الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

جوائز كانّ 67: جيلان يربح "السعفة" وجيلان آخران يتواجهان!

المصدر: "النهار"
A+ A-

في مئوية السينما التركية التي تصادف هذه السنة، أسندت جائزة "السعفة الذهب" إلى المخرج التركي الكبير نوري بيلغي جيلان عن فيلمه "سبات شتوي"، في مهرجان كانّ السينمائي الذي اختتم مساء أمس. قصيدة سينمائية تحملنا الى الأناضول بدقائقها الـ196 التي تضعنا في عمق الوجود. لحظة اعلان رئيسة لجنة التحكيم النيوزيلاندية جاين كامبيون النتيحة، أضحت ايضاً لحظة حسم بددت الاحتقان ووضعت حداً لكل التكهنات التي لم تتمحور الا على حفنة من الأفلام في هذه الدورة. ففي الأيام الأخيرة، بدأت الترجيحات تسير دربها المعتاد، ترجيحات مصدرها أقلام صحافية تمارس هذه اللعبة منذ سنوات بلا ادنى شعور بعبثيتها. للحظة، كان تقدم اسم المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو على غيره من المرشحين لـ"السعفة"، ولكن ان ينالها مخرجان عربيان في دورتين متتاليتين، فإن الأمر يحتاج الى يد إلهية.



ضربة معلم
32 عاماً بعد المخرج التركي يلماز غونيه الذي حصد الجائزة نفسها عن فيلمه "يول"، كُرِّم جيلان بأرفع تكريم سينمائي (نال ايضاً جائزة "فيبريسي"). هذه رابع جائزة رسمية ينالها جيلان (55 عاماً) في كانّ، المهرجان الذي شارك فيه للمرة الاولى بفيلم قصير عام 1995. مذذاك، نال جائزة لجنة التحكيم الكبرى عن "بُعد" (2002)؛ جائزة الاخراج عن "ثلاثة قرود" (2008)؛ ومجدداً جائزة لجنة التحكيم الكبرى عن تحفته "ذات زمن في الأناضول". والآن "السعفة" التي كرسته نهائياً كواحد من أهم عشر مخرجين على قيد الحياة. "الفرق كبيرٌ بين الجوائز التي نلتها وهذه الجائزة"، قال جيلان عند لقائه بالصحافيين. وعندما سأله أحدهم عمّا اذا كان طول الفيلم عائقاً امام توزيعه في الصالات، كان رده انه انجزه بلا أيّ اكتراث للنواحي التجارية، كاشفاً ان النسخة الاولى كانت بلغت أربع ساعات ونصف الساعة. وأهدى جيلان "السعفة" الى الشباب الذين قضوا العام الماضي في المواجهات العنيفة بين المتظاهرين والشرطة التركية. بكلمات مدروسة ومقتصدة، في الشكل والمضمون، سجّل جيلان موقفاً اخلاقياً وسياسياً واضحاً، عندما "همس" في اذن 4000 وسيلة اعلامية: "تعرفون، مررنا بأزمة كبيرة العام الماضي في تركيا، وهؤلاء الشباب علّمونا الكثير. بعضهم ضحّى من أجل مستقبلنا".



في مديح البطء
قرر نوري بيلغي جيلان انه سيكون مخرجاً بعدما شاهد فيلم "الصمت" لانغمار برغمان. صمت مهيب رافق أفلامه كلها لسنوات طويلة. في جديده، يترك المَشاهد التأملية (وإن كانت موجودة بين حين وآخر)، ليركن الى سينما كلامية مشبعة بالنقد والفلسفة والقلق الوجودي. لائحة الجوائز التي شكلتها جاين كامبيون (واضح أنها سينيفيلية فهيمة بقدر ما هي مخرجة لامعة) ضربة معلم. كامبيون وفريقها أبرزا (تقريباً) أفضل ما جاء في هذه الدورة. طبعاً، ما من لائحة ترضي الجميع. ولكن، بمنحها "السعفة" الى جيلان، كرّست السينما الصعبة او الـ"انتي" تجارية التي لا تأخذ في الاعتبار عناصر الترويج والانتشار ولا تساوم من اجلها. سينما محمولة على الظهر، تنبذ التيارات والموضة وتعادي عصر الاستهلاك والسرعة. سينما في مديح البطء يبحث فيها جيلان عن "الجانب المظلم لشخصيته"، كما تجرأ وقال في المؤتمر الصحافي الذي أعقب توزيع الجوائز.



فيلم ــ سجادة
فيلم جيلان تلقاه كثيرون كصفعة عندما شاهدوه للمرة الأولى. وضع المخرج نظرته العميقة من برغمان الى تشيكوف في سياق الحياة اليومية، ملتقطاً بالعبقرية عينها الوجوه والمناظر الثلجية، القريب والبعيد، المعلن والمخفي. هناك في "سبات شتوي" شخصيات عدة في بقعة جغرافية واحدة يفرض عليها الفيلم التعايش. كل التفاصيل تمر عبر ممثل سابق (هالوك بيلغينير) هو ايضاً مالك أراضٍ ثري انسحب من الحياة الإجتماعية وراح يمضي أيامه في منزل العائلة الواقعة في الأناضول بعدما حوّله الى فندق. يحاول أيدن كتابة تاريخ المسرح التركي ويشغل نفسه بإنجاز مقالات لمجلة محلية لا يقرأها أحد. مشهد صغير لتحطيم زجاج سيارة وهي تمرّ، كافٍ ليُزجّ بنا في خصوصية البوادي وناسها. ينسج المخرج فيلمه كما تُنسج السجادة، أيّ بخيوط متداخلة ومتعددة اللون. لا شيء يموت في هذا الفيلم الكبير، كلّ شي يتحول، الحبّ والفنّ وصمود الانسان في بيئة قاسية من شأنها تعزيز علاقته بمحيطه.



رورفاكر: لا للطهارة!
الأخوان داردين خرجا من المهرجان للمرة الأولى في تاريخهما، من دون أيّ جائزة. حتى في الخسارة تميزا. بقية الجوائز انصفت فكرة معينة عن السينما وأعطت السينمائيين الشباب دعماً معنوياً كبيراً. الايطالية من أصل نمسوي أليتشه رورفاكر (33 عاماً) فازت بجائزة لجنة التحكيم الكبرى عن فيلمها الجميل والمحكم البناء "الروائع". عملها هذا الذي لم يحصد الاجماع، واحد من أجمل اكتشافات هذا المهرجان. رورفاكر شابة توسكانية كانت قد شاركت في "اسبوعا المخرجين" عام 2011 بفيلم واعد. يصوّر الفيلم التفاصيل اليومية لعائلة من مربّي النحل في احد الأرياف الايطالية؛ هناك الأب المتسلط وزوجته وأخته، وهناك بناته الأربع اللواتي يساعدن أهلهن في استخراج العسل. تمت عملية التقاط المشاهد في الحيز الجغرافي الواقع بين أومبري ولاتيوم وتوسكانا. تزيح رورفاكر الستارة عن "الطهارة" التي يدّعيها سكان بعض الأرياف وهي ليست سوى حجة لحماية اقتصادهم ومصدر رزقهم. رورفاكر هي واحدة من سيدتين شاركتا في مسابقة كانّ، واسناد ثاني أهم جائزة في المهرجان إليها، هو ايضاً التفاتة الى المخرجات اللواتي اثار "استبعادهن" عن مسابقة كانّ في الفترة الماضية غضب منظّري النسوية!



ميللر في قمة فنه
لا أحد كان يستحق جائزة الاخراج أكثر من الأميركي بينيت ميللر. انها اعادة اعتبار حقيقية إلى مخرج "كابوتي" الذي يوقّع بـ"صياد الذئاب" فيلمه الثالث. من خلال نصّ مترابط وسلس يترجح بين جيمس غراي وجويل كوين (في تعريتهما لأميركا) ينزلنا ميللر الى جحيم العلاقات التي تنشأ بالقوة، الى تلك الأميركا التي تمجد القوة، من خلال حكاية حقيقية لمليونير أميركي سليل عائلة صنعت ثروتها من بيع الأسلحة. لا شيء يميز هذا المليونير سوى انه سينزلق الى الجريمة بحثاً عن المزيد من التفوق والسلطة. الاخراج ممسوك بقبضة حديد، اسلوب السرد مبتكر، بعيد من الأساليب السيناريستية التي عهدناها، والتمثيل الذي يجمع بين شانينغ تاتوم ومارك روفالو وستيف كاريل إحدى النقاط القوية في الفيلم.



كزافييه دولان المضطهد
واحدة من المفاجآت الكبيرة تمثلت في حصول كلٍّ من الكندي كزافييه دولان والسويسري جان لوك غودار على جائزة لجنة التحكيم مناصفة. أصغر السينمائيين (دولان: 25 سنة) وأكبرهم (غودار: 84 سنة)، تقاسما الجائزة المهيبة في دورة توسعت فيها الهوة بين الأجيال. منذ الكشف عن التفاصيل الدرامية والجمالية لفيلم "مامي" لدولان، كانت الصحافة الفرنسية المتخصصة من أشد المناصرين لهذا الشريط الذي يروي علاقة إبن بأمه، ولكن ليس أيّ علاقة؛ علاقة مضطربة يلتقط فيها دولان بأسلوبه الرشيق وحساسيته الدرامية العالية تفاصيل انسانية كثيرة. في الساعات القليلة قبل نيله الجائزة، كان دولان يعيش حلمه الجديد وعيناه تدمعان في كل مرة تكلم فيها عن وجوده هنا في كانّ. هذا الممثل والمخرج الذي نال ثلاث جوائز منذ أول مشاركة له في "اسبوعا المخرجين" بـ"قتلتُ امي"، أعلن انه يشعر بالتعب والإرهاق. بعد خمس سنوات من العمل المتواصل حيث أنجز خمسة أفلام، حان الوقت ليأخذ قسطاً من الراحة. قال دولان إنه يعني له الكثير ان تلتفت لجنة التحكيم الى حساسيات سينمائية تنتمي الى أجيال مختلفة، كاشفاً انه كان يتعرض للسخرية من اصحابه في كيبيك، في كل مرة يعبّر فيها عن حلمه بأن يصبح سينمائياً. وها انه يتقاسم الجائزة مع واحد من آلهة السينما!



غودار ينام!
أما غودار، شريكه في الجائزة، فهذه أول جائزة ينالها على الرغم من مشاركته في المهرجان لمرات عدة (ربما لم يقدم فيه أفضل ما أنجزه!). "وداعاً للغة"، مانيفستو سينمائي جديد بالأبعاد الثلاثة بتوقيع شيخ "الموجة الجديدة". أثناء عرض الفيلم طُردنا من الصورة للحظات، قبل ان نعود اليها. استعمل "شيطان" السينما تقنية "صورة فوق صورة" مع الأبعاد الثلاثة، محوّلاً الشاشة التي أمامنا الى شيء لا يمكن النظر اليه. المعلّم تخطى كل الحدود المسموح بها. فرض علينا ان لا نرى. طبعاً، صفق المشاهدون لهذه الخديعة البصرية. عدا ذلك، الفيلم لا علاقة له بأيّ شيء ورد في الملخص. يشبه النسخة الخديعة التي قدّمها عن "الملك لير"، التي لم يكن لها ايّ علاقة بشكسبير. المنتج ألان سارد هو الذي تسلم الجائزة عن غودار، وعندما سألوه اذا كان أبلغ غودار عن فوزه، نظر الى ساعة يده وقال: "في مثل هذه الساعة، لا!".



روسيا اليوم
جائزة السيناريو ذهبت الى الروسي اندره زفياغينتسيف (الفائز بـ"الأسد الذهب" في البندقية عام 2003) عن السكريبت البديع الذي وضعه لـ"ليفياتان"، فيلم لم يرافقه أيّ وفد رسمي الى كانّ، نظراً لكونه يمرّغ نظام بوتين في الوحل من دون اشارات مباشرة. بورتريه لروسيا الحالية المحاصرة بأسئلة أخلاقية كبرى، روسيا التائهة بين سياسة وفساد وخمر. من خلال بناء درامي معقد، يكشف صاحب "الاستبعاد"، خفايا بلاد غارقة في الاستبداد وسوء استخدام النفوذ.



جوليان بدلاً من ماريون
خلافاً لما كان متوقعاً، أفلتت جائزة التمثيل النسائي من يدي الفرنسية ماريون كوتيار الناعمتين (قدّمت دوراً مذهلاً في "يوم وليلة" للأخوين داردين). رأت اللجنة أداء الأميركية جوليان مور أهلاً لجائزة بعدما اضطلعت بدور ممثلة متهاوية في "خرائط الى النجوم" لديفيد كروننبرغ. مور التي على ما يبدو لم تكن تتوقع الفوز، لم تأتِ لتتسلم الجائزة، وقيل انها تشارك في تصوير فيلم جديد. البريطاني تيموثي سبال، الرجل الذي استحق بجدارة جائزة التمثيل الذكوري عن التركيبة التمثيلية الرهيبة التي وضعها للتشكيلي وليم تيرنر. باختصار، أداء متطرف يخطف الأنفاس. عند تسلم الجائزة، غرق سبال في خطاب ساخر وطويل لم يعرف كيف ينتشل نفسه منه. جاء على ذكر علاجه من سرطان الدمّ الذي صادف مع فوز مايك لي بـ"السعفة" عام 1996 عن فيلمه "أسرار وأكاذيب"، المخرج الذي يتعاون معه منذ 33 عاماً.



وداعاً جاكوب
لحظة وجدانية اخرى ايضاً طبعت ليلة توزيع الجوائز التي تم تقديمها السبت بدلاً من الأحد بسبب الانتخابات الأوروبية: الوقوف والتصفيق الطويل لرئيس المهرجان جيل جاكوب (84 عاماً) الذي يغادر منصبه هذه السنة. اكتفى جاكوب بأن لوّح بيده على سبيل الوداع. كان في منتهى الـ"كلاس". خلفه، بيار ليسكور، الموجود في الصالة، هو الآخر كان يصفق له ولصفحة تُطوى من تاريخ كانّ. الآن، بعدما ردّ المهرجان الاعتبار الى ماضي السينما ومهّد طريقها الى المستقبل، يستطيع قيصر كانّ السابق ان يرتاح قرير العين!


 


[[video source=youtube id=P1nQbYtTPQg]]


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم