الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

نجم اليمين يسطع في أوروبا والزعماء يحصون الخسائر

المصدر: "النهار" - بروكسيل
موسى عاصي
A+ A-

كان طعم العشاء غير الرسمي لقادة أوروبا في مبنى "جسيتوس ليبسوس" التابع للمفوضية العليا للاتحاد الاوروبي في بروكسيل مختلفاً هذا العام، فيه الكثير من المرارة التي علّقمت معظم دول الاتحاد بفعل نتائج الانتخابات الاوروبية الأحد الماضي، فالضربة كبيرة جدا تفقد التوازن، لكن شمولها العدد الأكبر من دول الاتحاد كافٍ بالنسبة الى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لتعميم مكمن الخلل .


الفرق بين الرجلين، وهما أكبر الخاسرين في صناديق الاقتراع، أن البريطاني يريد من الاتحاد الاوروبي أن يكون وحدة ارتباط بين الدول، ينظم العلاقات في ما بينها، على أن تحافظ كل دولة على خصوصيتها وان المضي في تعزيز الوحدة يبقى خياراً بيد شعوب الدول، وعلى هذا الاساس كان تحديد عام 2017 موعدا لاستفتاء بريطاني حول الدخول الكامل في الاتحاد. وفيما يعتبر كاميرون أن المشكلة لا تكمن في المواطن الاوروبي الذي لجأ الى القوى الرافضة لفكرة الاتحاد انما في ركائز الاتحاد ذاته "القائمة على استراتيجية الحلول محل فكرة الدولة الوطنية"، والتي تحاول السيطرة على خصوصيات الدول، أعطى هولاند تبريرات مختلفة، فالوحدة الاوروبية، من وجهة نظر الرئيس الفرنسي، يجب أن تتعزز وتتقدم وتتحمل مسؤوليات بقيت حتى الآن حكرا على الدولة الوطنية، كايجاد حلول للبطالة والتقشف وتعزيز فرص العمل من جهة ومن الجهة الأخرى أن تذهب في وحدتها بعيدا في مجال السياسة الدفاعية والامنية المشتركة "اذا أرادت أن يكون لها وزنا على الساحة الدولية في مجال التدخل في الازمات الدولية والبحث عن حلول ميدانية لها".
في كلام الرئيس الفرنسي بعض الضياع والتضارب في المواقف أحيانا، فهو يعتبر أن اليمين المتطرف يسطع نجمه عندما ترتكب القوى المعتدلة أخطاء يمكن للتطرف أن يستغلها لينفد منها ويترجمها في صناديق الاقتراع، وفي الوقت عينه يستعير وصفة مارين لوبن (رئيسة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة) الانتخابية وينتهج لغة شعبوية لطالما استخدمتها لوبن، لدى مقاربته مسألة اللجوء والهجرة، ومطالبته بايجاد سياسة أوروبية مشتركة تطبقها كل دول الاتحاد في مجال الحد وتنظيم الهجرة الى اوروبا، ومن خلال رفع شعارات تحاول سد منافذ على وقود التطرف كالتركيز من الآن فصاعداً على تحقيق النمو الاقتصادي والتخفيف من حدة البطالة.


ويُلاحظ في كلام هولاند انفصال عن الواقع الذي تمت ترجمته في انتخابات 25 أيار، فاستغلال اليمين المتطرف للأوضاع الاقتصادية للفرنسيين لا يتساوى مع حديث الرئيس الفرنسي عن "الانجازات" التي تحققت في السنتين الماضيتين (منذ بدء ولايته رئيسا لفرنسا) على المستوى الاوروبي وخصوصا في ما يتعلق بالنواحي النقدية والمصرفية والضريبة المشتركة وفي مسألة النمو الاقتصادي.


ما هو حجم تأثير صعود رافضي الوحدة الاوروبية على الاتحاد الاوروبي وعلى الدول الاوروبية؟
تعاطى كل من هولاند وكامرون والمستشارة الالمانية أنغيلا ميركل أيضا، مع صدمة تقدم رافضي اوروبا بكثير من التشاؤم والتحذير من أن عدم تغيير وتطوير سياسة الاتحاد الاوروبي (كل بحسب رؤيته لهذا التغيير) فإن صناديق الاقتراع في المرة المقبلة سيكون لها انعكاسات خطيرة على المستقبل الاوروبي المشترك. لكن فرنسا، بحسب الانطباع الذي ساد خلال جلسة دردشة مع الرئيس الفرنسي شاركت فيها "النهار" قللت من تأثير قوى الرفض على مسار وقرارات الاتحاد التنفيذية "كون السلطة التنفيذية للاتحاد تعكسها موازين قوى ليست في مصلحة القوى الرافضة لأوروبا، والمكان الوحيد الذي يمكن لقوى الرفض أن تؤثر فيه هو البرلمان الاوروبي حيث سيتضاعف حضور هؤلاء".
ما يخفف من الصدمة الفرنسية هو أن تصاعد دور المتطرفين اليمينيين تحديدا ليس حكرا على فرنسا وحدها. صحيح أن الضربة كانت موجعة أكثر لفرنسا "لكننا لسنا وحدنا من تلقاها" بل معظم دول الاتحاد شهدت صعوداً إما لليمين المتطرف أو للراديكاليين المعارضين للاتحاد الاوروبي"، بحسب هولاند، وعليه "فإن الاخفاق هو مسؤولية الدول الاوروبية مجتمعة وليس فرنسا وحدها"، وهذا يعني أن المسألة يجب أن تكون محور نقاشات معمقة في الاتحاد الاوروبي "كي نصل الى الاسباب الحقيقية التي دفعت بالمواطنين الاوروبيين الى اختيار معارضي الاتحاد".
ويُستثنى من تقدم اليمين المتطرف ألمانيا التي صمدت في وجه هذه الموجه، وهنا لا يخفي هولاند، أن لألمانيا دورا مهماً في مواصلة العمل على توطيد ركائز الوحدة الاوروبية "فهي أكبر اقتصاد في اوروبا"، وسيعوّل عليها كثيرا وهي في حاجة لأوروبا كما أوروبا في حاجة لها. أما على المستوى الفرنسي فيرفض هولاند تفسير نتائج الانتخابات على أنها ارادة فرنسية "للخروج من الاتحاد الاوروبي"، ويعتبر أن تقدم الجبهة الوطنية لم يضعف دور فرنسا في الاتحاد، ويجب ان لا يفسر باتباع سياسة مضادة لاوروبا "بل على العكس يجب اتباع استراتيجية اساسها ان يجد الشعب الفرنسي نفسه من خلال اوروبا".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم