الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الاطفال السوريون في لبنان: قنبلة موقوتة

المصدر: "النهار"
بلال وهبة
A+ A-

مع احتجاجات أطفال درعا السورية في 15 اذار 2011 ، انطلقت شرارة التظاهرات المطالبة بالاصلاح والحرية، لتستكمل بحرب شرسة لاسقاط النطام لا زالت مستمرة. وفي ظل مآسي الحرب المدمرة من عمليات القتل ومشاهد العنف، ولد ونشأ أطفال ترسخت في نفوسهم وعقولهم نزعة انتقامية ضد اوضاع مأساوة عايشوها.


وتزامناً مع الحرب المستعرة في سوريا، كانت قوافل الشعب السوري تعبر حدود الدول المجاورة لسوريا، الأردن، تركيا، ولبنان الذي حظي بالعدد الأكبر بحسب إحصاءات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، اذ وصل عدد المسجلين رسميا الى نحو مليون ومئتين ألف لاجئ، كما تشير الاحصاءات أيضا الى أن نسبة الأطفال اللاجئين من عمر يوم إلى 17 سنة، تبلغ نحو 60 في المئة من مجمل الموجودين في لبنان، 45 في المئة منهم تراوح أعمارهم بين الأربع سنوات و17 سنة.
45 في المئة من مليون ومئتي ألف لاجئ اي حوالي النصف مليون لاجئ هم من الأطفال، من دون ان ننسى وجود اعداد كبيرة من اللاجئين غير مسجلين رسمياً. ويمتهن الكثير من هؤلاء الاطفال التسول واعمالا تتناقض مع مفهوم الحياة الانسانية الكريمة، كما يتعرضون لعنف اجتماعي واسري، بدءاً من اجبارهم على العمل وصولا الى ظاهرة زواج القاصرات.


نماذج


هو ذاك الصبي الذي لم يتجاوز عمره السبع سنوات، يقف عند ناصية الطريق، في ما العرق يتصبب من وجهه جراء الشمس الحارقة، سرقت منه ملامح الطفولة وتعابير الفرح والسعادة، يتوجه الى نافذة السيارة ليبيع "العلكة"، عسى أن يشفق عليه أحدهم فيعطيه القليل، وعند سؤاله أين أهلك؟ لا يجيب، وعند سؤاله لماذا تعمل ولا تذهب الى المدرسة ؟ يجيب وهو مرتبك بأنه يريد أن يأكل.
وهي تلك الفتاة البالغة من العمر 12 سنة تبيع وردة حمراء للعشاق، وفي عينيها شوق لعشق الحياة، بعد ان فارقت ثغرها الابتسامة مع فقدانها عائلتها جراء غارة جوية استهدفت منزلها الواقع في احد احياء حمص، فباتت مشردة في طرق بيروت.
ولا يختلف شقاء ذاك الفتى البالغ من العمر 14 سنة عنهما، وهو الذي يحمل على ظهره قارورة غاز ليوصلها الى البيوت، والحسرة في عينيه وهو ينظر الى أبناء جيله وهم يخرجون مع اهلهم وقد انهوا سنتهم الدراسية.
ومن الاطفال السوريين في لبنان ايضاً، من يجلس على مقعد الدراسة وذكريات الحرب لا تفارقه، وتحديداً ذكرى فقدان والد او شقيق او قريب، فتسيطر فكرة الانتقام على طباعه.
في المحصلة، تبرز الظروف الانسانية والاجتماعية التي تحيط بحياة الطفل اللاجئ السوري بشكل عام كوقائع يصعب السيطرة عليها، ومن الطبيعي أن تكون لها انعكاسات خطيرة وسلبية على سلوك الاطفال وتصرفاتهم تجاه الاخرين، سيّما في ظاهرة مخيفة كظاهرة اطفال الشوارع.


ضرورة التنبه


تؤكد الاختصاصية النفسية فاطمة الخطيب "أن على المسؤولين في لبنان التنبه الى ما عايشه هؤلاء الأطفال من ظروف العنف والقتل والدمار والذي يعد حالة استثنائية صادمة، تحتاج لطاقات نفسية وقدرات تحمل لا يقدر عليها كثيرون، وهذه الظروف الصادمة تستهلك من قدرات الطفل وتؤثر على جهازه العصبي والنفسي والجسمي، في مختلف مراحله العمرية، من الطفولة والمراهقة الى مرحلة الرشد والشيخوخة، ما يعني أنه يجب معالجة الحالة النفسية للأطفال قبل بلوغ مرحلة التكوين النفسي والعقلي حيث تترسخ هذه الصور النمطية العنفية".


ويرى الناشط الاجتماعي والمتابع لملف اللاجئين السوريين وعمالة الاطفال طارق أبو زينب، أن "ويلات الحرب ومشاهد العنف والدمار، وعمليات النزوح العشوائي، والوضع المعيشي القاسي والظروف الانسانية التي تحيط بالطفل النازح، تؤثر على سلوك الطفل اللاجئ ونظرته الى المجتمع الذي يعيش ضمنه، أي المجتمع اللبناني، هذه النظرة العدوانية الناقمة على الكل الأخر" . ويحذر ابو زينب أيضا "من تداعيات عدم تدخل الجمعيات الأهلية والسلطات المحلية لمحاصرة هذا الواقع والعمل على معالجة الأثار السلبية قبل الوصول الى مرحلة متقدمة تؤثر على الامن الاجتماعي في لبنان".


 قانون العمل



واستنادا الى القانون اللبناني، وخاصة قانون العمل اللبناني،  تنص المادة" 617" من قانون العمل اللبناني على "المعاقبة بالحبس من شهر الى ستة أشهر وبالغرامة من عشرين ألف الى مئة ألف ليرة لوالدي القاصر الذي لم يتم الخامسة عشر من عمره أو لأهله المكلفين اعالته وتربيته. كما تنص المادة" 618"، على "على عقوبة الحبس من ستة أشهر الى سنتين وبالغرامة من عشرين ألف الى مئتي ألف ليرة لكل من يدفع قاصرا دون الثامنة عشرة من عمره الى التسول جرا لمنفعة شخصية، أي أن القوانين اللبنانية تجرم هذه الأعمال وتعاقب عليها ولكن للأسف نرى في كل يوم الأطفال يعملون ويتسولون في شوارع لبنان أمام الاجهزة المختصة، بحيث بات لهم نقاط تسول ثابتة وتديرهم وتشغلهم مجموعات منظمة، ولا أحد يحرك ساكناً.


 


دور الاعلام


ويبقى الاعلام اللاعب الاساسي في تسليط الضوء على هذه الظاهرة الخطرة التي تهدد الأمن الاجتماعي في لبنان، ويؤكد الدكتور جورج فرحة، رئيس قسم الاعلام في الجامعة الاميركية للعلوم والتكنولوجيا، على ضرورة اهتمام وسائل الاعلام اللبنانية بهذه الظاهرة وابرازها وتبيان مخاطرها على المجتمع، ومساعدة الجهات المختصة في طرح الحلول لمعالجتها".
تهدد ظاهرة الاطفال اللاجئين السوريين في شوارع لبنان ومخيمات اللجوء، الأمن الاجتماعي برمته، نتيجة ما تعرض له هؤلاء الأطفال من مآسي وانتهاكات لحقوقهم الانسانية والمدنية، ما يتطلب المعالجة على كافة الصعد الاجتماعية والنفسية والقانونية والاعلامية، عسى أن يتجنب لبنان انفجار آخر .

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم