الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"الروبوت" و"الدرون" في الميدان العسكري يثيران جدلاً عبر العالم \r\n"الإنترنت" والـ"جي بي اس" يحرّران الأسلحة الذكية من حملتها؟

نيويورك – علي بردى
A+ A-

دخل "الروبوت" الثقافة العالمية باعتباره – في أحسن الأحوال – ضرباً من الخيال العلمي. بيد أن أميركا التي أنتجت شخصية ستيف أوستن، رجل الستة ملايين دولار في القرن الماضي، صارت اليوم أقرب من أي وقت مضى من تحويله واقعاً ملموساً. يتطلع الناس الى "الروبوتات" بدهشة وأحياناً بإعجاب عندما تأخذ حيزاً من العمالة والحرف والصناعات البشرية، غير أن الجدل يرتفع على كل المستويات حين تأخذ شكل طائرة حربية بلا طيار اسمها "الدرون" أو محارب آلي – الكتروني اسمه "الروبوت".


تزخر المكتبات الشخصية والعامة بكتب وأفلام كثيرة عبّر مؤلفوها ومنتجوها عن آمال وهواجس تتعلق بالتكنولوجيا. لكن الثورة الصناعية التي أنتجت السيارة والدراجات النارية والقطار والطائرة والهاتف العادي والمنقول في القرن الحادي والعشرين ظلت قاصرة عن إنتاج بديل حقيقي من الوظائف البشرية المهمة. بقيت "روبوتات روسوم العالمية" للكاتب المسرحي التشيكي كارل تشابيك أسيرة الخيال على رغم أنه ابتكر كلمة "روبوت" التي تعني باللغة المحلية "العبيد". ظلّ كتاب اسحق أسيموف "أنا، روبوت" محض هلوسات حتى بعدما نقله المخرج أليكس بروياس الى الفن السابع. لم يستطع ستيف أوستن الخروج من الشاشة الصغيرة. لم تتمكن أنظمة "تيرميناتور" من العبور من عالم السينما الى الواقع المعاش، علماً أن هذه الآلات تقوم بأعمال لا يتمكن البشر من القيام بها مثل استكشاف المريخ، أو لا يريدون القيام بها من تفكيك العبوات الناسفة الى تنظيف السجاد والموكيت مروراً بالصناعات والجراحات. قال أحدهم ساخراً إنه على رغم ذلك، لا تزال هذه الآلات الذكية بالغة الغباوة.
الأمر اختلف الآن. وقت يتساءل كثيرون لماذا صار كل شيء "صنع في الصين"، بما في ذلك الصناعات الأميركية التقليدية من الجينز الى السيارة؟ يدور في الولايات المتحدة ودول أخرى نقاش قانوني وأخلاقي حول الجديد الذي "صنع في أميركا": الجنود الآليون. سيتمكن قادة جيوش المستقبل من استخدام الطائرات من دون طيار "الدرون" على نطاق أوسع بكثير مما هي الحال راهناً، حين تقصف مشتبهاً فيهم من تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان" في اليمن والصومال وأفغانستان وباكستان. يرجّح أن "الدرون" ستتمكن بعد سنوات من تعقّب الصواريخ لإسقاطها قبل أن تصل الى أهدافها، أو لتعطيل أنظمة الاتصالات والتحكم لدى العدو، أو للقيام بمهمات تجسس بالغة الدقة والخطورة. كل ذلك وسواه من دون المجازفة بتعريض الجنود لأي اصابة جسدية، ناهيك بتعريض حياتهم للخطر. البشر قادة يجلسون خلف أجهزة التحكم من بعد.
تتوافر الطائرات من دون طيار منذ عشرات السنين. يستخدم الجيش الاسرائيلي طراز "أم كا" كثيراً لأغراض تجسس على لبنان. أما وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون"، فلا تزال تنفق مئات الملايين من الدولارات على اختبارات ومشاريع تتعلق بـ"الدرون" و"الروبوتات" المتعددة الاستخدام عسكرياً وحتى مدنياً. أدت الثورة الحديثة في عالم الاتصالات، وخصوصاً الأنظمة المتطورة من انظمة تحديد المواقع الجغرافية "جي بي اس" والتحسن الهائل في سعة نطاق الـ"برود باند" للانترنت السريع، الى تحديد الاهداف بدقة شبه متناهية. من يعرف ماذا تفعل وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي" بأكثر من عشرة طرازات من "الدرون"؟ من اين طارت احداها لتطارد انور العولقي الذي كان يحمل الجنسية الاميركية واتهمته السلطات بأنه ارهابي وجد ملاذا آمنا في اليمن؟ هل يحتاج قرار كهذا الى أمر من الرئيس الاميركي باراك اوباما، باعتباره القائد الاعلى للقوات المسلحة، كما حصل مع قرار قتل زعيم "القاعدة" اسامة بن لادن في باكستان؟ لا يزال الجدل قائما في الولايات المتحدة حول مشروعية هذا الاغتيال الاستهدافي لمواطن من دون اخضاعه لمحاكمة عادلة وعلنية.
لا تحتكر الولايات المتحدة "الدرون". اتخذت دائرة الامم المتحدة لعمليات حفظ السلام خلال السنوات الاخيرة قرارا مهما اتاح لها استخدام هذه التكنولوجيا لطراز يصنع في ايطاليا لاغراض محصورة بالاستطلاع في بلدان شاسعة تنشر فيها وحدات دولية، وخصوصا في افريقيا. تتوافر انواع مختلفة في روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا واليابان وكوريا الشمالية لأغراض متعددة. غير ان الولايات المتحدة هي الاكثر تقدما، وبما لا يقاس، في المضمار العسكري.
ولكن ماذا يحصل لذكاء هذه الآلات عندما يتعطل الانترنت او حين يتمكن العدو من التشويش؟ هل تتيه في الاجواء والسماء؟ اخشى ما يخشاه كثيرون ان يبلغ هذا الذكاء حدا قاتلا يتجاوز حتى حد التزام اوامر القيادة، فضلا عن ان الاعتماد المتزايد عليها سيجعلها ويجعل مقار التحكم والقيادة اكثر عرضة للهجمات من الجهات المستهدفة.
دفعت هذه الهواجس منظمات مدافعة عن حقوق الانسان الى اطلاق "حملة اوقفوا الروبوتات القاتلة" سعيا الى حظر الاسلحة التي تحظى بنوع من "الاستقلال" او "التحكم الذاتي" بغية قتل البشر عشوائيا احيانا. يؤكدون ان التكنولوجيا الحربية هذه تسهل على من يمتلكها قرارات خوض الحرب، لأن لا خوف على حياة المحاربين.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم