرين. إذ غالباً ما يُدرك المرء في هذه المرحلة أنه فقد التواصل مع أصدقائه الشخصيين وخرج من دائرة محيطه وانحصر مجتمعه بأصدقاء الشريك أو أصدقاء الثنائي. لذا عند حصول الإنفصال، يتفاقم الإحساس بالوحدة والعزلة، ويجد المرء نفسه من دون شخص يمكنه التوجّه إليه. ومن هنا، ومن أجل علاقات إجتماعية صحّية، وفي جميع الأحوال، وإن كان الثنائي على ما يرام ولا يعاني من مشكلات، على كل شريك أن يحافظ على دائرة أصدقائه القدامى والتواصل معهم. وهذه العلاقات الإجتماعية المستدامة تحوط الشريكين في حال الإنفصال وتساعدهما في تفادي الإحباط وخيبة الأمل. لذلك علينا أن نحرص على أن لا نترك الشريك يبعدنا عن دائرة أصدقائنا المقرّبين وعلى الثنائي إدراك أن إبعاد الآخر عن أصدقائه هو مؤشّر إلى أن الأمور ليست على ما يرام. وعليه عندها التساؤل عن الأسباب والدوافع التي تقف وراء ذلك.
والأولاد؟
في الزواج يقوم الشريكان بحل مشكلات ومعضلات لم تكن لتحدث إذا كانا عازبين. أما في حالة الطلاق، فنجد أنفسنا مجبرين على حل تلك المشكلات وحدنا لأننا لم نعد معاً لحلها. ينبغي على الطلاق أن يبقى مشكلة الثنائي وحده، لذا يجب عدم محاولة جرّ الأولاد إلى متاهات مراحل الإنفصال وإقحامهم فيها، وإنما على الشريكين إبعاد أولادهما عن هذه التعقيدات للمحافظة عليهم وحمايتهم.
معظم الأهل يحبّون أطفالهم ولا يريدون إيذاءهم؛ لا يدرك الأهل أنهم حين يتحدّثون بالسوء عن بعضهم بعضاً، إنما هم يُعرّضون نمو أولادهم النفسي للخطر كما يُلحقون بهم الأذى عندما يحرمونهم من رؤية أحد الوالدين. الأولاد ليسوا بأي حال من الأحوال أداة ووسيلة يستغلّهما الشريكان للنيل من الآخر.
والشريك الذي يحرم الآخر من أولاده يقوم بذلك ظناً منه بأنه يحميهم لأن هذا الآخر قد أصبح غريباً، ما يعني أنه قادر على إلحاق الأذى بهم وإرباكهم تماماً كما فعل بالثنائي.
وفقاً لما تقدم فإن الحوار المنطقي وحده لا يمكنه التغلب على جميع هذه الصعوبات. والأسوأ هو أن الولد الذي يمتص فعلاً ضغائن وحقد وإستياء والديه، يدخل في هذه اللعبة غير الصحيّة ظناً منه أنه يكسب بذلك رضاهما.


إختصاصي في الصحة النفسية والصحة الجنسية
www.heavenhealthclinic.com


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم