الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بين الخيانة، الحب... والإيروتيكيّة!

الدكتور بيارو كرم
A+ A-

نتناسى لكننا لا ننسى، قد نتخلّى عن المحاسبة لكننا لا نسامح.
لكي نفهم الخيانة الزوجية من الناحية النفسية، علينا أن نراجع الأسس التي قام عليها الإرتباط أصلاً. كذلك علينا فهم ماهية الفارق بين البداية والنهاية وهما طرفا محور الإرتباط الذي ينطوي على عقد ضمني يعتني بحاجاتنا النفسية ويحمل في طياته الثقة بالذات وبالآخر، والإحترام، والوفاء، والإخلاص، والتميّز، وتحقيق الذات والإشباع المتبادل على جميع الصعد: نفسياً ومعنوياً وعقلانياً وجسدياً وروحياً...


في حال ولسبب ما، والأسباب عديدة، لا يعيش الثنائي هذا العقد في حياته اليومية ويخرقه؛ يضع نفسه في وضعية الخيانة بالإهمال أولاً، والإهمال يؤدي حتماً إلى إمكان المغامرة الجنسيّة خارج إطار الحياة الزوجية لإرضاء الحاجة النفسية المشروعة. بدايةً على المستوى النفسي من خلال إنعاش الهوّامات، ومن ثم التصرف الفعلي.
أسباب خيانة الرجل تختلف عن أسباب خيانة المرأة وعلى عكس ما يُشاع ويحلو للبعض تسويقه؛ لا فرق بين المرأة والرجل على الصعيد العاطفي أو في الحاجة للإشباع الجنسي. كلاهما غرائزي وعاطفي على حدّ سواء، وهذا المعتقد الخاطئ يعود إلى تربيتنا وإلى محظوراتنا وعِقدِنا.
القيام بعمل جنسي خارج إطار الحياة الزوجية هو جواب خاطئ على أسئلة صحيحة. وهو يُعرب عن حاجة نفسيّة أساسيّة يكمن الهدف منها بالنسبة الى المرأة كما الرجل في استعادة الثقة بالنفس وتحقيق الذات.
الخيانة إذاً هي عامل قوي للتميّز. وأذكّر هنا أن الثنائي إنّما نشأ في الأصل لهذا السبب تحديداً.
عند المرأة يكون الدافع هو الرغبة في إستعادة تقييمها للذات من خلال نظرة شريك آخر جديد. أما الرجل، فهو عالق ومحتار بين صورة المرأة الفاضلة وصورة المرأة العاهرة، إذ تسمح له الخيانة بالفصل بين الحب والإيروتيكيّة.
البحث عن العاطفة أو عن الغزلية الإيروتيكيّة هو على الأرجح وبالمطلق السبب لخيانة الزوج أو الزوجة، في ما عدا الحالات المرضية. بين نقص التواصل في الثنائي، أو الطمأنينة النرجسيّة، أي مكانة الشخص في الثنائيّة، ومع أخذ الرتابة الجنسيّة في الاعتبار، فإن الأسباب التي تدفع إلى الخيانة ليست دائماً تلك التي نقولها عن وعي، ولكن هذا ليس سوى ظاهر الأمور. فقيام الشريك بالبحث عن مصدر متعة آخر هو أيضاً بمثابة رسالة من اللاوعي. رسالة تتمحور حول نقص في عيش العقد الأساس، نقص في الحب والتبادل والإشباع.
والعلاقة خارج إطار الزواج قد تكون بمثابة إنذار ورسالة تنبئ بأن الوقت قد حان للإعتناء بالثنائي وإعادة ضخّ الحياة فيه من جديد. تأكلنا الخيانة وتنغّص حياتنا وتثير غضبنا وهذه ليست سوى ردّة فعل طبيعية وصحيّة.


مشاعر متعددة تعترينا أمام الفشل
الألم الناجم عن هذه المحنة المرتبطة بالهوية التي تتسبب بها الخيانة، لا يوصف، إذ تتناقض مشاعرنا ويعترينا احساس بالحزن، والغضب، والخوف من المستقبل والمجهول، والوحدة، والإرباك، وحتى الإحباط، فضلاً عن إنهيار مشاريعنا والوصول إلى الطريق المسدود.
تعود ديمومة وبقاء الثنائي إلى مدى الحب والتفاهم الجنسي بين الشريكين. وللتخلّص من مفاعيل الخيانة، وعوض الخضوع للمحنة، من الأجدى إعتبارها فرصة لإعادة التفكير في الثنائي وفي المفهوم السائد عن الحب. إلاّ أنه وفي واقع الأمر، من الضروري إستعادة الثقة بعد الخيانة، وإن كان ذلك صعباً لأنّ شيئاً ما قد إنكسر. نحن قد نتناسى لكننا لا ننسى. قد نتخلّى عن المحاسبة لكننا لا نسامح.
الخائن يشعر بضرورة الحصول على مسامحة الشريك فيما هذا الأخير يصاب بجرح نرجسي ويشعر بأن الخيانة تقلّل من قيمته، فهي بمثابة إهانة له. من هنا تبرز الحاجة إلى إعادة بناء وتوطيد أواصر الثقة. لن يتم ذلك من دون ألم ولا خلال أيام معدودة. فالخيانة تمسّ إحترام الذات والأنا، ولن يكون من الممكن إعادة اللحمة إلى الروابط الصحية والواضحة مع الشريك إلاّ من خلال تخطّي هذا الجرح، ما يعني تخطّي الذات وإن كان هذا الأمر لا يعني التضحية بالذات.
البقاء أو المغادرة مسألة أساسية وجوهرية لاستمرارية الثنائي. خياران لا ثالث لهما لإيجاد حل لهذه المعضلة: يتّخذ الخائن قراراً بالتغيير ويمنح نفسه الوسائل للقيام بذلك ومن أهمها العلاج النفسي، وكما يحصل غالباً يكون الإنفصال هو الحلّ، أو إختيار وتفضيل البقاء من أجل الأولاد وهي ذريعة خاطئة وسيئة؛ فما هو النموذج والمثال الذي نطلب من أولادنا الإحتذاء به في حال قبلنا بهذا الوضع؟ يجب علينا فعلاً إحترام الذات واحترام أطفالنا.
والأسوأ في جميع الأحوال هو الخضوع، أي تقبّل الوضع كما لو أنه محتوم. هذا لا يعني فقط الإستسلام في مواجهة الصدمة وإنما أيضاً يوضح المعنى الذي نعطيه لحياتنا وتقديرنا للذات. ومن جهة أخرى، خطر إنجرار الثنائي نحو لامبالاة عدائيّة هو أمر كارثي للغاية بالنسبة الى الذات والمحيط ولا سيما الأطفال الذين يعانون من هذا الجو السيئ.
الإعتراف مسألة دقيقة وحرجة للغاية، وليس من قاعدة محدّدة تتّبع في هذا الشأن. فالقرار يعود الى الشخص المعني في نهاية المطاف وفقاً لاقتناعاته. بالإمكان إخبار الشريك، وقد يشكّل هذا الأمر مناسبة لفتح باب الحوار. ففي بعض الأحيان، تشكّل هذه المغامرات فرصةً لتعزيز الرابط الزوجي. إلاّ أنه في حال كانت مجرّد مغامرة، حتى لو كان الحب وطيداً بين الشريكين، بإمكاننا التفكير في عدم التحدّث عن الأمر فهذا أمر يتعلّق بالشخصية الفردية. تعود لكم حرية القيام بما ترتأونه مناسباً لما فيه مصلحة الثنائي. ولكن من واجبي التذكير بضرورة توخّي الحذر من الصراحة والشفافية لأن الإعتراف يترك مأساة لا تُمحى نتائجها.
المغفرة شبه مستحيلة في حالة الخيانات المتعدّدة أو حين تكون قد دامت مطوّلاً. إلى جانب الألم الناجم عن الخيانة المتكرّرة، هناك الإهانة المترتّبة عن عدم إيجاد ما يكفي من الشجاعة للإنفصال.
المغفرة لا تعني التصرّف وكأن شيئاً لم يكن، بل هي الإعتراف بالألم الذي نشعر به والتعبير عن هذا الألم للآخر. المغفرة ليست الإبراء والصفح، وإنما هي أمر واعٍ ومتعمّد يتطلّب الإرتقاء بالذات وتخطّي الأنا.
الخيانة خرق للعقد الضمني بين الثنائي.


■ إختصاصي في الصحة الجنسية والصحة النفسية


[email protected]
www.heavenhealthclinic.com

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم