الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حفلات التخرج: ما بين الفرح والأعباء الباهظة

سلوى ابو شقرا
A+ A-


يخجل سامر بأن يقول لزملائه أنه لن يتمكن من مشاركتهم في كل تفاصيل التخرج. فقد اتفق عدد منهم على احياء المناسبة على متن يخت في البحر. تتوزع التكلفة ما بين ايجار المركب، وتكاليف السهرة والعشاء، لتبلغ نحو 500 دولار للشخص الواحد، وعليه أن يدعو صاحبته ايضاً. فمن اين له الألف دولار؟


يرى سامر ان الفرحة يمكن أن تكتمل من دون كل هذه الأعباء. فالجامعة تستوفي بعض الرسوم. وعلى أمه وشقيقته ان تشتريا ثياباً جديدة، وهو ايضاً يحتاج الى البعض منها.
فكر ملياً في ما يمكن أن يقوله للتهرب من المناسبة التي صار الطلاب والتلامذة يحرصون على تنظيمها إيماناً منهم بأنَّها تمثِّل نهاية مرحلة وانتقالاً إلى مرحلة أُخرى مختلفة، وطريقاً يحدد مستقبلهم، لذا، تلقى هذه الحفلات اهتماماً بالغاً، وتخصص لها ميزانيات بمبالغ طائلة، مع ما يرافقها من اهتمام الخريجين والخريجات بمظهرهم وإطلالتهم في هذا اليوم.
تؤكد حنان أن "حفل التخرج مرحلة مهمة وانتقالية في حياة الطالب وتحصيله العلمي، لكن لا بد من أن تكون المظاهر الاحتفالية خلال هذه المناسبة بالمستوى المعقول حتى يتسنى لكل الطلاب المشاركة والاحتفال"، لافتةً إلى أنَّ "المبالغ التي تُدفع خلال هذه المناسبة مهولة، ويترتب عنها آثار سلبية على الطلاب من عدم الشعور بالقيمة المعنوية للحفل، والتركيز على الجانب المادي فقط".
بدوره، لا يحب موريس حفلات التخرج، غير أنَّه شارك في حفل تخرجه المدرسي لكنَّه تغيَّب عن حفل تخرجه الجامعي، معتبراً أنَّه "ليس بالأمر الضروري، خصوصاً إذا كان الطالب يطمح من خلال استكمال دراسته الجامعية الى الحصول على شهادات عليا، كما أنَّ كلفة حفل التخرج الجامعي باهظة جداً لمن يعيل نفسه أو عائلته ولديه مسؤوليات وأعباء مادية"، مقترحاً على الجامعة "توفير حفل تخرج مجاني للطلاب من دون أعباء لأنه أمر يستحقه الطالب"، معللاً: "لقد سبق ودفعنا مسبقاً ثمن دراستنا".
وتنتقد فرح حفلات التخرج التي "تحوَّلت في الآونة الأخيرة إلى ما يشبه حفلات الزفاف لناحية المبالغ والأرقام المرتفعة التي تُرصد لهذه الحفلة داخل المدرسة أو للسهرة المسائية التي تتبعها إن في المطعم أو الفندق أو الملهى الليلي، والتي تعتبر مكلفة من حيث اختيار القاعة والاستعراض بأحدث الأزياء والإكسسوارات، إلى جانب التعاقد مع بعض الفرق أو المطربين لإحياء الحفل، ما جعل هذه الحفلات تفقد طابعها التربوي".
أما بالنسبة إلى زينة فإنَّ "حفل التخرج مناسبة تحفل بذكريات جميلة لن تمحى من ذاكرتي، فهي تمرُّ مرة أو مرتين في العمر ما يجعلها مناسبة مميزة، تبقى خالدة في الذهن". ويشاطرها ماهر رأيها معتبراً أنَّ "حفلات التخرج أصبحت مطلباً نفسياً واجتماعياً للطلاب بعد عام دراسي من المذاكرة وأداء الواجبات، وهي تُعد ذكرى جميلة ستبقى في ذهني عن السنوات التي أمضيتها في المدرسة".


تكاليف باهظة
يعرض منظِّم الأعراس والمناسبات إيلي برشان المبالغ التي يترتَّب دفعها للتحضير لحفل تخرج، فيلفت إلى أنَّ كلفة الطاولة في مطعم هي حوالى 65 دولاراً، ومنصة الديكور حوالى 750 دولاراً. أما الطعام فبين 60 و 70 دولاراً، ومنسق الأغاني 1,000 دولار، والصوت والإضاءة بين 3,000 و4,000 دولار.
بدوره، يشير شربل غصوب المتخصص بتنظيم الحفلات إلى أنَّ "حفلات التخرج تختلف بين سنة وأخرى تبعاً للمطلوب من الطلاب لناحية حجم القاعة والديكور". ويُعطي أرقاماً تقريبية حول الكلفة العامة لهذه المناسبة، ويقول: "إنَّ كلفة المطعم هي حوالى 60,000 ل.ل. للشخص الواحد، وإيجار ثوب التخرج 6,000 ل.ل. للطالب الواحد، وكلفة الدرع حوالى 15,000 ل.ل. للشخص الواحد. في حين أنَّ التصوير بين luma وإضاءة وكاميرات وتظهير صور يكلف حوالى 3,000,000 ل.ل.، أما إيجار مسرح فكلفته 900,000 ل.ل، وهذه المبالغ يجمعها الطلاب في ما بينهم".


* * *


أنا وحفلات التخرج


غ. ح.


لم أطق يوماً تلك الحفلات الفولكلورية المملة. ان نلبس ذلك الثوب ونقف ساعات في انتظار تسليمنا تلك الشهادة، وأن نكون مجبرين على سماع كلمات وخطب لا تعبر عن واقع الحال غير الودّي تماماً. أقوال تناقض الحقيقة من ناحية التربية الأخلاقية والمستوى العلمي والرعاية والعناية والمتابعة. وكلها بالنسبة للطالب ضروب من الكذب.
قد تكون فرحة الطالب كبيرة لأنه يغادر تلك المقاعد والقاعات، وربما يبتعد عن بعض الوجوه. فالأساتذة ليسوا كلهم "مهضومين" او "اكفياء". أتذكر استاذاً جامعياً كان يحدثنا عن شهادته للدكتوراه الفرنسية، لكنه كان يضحكنا عندما يتحدث بالفرنسية.
لذا كنت دائماً ضد تلك الحفلات مشاركة او حضوراً. ولم احضر واحدة منها. وقد حرمت اهلي مشاهدتي في ثوب التخرج، بل اني لم اخبرهم بموعد الحفل الذي جاء متأخراً بعض الشيء. قلت لهم ان الجامعة لم تنظم لنا حفلاً بسبب الاوضاع.
وقلت لعدد من اساتذتي اني سأكون مسافراً في ذلك التوقيت، وقلت لزملائي اني أمقت تلك المناسبة. لكنني اليوم اجدني ملزماً حضور بعضها مسايرة لأصدقاء او ربما تحبباً لقريبين مني وهم اهل بيتي. لم اتحول الى "حب" تلك المناسبة، لكني صرت أقل حدة في "رفضها" ربما لأنني لست البطل في ذلك الفيلم الفاشل.
حفل التخرج، يشبه احتفالات اجتماعية كثيرة مملة، ويضحك كثيرون عندما اقول لهم ان واجب العزاء أهون من العرس لأنه يتطلب وقتاً اقل وتحضيرات اقل لدى النساء وانتظاراً اقل لدى الرجال.


* * *


احتفال بنجاح فاشل


صارت حفلات التخرج موضة. فالتلميذ الصغير الذي انهى مرحلة الحضانة، وينتقل الى المرحلة الأساسية يقام له حفل. والذي انهى "السرتفيكا" (وهي شهادة لم تعد موجودة) او الذي نجح في البريفية (تكاد تكون غير موجودة) يحتفل به الأهل والاصدقاء قبل المدرسة، ويطلقون المفرقعات النارية.


صحيح انها مناسبة حلوة لكنها لا تستأهل كل هذا الضجيج، فالانتقال من الحضانة الى الأساسي، ومن الابتدائي الى المتوسط (بحسب التسمية القديمة) تلقائي، ولا يسلكه سوى الفاشل جداً او ما نسميه "المعدوم" من شدة الفشل. هذا يستحق الاحتفال اذا ما نجح، اما الباقون فلا، لأن "التهييص" لتلميذ عادي بنجاحه يظهره كمن كان "الأمل به مقطوع تماماً"، وانه حقق نصراً وفتحاً عظيمين.


* * *


بداية جديدة


إنَّ حفلات التخرج هي نوع من التحفيز والتشجيع للطالب على مجهوده وتحصيله الأكاديمي، وهو عامل يشجِّعه على التغيير الإيجابي نحو الأفضل، فيمثِّل الحفل المدرسي استمراراً لتحصيله العلمي حيث ينتقل الى الجامعة حاملاً طموحاته وأحلامه وصداقاته. أما تخرجه الجامعي فهو انطلاقة له نحو سوق العمل حاملاً تخصصه وثقته واندفاعه ومثابرته وإرادته. من هنا، فلهذه الحفلات جانب إيجابي إذ إنها تُشعر الطالب بأهميته وتضيء على الجانب الوجداني لديه حيث يشارك أقرانه لحظات ممتلئة بنشوة النجاح وعبق الذكريات.


* * *


معاناة وإحراج


لا تقتصر معاناة الأهل في بداية العام على الرسوم المدرسية، بل تأتي تكاليف حفلات التخرج لتزيد من العبء المادي على كاهل الأسر، ولا يقوى أي أب على حرمان ابنه أو ابنته مشاركة زملائه وأصدقائه بهذه المناسبة بسبب العوز المادي، لما في ذلك من إحراج لهم بين أقرانهم من الطلاب، ويضطر الكثير من أولياء الأمور للاقتراض، أو اللجوء إلى إدارة المدرسة لإعفائهم من هذه المبالغ، للتمكن من الخروج من هذا المأزق المحرج أمام أبنائهم .

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم