الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مشجعون غير متابعين

روجيه عوطة
A+ A-

حين أسأل شخصاً ما عن سبب تشجيعه هذا المنتخب أو ذاك في المونديال، غالباً ما تبدو الإجابة كأنها معقودة على ردّ إلى ماضٍ مجهول؛ كالإكتفاء بالقول "لأنني أشجعه منذ زمن طويل". لكن، في الواقع، لا يستند الجواب إلى سابق متواصل في الحاضر، أو إلى تذكر ثابت لموضوع التشجيع، حتى لو كان على هذه الحال في الكلام. إذ إن الحدث، أي اقتراب موعد المونديال، يخلق الجواب، الذي يسعى إلى الإرتباط بسبب، هو، بالنسبة إلى المشجعين غير المتابعين لكرة القدم، غائب، أو مجهول. تالياً، وفي أوقات كثيرة، يظهر تشجيعنا للمنتخبات كأنه بلا وقت. كل مرة، نحاول تعليله، لا نصل إلى نتيجة. لذا، نرتكز على طول الزمن، كي لا نبقى من دون جواب.


بالطبع، لا يلائم هذا الإستنتاج المشجعين، الذين يداومون على متابعة مباريات كرة القدم، ويرصدون مهارات اللاعبين، التي، على أساسها، يختارون فريقهم، أو منتخبهم. أما المشجعون غير المواظبين على مشاهدة المباريات، إلا بعضها المحدد، وخلال المونديال، فهم لا يأخذون من اللعبة الرياضية سوى خلاصتها، مثلما، يدخلون إلى نادي متابعيها من باب موقت، وغير مفتوح باستمرار. والحق، أن دخولهم برّاني. أي أنهم، في البداية، يعلنون منتخبهم، ومن ثم يشهرون علمه، قبل شروعهم في ممارسة التشجيع انطلاقاً من منافسة الآخرين، و"التهديد" بالفوز. ذلك، من دون أن يعيروا اهتمامهم إلى تاريخ المونديال، أو إلى خطط منتخباته، أو تكتيكات لاعبيه. كما لو أن المشجع، الذي يحضر في دواخل كل واحد منهم، قد استيقظ فجأةً، وبعد نوم، امتد أربع سنوات، ولم ينتهِ إلا في موعد كأس العالم.
لا ينوجد المشجع غير المتابع. هو يظهر فقط. هذا ما يناسب المشاهدة، التي يمارسها أمام الشاشات، منتظراً فوز منتخبه. إذ إنه بمثابة فاعل بصري، يلاحق صور المباراة، المنقولة عبر التلفاز، متحمساً، أو قلقاً، وذلك، بخفة مطلقة، يخلقها ابتعاده عن ملاحقة اللعبة الرياضية بدقة، وغياب اكتراثه بما سبق المونديال. وعليه، يظهر على سطح الصورة، أو على أرض ملعبها، حيث تدور وقائع المنافسة بين الفريقين، معايناً انتقال الكرة من لاعب إلى آخر، ومن زاوية إلى أخرى، حتى دخولها في المرمى، أو تسديد الهدف. في هذا المجال، يصير هذا المشجع الأكثر تحقيقاً لشروط متابعة كرة القدم، أو الأكثر قدرةً على التفاعل معها. ذلك، أنه غير مثقل بالسابق على المباراة، كما أنه يحضر بخفة على أرض الملعب، بسبب مشاهدته المنبسطة للصورة على الشاشة، بالإضافة إلى إدراكه أن فعله التشجيعي سينقضي مع انتهاء الشوطين.
تالياً، وبالإنطلاق من انبساط المتابعة، التي تشبه انشراح ملعب كرة القدم، يبلغ التشجيع غايته الأولية، أي الترفيه، الذي يسعى إليه الأغلب من المشجعين، أكانوا متابعين أم لا. من هذه الناحية، ضروري الإشارة إلى أن الفوتبول تجمع بين التسلية والتعبير. فكرة القدم، بوصفها فعلاً فنياً، متحدراً من الألعاب الأولمبية القديمة، التي كانت، بالنسبة إلى الإغريقيين، على قيمة أعلى من الشعر والموسيقى، بحسب ما يقول الفيلسوف مهدي بلحاج قاسم، هي، في النتيجة، وسيلة من وسائل التعبير عن الحرية. تماماً مثلما هي الحال بالنسبة إلى الفقراء في البرازيل، الذين، على رغم من براعتهم في لعب الفوتوبول، ومن استقبال بلادهم للمونديال، لن يُسمح لهم بالمتابعة المباشرة للمباريات، لذلك، قرروا تحويل كل البلاد إلى ملعب لإحتجاجاتهم، مطالبين بتحسين مستوى المعيشة، بدلاً من صرف مبالغ ضخمة من الأموال لإستقبال كأس العالم. كأنهم، بهذه الطريقة، يعلنون أنهم أكثر المشجعين للفوتبول، بوصفها لعبة حرة، ومسلية، تتناقض مع الإستغلال، الذي تمارسه الحكومة والشركات الكبرى. فشعارهم "كأس بلا عالم، عدت إلى الشارع"، يدافع عن الحق في لعبة الفوتبول، لعباً ومشاهدةً، كأنها علامة على الحرية، التي لم يتح لهم تحقيقها اقتصادياً، بسبب البطالة، أو ظروف العمل القاسية. لذا، غيّروا هؤلاء المشجعون غير المتابعين، الشوارع والطرق إلى ملاعب لاحتجاجاتهم.
الفوز للبرازيل!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم