الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ناديا وغسان... بعينيّ مروان

A+ A-

شاهد على حبّ يشبه ذلك الذي يحكى عنه في القصص الخياليّة... شاهد على مسيرة طويلة من نضال حبيبن ومعهما "النهار"... عودة إلى أيام الزمن الجميل مع الوزير السابق مروان حمادة.


كيف تمّ التعارف بينهما؟
"تعرفنا إلى غسان تويني الشاب عندما حظي بمقعد نيابي في الجبل. يومها، وفي إطار بعثة برلمانيّة، زار عاصمة اليونان حيث كان والدي سفيراً فيها، وكانت ناديا تتابع دراستها هناك. شعرنا منذ اللحظة الاولى أن علاقة حبّ نشأت بين الاثنين، وتخطّت كل الحواجز الدينيّة، وما كان يجمع بينهما النزعة الثقافيّة وحبّ الثقافة. ولم تمضِ أسابيع إلاّ وكان غسان قد طلب يد ناديا، وكان المرحوم حميد فرنجية - وزير الخارجية آنذاك - قد رتّب الأمور اللوجستيّة لتتويج هذا الحبّ بزواج عائلي في السفارة اللبنانية في أثينا.
ولي أن أتذكر، أن أول ما لفتني الى عمق العلاقة، هو قبول ناديا من فورها أن تتعمّد في الكنيسة وتصبح مسيحيّة أورثوذكسيّة، وتمّ ذلك في مغطس حمامها في السفارة. بعد ذلك، أمضينا ليلة رأس السنة في أحد المطاعم اليونانية قبل أن تعود ناديا برفقة غسان الى بيروت عروساً شابة، وتدخل معتركاً لم يكن سهلاً لأنه توزّع بين السياسة والإعلام من جهة، وانطلق من قاعدة وأجواء متشنّجة في ظل اعتراضات جمّة على هذا الزواج. فلا يمكن أن ننسى أن الإرتباط حصل في العام 1954، إذ لم يكن عادياً آنذاك، أن يتمّ زواج مسيحي من مسلمة أو درزية.
في البداية، كان عمّنا شيخ عقل الطائفة الدرزيّة رشيد حمادة، متحفظاً عن الزواج. لكن والدي أرسل كتاباً مطوّلاً إلى جدتي التي ربّت ناديا واعتنت بها بعد وفاة والدتي، شارحاً لها طبيعة الزواج وظروفه، والآفاق التي يفتحها بين الطوائف اللبنانيّة. وبالفعل، لم تمضِ أسابيع قليلة إلاّ وتوجه وفد من العائلة يترأسه عماً لنا هو النائب السابق قحطان حمادة لتهنئة غسان تويني. وهكذا، سقطت كل التحفظات ليدخل الثنائي معاً معتركاً جديداً، فكانت جبهة الإعلام والسياسة من جهة، وجبهة المآسي العائليّة التي واجهتهما من جهة أخرى. باختصار، زواج ناديا وغسان كان مزيجاً من الاختلاط بين العلم والبراغماتية من جهة وبين العلم والأنوثة والحس الرفيع من جهة أخرى".


ماذا غيّرت ناديا في غسان؟
"كما يغيّر كل زواج في حياة الشاب. غسان تويني كان نجماً في مجتمعه وربما هدفاً - إذا صحّ القول - لكثيرات من النساء في محيطه من الأشرفية الى كل المناطق الأخرى... كان زواجهما عنواناً للحب العابر للحواجز في لبنان، وسمح لهما بأن ينطلقا في الابداع، كل من ناحيته. هكذا، وشيئاً فشيئاً، دخل غسان نادي الكبار في السياسة وأضحى واحداً من الذين يوصلون الرؤساء إلى سدّة الحكم، ويطيحونهم. وحوّل الجريدة من قاعات للتحرير إلى خليّة نحل سياسيّة لم يغب عنها يوماً أي وزير أو نائب مهما كانت ميوله وسياسته.


ما الذي تميّزت به حياتهما الزوجيّة؟
"خلقا حياة زوجيّة فريدة من نوعها، تلائم من جهة مهنته ومسؤولياته، ولا تغلق على ناديا من جهة أخرى... هكذا، كانا يلتقيان معظم الوقت في الجريدة ليلاً. بعدما ينتهي من كتابة افتتاحيته، كانت تزوره ويخرجان معاً للعشاء، ثم يعود ليسهر ويتابع طباعة الجريدة حتى الفجر. ومن ثم يعود الى المنزل بعدما تكون ناديا قد سبقته أو تنتظره ليعودا معاً. وأنا منذ البداية، شعرت ومن خلال التصاقي بناديا التي أشرفت على تعليمي وتربيتي البيتيّة والتي كانت تتابع الكبيرة والصغيرة في حياتي، بمحبة وحنان غسان، وعلاقتنا تجازوت علاقتي بناديا... طبعاً، تعزّزت هذه الروابط مع مرور السنوات ومع عملي الصحافي، وصولاً إلى انطلاقي في مضمار السياسة. وحتى عندما لم نكن على توافق سياسي أنا وجبران، كان الحوار الدائم بيننا، يمنعنا من الانغلاق على مواقف متحجّرة. وناديا كانت تخلق نوعاً من الليونة والرقة لعلاقة غسان مع الجميع، وهو ما كان يحتاج اليه ليكمل نجاحه وتميّزه. ومع الوقت، ترسّخت علاقتهما في السراء والضراء فعلاً كما أقسما أمام الله في الكنيسة، فجمعتهما المصيبة كما جمعهما الكثير من النجاحات. كان غسان في السياسة يخترق طريقه متحدياً الكثير من العداوات أحياناً، ليُبقي "النهار" عنواناً للصحافة المستقلة في العالم العربي، وليجعل منها الصحيفة الأولى، منتقلاً بها ليس من "سوق الطويلة الى الحمراء فحسب، ثم العودة الى الوسط التجاري مع جبران، لكن انتقالها أيضاً من مستويات تقنيّة ومهنيّة وسياسيّة الى مراتب دائماً أعلى وأعلى. وكانت ناديا في الوقت نفسه، تحصل على أكبر الجوائز الأوروبيّة والفرنسيّة في مجال الشعر، وكانت تنطلق في مجالات جديدة منها المحاضرات والعمل الصحافي. وقد سجلت مع كمال جنبلاط أحد أهم الأحاديث التي أعطاها.


ما كانت أبرز اهتماماتهما وتحديّاتهما؟
"كانا يهتمان بالقراءة والموسيقى والمسرح، وكانا يدافعان عن الحريّات في لبنان بشكل لا حدود له. غسان دخل السجن مرات عدة، وكانت ناديا تخوض من الجريدة معارك لتحريره من السجن من خلال اللقاءات التي تكون محورها، وتبحث مع المسؤولين في عهود قمع "النهار" وتمرّدها على الحكم الظالم. ومع كل أنوثتها، كانت لديها قوة وإرادة حديديّة استمدتهما من غسان المناضل والمقاتل الدائم في كل المجالات.
وكذلك، كان ثمّة نوع من الجدليّة بين كونها درزيّة من الجبل وهو مسيحي من العاصمة وتلتقي فيهما أكثر من ثقافة. هذا الجمع بين الثقافتين هو الذي أنتج لهما مكانة لبنانيّة وعربيّة ودوليّة، وكان قد تجلى ذلك من خلال مكرم وجبران، وطبعاً جاءت الأقدار لتأخذهما. كانا يتعذبّان لأن بيتهما في بيت مري، كان من المناطق التي تنطلق منها المدفعيّة أحياناً باتجاه الشوف وعاليه وبالعكس، والسبب الحرب الأهليّة. وكانا يشعران بالألم الشديد لأنّ جبليهما يتقاتلان، ولم يقبلا بمنطق أي من الطرفين".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم