السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

عمرو حمزاوي لـ "النهار": الاسد والمالكي أنتجا معارضات وحشية... وقمع الحريات عاد الى مصر

محمد القزاز- القاهرة
A+ A-

يقف دائماً مدافعاً عن الحقوق والحريات، لم يضبط يوما مؤيدا لسلطة على حسابهما، كان مهاجما لليمين الديني وقت حكم "الاخوان المسلمون"، وحين جاءت ثورة "30 يونيو"، نبّه إلى "أننا نسير فى طريق القمع والانتهاكات"، فخرجت تهم العمالة والتخوين تصوّب عليه وعلى مؤيديه. عمرو حمزاوى، السياسي والباحث المصري، اسم معروف للكثيرين، لكن شريحة كبيرة لم تكن تعرفه إلا بعد ثورة يناير، وتابعته أكثر حين تزوّج الفنانة الشهيرة باسمة.


في مكتبه بالجامعة الأميركية في القاهرة حيث يعمل أستاذاً للسياسات والإدارة العامة كان لـ"النهار" الحوار الآتي معه:


إنطلاقاً من قضية الحريات، هناك حكم بالحبس على صحفيين فيما يعرف بـ"خلية الماريوت"، إلى أي مدى يشكل ذلك خطرا على الحقوق والحريات؟



أولاً، لا تعليق لديّ على أي حكم قضائي، دعني أتحدث عن واقع الحقوق والحريات، منذ عام تقريبا وأنا أقول: إن اللحظة التي يبدأ فيها الترويج للتنازل عن الحرية، أو انتهاكات حقوق الإنسان، وأن يتم الترويج بصيغ تبريرية، بمعنى إن القيود المفروضة على الحرية أو إن انتهاكات حقوق الإنسان تصب في خطة مواجهة أعداء الوطن، والخونة والعملاء. في هذه اللحظة تبدأ دولة القمع ومنظومة حكم وسلطة تصطنع ثنائية يتعارض فيها الأمن والحرية، وكأن سبيل تحقيق الأمن والاستقرار الوحيد هو القضاء على الحريات وعلى حقوق الإنسان، فالوضع الحاصل الآن هو خط ممتد من صيف 2013 يشهد انتهاكات متصاعدة، وعودة لممارسات الدولة الأمنية.


هل حشود "30 يونيو" لا زالت على موقفها من مسار الامور؟


بوضوح، بسبب حدوث انتهاكات للحقوق والحريات، يوجد مكوّن حقيقي عند المصريين "أنهم لا يقبلون الافترى" (الظلم)، وهذا المكون بالتأكيد يباعد بين الناس وبين المشاركة فى تأييد القمع للحريات، وفي الوقت نفسه لدى الناس قلق، وخوف على الدولة ويريدون أمناً واستقراراً.
وفى جميع الأحوال، أنا لا أدعي أن المساحة التي أقف عليها يقف كل الناس عليها، وما زال هناك قطاع واسع "مع"، وهناك قطاع يعيد التفكير وهو يتسع يوميا، وقطاع يرفض .
إذا نحن هنا أمام خانات ثلاث هي: من هم مع، وهؤلاء لهم حق، ولابد من احترام إراداتهم وقراءتهم وبدون استعلاء.
الخانة الثانية، هي خانة من يعيد التفكير، وهي تجمع مفكرين وكتابا، وكثيرا من المواطنين، وهذا هو المهم، ولابد أن تُتاح لهم عملية إعادة التفكير من دون فكرة تسديد النقاط، بمعنى أين كنتم قبل ذلك، فلا يوجد مجتمع يُدار بمنطق استباقي.
الخانة الثالثة هي خانة الأصوات المحدودة التى غرّدت خارج السرب منذ اللحظة الأولى وتحملت حملات التشويه والتخوين والتسفيه والتشهير، وكان رهان هذه الأصوات أن الشعب المصري يملك وعياً حقيقياً ويبحث عن العدل ويرفض الظلم، ويدرك معنى الديموقراطية والعدالة الاجتماعية ويربطهما بالظلم.


ما الذي كرّس لدى المواطن أن الحريات تأتي بمشكلات، هل غياب الأمن والمشكلات الاقتصادية على سبيل المثال؟


أكثر من سبب، دعني أولا أبدأ بالنقد الذاتي، فسوء أداء المتحدثين باسم الديموقراطية لا بد من التعامل معه بموضوعية، وقد كان الاهتمام منصباً على القضايا السياسية الكبرى: الدستور، القانون، الحريات.
وتم الابتعاد عن هموم المواطن الاقتصادية والأمنية، ولذا فإنه آن أوان النقد الذاتي، وعلى القوى الديموقراطية الاقتراب من المواطن من دون استعلاء، كذلك منظومة الحكم والسلطة فى مؤسسات أرادت منذ " 25 يناير" تهجير المواطن من المساحة العامة، هي لم تكن تريده، أرادت إعادة فرض المنطق الوصائي، هناك كذلك القوى والنخب الاقتصادية والإعلامية، فهي متحالفة تقليدياً مع الحكم والسلطة فى مصر، في منطق تزاوج السلطة والمال، وهي لم تطق التعامل مع البناء الديموقراطي.


قلت اننا أمام جولات متعاقبة من إساءة استخدام أحداث محلية وإقليمية ودولية لتسجيل "النقاط" بين صحفيين وإعلاميين وكتاب رأي يتورطون في عمليات تزييف وعي الناس، ماذا تقصد بذلك؟


طبعا، نحن أمام صوت واحد ورأي واحد، وانتهاكات حقوق الإنسان.


لماذا ترى الحديث عن "داعش"، أخذا للمواطن إلى صوت واحد ورأي واحد؟


نعم، لأننا نأخذ الأحداث الإقليمية وتوظيفها باعتبارها تحديات أمنية فقط.



ولكن ألا تشكل "داعش" خطورة حقيقية على الأمن الداخلي فى مصر؟


أنا لا اختلف بأن "داعش" حركة مذهبية وطائفية، وهي ليست الوحيدة فى المنطقة، الدولة العراقية تُفتت، والتفتت بدأ منذ الغزو الأميركي، ولكن علينا أن نسأل عما قبل الغزو الاميركي، كان يوجد استبداد، وطاغية يسمى صدام حسين، كان قبل الغزو الأميركي هناك شخص قتل شعبه بالسلاح الكيميائي. وبدأ تفكيك الدولة العراقية من تفريغ فكرة المواطنة التي تعني الانتماء إلى الدولة الوطنية من المضمون، وهذه النظم لا تتبع إلا أسوأ المعارضات، لماذا نرى فى سوريا معارضة وحشية لأن نظام بشار وحشي، علينا قراءة دقيقة وجيّدة لما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية، نظام بشار هو من انتج هذه المعارضة، الأمر كذلك مع المالكي الذي أنتج معارضة تشبهه، بتمويل إقليمي فى الحالتين من عناوين مختلفة.


ولكن هناك من يقول إن ما يحدث فى سوريا مؤامرة ؟


لننظر إلى الداخل السوري أولا، معوَل الهدم الأول هو الاستبداد والقمع وتفريغ فكرة المواطنة والانتماء للدولة الوطنية من المضمون، بينما معول الهدم الثاني هو التدخل الأجنبى السافر، وللعلم ان عددا كبيرا ممن يهللون لمنظومة الحكم الآن، كانوا مع الغزو الأميركي، وكانوا يقولون إن هذا هو السبيل الوحيد للتخلص من انظمة سموها وقتها " الممانعة العربية".
ولم تطح الولايات المتحدة الأميركية فقط بصدام، بل أطاحت بالدولة العراقية، من تفكيك الجيش والدولة، وسواء كانت تعلم أم لم تعلم، هي مكنت إيران من فرض نفوذها على العراق واستتباعه، ولا يَقِل خطورة أنها مكنت قوى طائفية ومذهبية من حكم العراق. فالغزو الأجنبي مكّن نفوذ إيران من روافع الدولة العراقية وهدمها، والشيء الثاني أنه مكّن القوى الطائفية والمذهبية أن تستبيح الدولة، وفكرة الاستباحة ليس فى العراق فقط، فقد سبقها النموذج اللبناني.


لكن ماذا عن تمويل المعارضة العنيفة؟


لعلي أسال هنا من يموّل المعارضة المسلحة العنيفة التى ترتكب جرائم ضد الإنسانية فى سوريا ضد النظام المجرم والمذهبي؟ ومن قام بتدريب وتمويل "داعش" خلال الفترة الماضية؟ نحن أمام مصالح دولية وإقليمية لا تستحي من استخدام قوى ليست فقط رجعية بل مذهبية وطائفية، إذاً هنا لسنا أمام مؤامرة بل نحن أمام مصالح إقليمية ودولية، وحين ترى إيران تساند المالكي تذهب إلى "داعش"، وإذا رأيت إيران و"حزب الله" يساندان المجرم بشار الأسد تذهب أنت إلى مساندة معارضة مجرمة وتقوم بتمويلها.
هنا نخلص إلى قراءة تقول إن المشهد الإقليمي ينبئ بأن الدولة الحديثة فى العالم العربى تتحول أشلاء، ونحن هنا نتأخر كثيرا عن رؤية ما يحدث حولنا، أين دولة الصومال الآن، لقد اختفت من الخريطة ولم يلتفت أحد، لا جامعة عربية أو نظام أو مجتمع مدني، اليمن فى نزعات انفصالية متنامية لفصل الجنوب عن الشمال ولا نسمع صوت أحد، والأمر يوظف لخدمة مصالح دولية وإقليمية، وفي العراق منذ 2003 والنفوذ الإيراني يتوحش ويمسك بمفاصل أطلال وأشلاء الدولة الوطنية. وبدلا من أن يكون هناك مشروع للدولة الوطنية العراقية، وللعلم فان المصالح الإقليمية العربية قبلت بالغزو الأميركي وهللت له، وصفقت للإطاحة بصدام، ولكن بعد ذلك لم يسعوا إلى بناء الدولة بل ذهبوا إلى معارضة مذهبية وطائفية تواجه المسيطر الطائفي والمذهبي على المتبقي من الدولة، الأمر نفسه فى سوريا، فبدلا من أن يكون المشروع هو معارضة وطنية تواجه نظاما مجرما، دعمت معارضة طائفية عنيفة، أساءت لرغبة الشعب السوري فى الحرية، ومن هنا أصبحت الدولة الوطنية فى المشرق تتحول أشلاء، ليس فقط فى المشرق، فالسودان تم تقسيمه، والصومال اختفت، وليبيا إلى الطريق.


شرق أوسط جديد، فوضى خلاقة، هذه نظريات نرى تطبيقها على الأرض؟ ما رأيك؟


في عامي 2008 و2009 ومع زملائى فى مؤسسة "كارنيجي" البحثية، عارضنا فكرة الشرق الأوسط الجديد، حيث كان يُروّج لها أميركياً، لأن المقصود كان الشرق الأوسط القائم على تدمير الدولة الوطنية، وبالتأكيد فان هذا التدمير لن يأتي بديموقراطية، بل سيأتي بملوك طوائف وقوى تطرف ديني، والحل هو ديموقراطية الدولة الوطنية، ولكن لأقل لك حقيقة، من الواضح ان معاول الهدم الحقيقية ليست خارجية، بل داخلية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم