الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

التقرير الاقتصادي لبنك عوده للنصف الأول من العام 2020: "لجم التدهور النقدي رهن احتواء عجوزات الدولة وميزان المدفوعات"

التقرير الاقتصادي لبنك عوده للنصف الأول من العام 2020: "لجم التدهور النقدي رهن احتواء عجوزات الدولة وميزان المدفوعات"
التقرير الاقتصادي لبنك عوده للنصف الأول من العام 2020: "لجم التدهور النقدي رهن احتواء عجوزات الدولة وميزان المدفوعات"
A+ A-

صدر تقرير بنك عوده للفصل الثاني من العام 2020، أي قبيل وقوع الانفجار الضخم في مرفأ بيروت الذي طاولت تداعياته مجمل أنحاء العاصمة والذي أوقع خسائر بشرية ومادية كبيرة لم تشهد البلاد مثيلاً لها منذ الحرب اللبنانية، وهي خسائر يتعذّر على لبنان تحمّلها في المديَيْن القصير والمتوسط. في ما يلي أبرز ما جاء في التقرير الاقتصادي الفصلي عن لبنان والذي يغطّي النصف الأول من العام 2020 قبيل وقوع الفاجعة.

وقع الاقتصاد اللبناني في فخ الركود في النصف الأول من العام 2020، بحيث اتّسم نشاط الاقتصاد الحقيقي بانكماش ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. عليه، من المتوقع أن يبلغ نمو الناتج -12٪ في العام 2020، وفقًا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر مؤخراً عن صندوق النقد الدولي.

في الواقع، يرتبط الركود الاقتصادي في لبنان بانكماش في الإنفاق الخاص، في حين أن الإنفاق العام قد سجّل مراوحة نسبية. وقد تأثر الاستهلاك الخاص سلباً بالمخاوف الاقتصادية العامة وبازدياد وتيرة المخاوف النقدية، بالإضافة إلى التأثير السلبي لتفشي وباء كورونا على نمط الاستهلاك بشكل عام. في موازاة ذلك، تلقّى الاستثمار الخاص ضربة كبيرة حيث امتنع معظم مستثمري القطاع الخاص عن اتخاذ أي قرارات استثمارية وسط تزايد الشكوك الاقتصادية والمخاوف بشأن التوقعات السياسية والاقتصادية للبلاد بشكل عام.

في هذا السياق، فإن المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان، وهو متوسط مثقل لعدد من مؤشرات القطاع الحقيقي يعكس الأداء الماكرو اقتصادي، قد بلغ متوسطاً قدره 210 خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2020، أي بتقلص سنوي نسبته 30.6% بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2019. مع الإشارة إلى أن المؤشر الاقتصادي العام كان قد سجّل متوسط نمو بنسبة 1.2% خلال الفترات المماثلة من السنوات الثلاث السابقة ومتوسط نمو نسبته 1.8% خلال الفترات المماثلة من السنوات الخمس السابقة.

فمن أصل 11 مؤشر للقطاع الحقيقي، تراجعت عشرة مؤشرات بينما ارتفع مؤشر واحد خلال النصف الأول من العام 2020 بالمقارنة مع النصف الأول من العام 2019. من بين المؤشرات التي سجلت نسب نمو سلبية نذكر عدد مبيعات السيارات الجديدة (-70.0%)، عدد المسافرين عبر مطار بيروت (-69.8%)، مساحة رخص البناء الممنوحة (-59.9%)، تسليمات الإسمنت (-56.6%)، الواردات (-50.4%)، وعدد السياح (-48.3%)، حجم البضائع في المرفأ (-36.0%)، إنتاج الكهرباء (-12.4%)، الصادرات (-7.3%) وقيمة الشيكات المتقاصة (-3.8%). أما المؤشر الوحيد الذي سجّل نمواً إيجابياً هو قيمة المبيعات العقارية (+97.9%) في النصف الأول من العام 2020 بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام السابق.

على الصعيد النقدي، تعرّضت الليرة اللبنانية لضغوط جمّة في سياق تردّي عامل الثقة وتقلّص احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية. في الواقع، تراجعت الموجودات الخارجية لدي مصرف لبنان بمقدار 4.3 مليار دولار في النصف الأول من العام 2020، وسط تدخل في سوق القطع وتمويل عمليات الاستيراد للمنتجات الأساسية. وعند استثناء سندات اليوروبوندز والذمم على المصارف اللبنانية بالعملات الأجنبية من إجمالي الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان، فإن احتياطياته من العملات الأجنبية السائلة تصل اليوم إلى مستوى منخفض يبلغ 20 مليار دولار، أي ما يقارب زهاء نصف الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية.

كما شهد النصف الأول من العام 2020 ظروفاً تشغيلية صعبة بالنسبة للمصارف اللبنانية. إذ واصلت الودائع المصرفية تراجعها، ليبلغ متوسط الانكماش الشهري 3.5 مليار دولار منذ بداية العام. وقد تأتّى بشكل كلّي عن تقلّص الودائع بالليرة اللبنانية، في حين أظهرت الودائع بالعملات الأجنبية تراجعاً طفيفاً. عليه، ارتفعت نسبة دولرة الودائع إلى 79.8٪ في حزيران 2020، وهو أعلى مستوى منذ ثلاث عقود. هذا وشهدت معدلات الفوائد انخفاضاً مهماً في النصف الأول من العام الحالي. بحيث تراجع متوسط الفائدة على الودائع بالليرة اللبنانية إلى نسبة 4.16٪ في حزيران، مقابل نسبة مرتفعة بلغت 9.40٪ في تشرين الثاني الماضي. كما انكمش متوسط الفائدة على الودائع بالدولار الأمريكي إلى 1.64٪ في حزيران، مقابل نسبة 6.61٪ في تشرين الأول الماضي. في موازاة ذلك، واصلت التسليفات المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص تراجعها في الأشهر الأولى من العام 2020، ليصل حجم الانكماش حتى نهاية شهر حزيران إلى 8.4 مليار دولار. ومنذ بداية العام 2019، انكمشت محفظة التسليفات الممنوحة للقطاع المصرفي بما يقارب من 18.0 مليار دولار وسط استمرار انخفاض الرافعة الاقتراضية من قبل المصارف اللبنانية.

فيما يتعلّق بأداء أسواق الرساميل اللبنانية، تعرّضت أسواق الأسهم والدين لضغوط جمّة. إذ سجلت أسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت انكماشاً بنسبة 13.8% في النصف الأول من العام الحالي على الرغم من التحسّن في أسعار أسهم "سوليدير"، وذلك في سياق نمو سنوي في حجم التداول بنسبة 15.8٪. في موازاة ذلك، ارتفع متوسط المردود على سندات اليوروبوند واتسعت هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية خلال تلك الفترة وسط تخلّف الدولة عن سداد الديون السيادية.

الخلاصة: أدوار الليرة اللبنانية وسط شحّ الدولار الأميركي في السوق المحلية

تعرّضت الليرة اللبنانية لضغوط جمّة في السوق الموازية في الآونة الأخيرة. في الواقع، إن أسباب انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي متعدّدة. إذ تتمحور أسباب هذا التراجع في سعر الصرف حول المناخ السياسي المتلبّد الذي أدّى إلى فقدان الثقة تدريجياً، كما وحول ارتفاع حجم خلق النقد بالليرة اللبنانية مع تضاعف حجم قيمة النقد قيد التداول منذ بداية العام وسط عجز مالي عام كبير مع عملية تنقيد مباشر من قبل المصرف المركزي. أضف إلى ذلك، الشحّ في الدولار الأمريكي في السوق المحلية وسط تراجع قيمة التدفقات المالية والعجوزات المتراكمة في ميزان المدفوعات. كما وتجدر الإشارة إلى أن عمليات التهريب عبر المعابر الحدودية غير الشرعية ترخي بثقلها أيضاً على سوق القطع. هذا وفي حين أن تداعيات أي إجراء فوري للحدّ من تراجع قيمة العملة تبقى مرحلية بطبيعتها، فإن احتواء التدهور النقدي في المدى المنظور مشروط بصدمة ثقة إيجابية مرتبطة بالإدارة السياسية والاقتصادية والتي بدورها تتوقف على إطلاق إشارات احتواء موازية للعجوزات المزدوجة في لبنان، أي العجوزات في القطاع الخارجي وفي المالية العامة في ظل الحاجات التمويلية للدولة.

وبما أن الأرصدة الخارجية للمصارف اللبنانية قد باتت تقارب الصفر، كان من الضروري إعادة تعزيز جميع أدوار الليرة اللبنانية في الدورة الاقتصادية اللبنانية. في الواقع، إن ودائع المصارف اللبنانية الموظفة في المصارف الأجنبية، والتي تمثّل المصدر الرئيسي للأوراق النقدية بالدولار الأمريكي المخصّصة لاحتياجات السيولة، قد وصلت إلى مستوى منخفض قياسي بلغ 4.5 مليار دولار في نهاية حزيران، في حين أن المطلوبات تجاه القطاع المالي غير المقيم تصل إلى 7.7 مليار دولار، مما يشير إلى أن صافي وضعية السيولة بالعملات الأجنبية بات سلبياً عند 3.2 مليار دولار. في موازاة ذلك، وصلت الاحتياطيات السائلة لدى مصرف لبنان إلى مستوى متدنٍ ناهز 20 مليار دولار، مع الأخذ في عين الاعتبار أنها تموّل واردات لبنان من المنتجات الاستهلاكية الأساسية والمشتقات النفطية، إلى جانب متطلّبات التدخل في سوق العملات الموازية.

إن للعملة الوطنية لأي بلد أربعة أدوار تقليدية يجب أن تضطلع بها هي: (1) أداة للتداول أي إجراء التبادلات التجارية وعمليات التسوق بالعملة الوطنية، (2) وحدة محاسبة أي اعتماد العملة الوطنية للأغراض المحاسبية، (3) عملة ادّخار أي إقدام المودعين والمستثمرين على الادّخار بالعملة الوطنية، (4) أداة إقراض أي إقدام المقرضين على إعطاء قروض بالعملة الوطنية. في هذا السياق، إن الظروف الناشئة مؤخراً، لاسيما شحّ الدولار في الأسواق، تحتّم على الليرة اللبنانية استعادة أدوارها الأربعة التقليدية.

أولاً، إن دور الليرة كأداة للتداول يتعزّز، بحيث تجري التبادلات التجارية على نحو متزايد بالليرة اللبنانية. إلا أن العملة الوطنية لم تستعد بالكامل هذا الدور لأن قسطاً من العمليات، ولا سيما الكبيرة منها، لا تزال تنفّذ بالدولار الأميركي. نذكر على سبيل المثال أن حجم الشيكات المتقاصة بالليرة يشكل اليوم أقلّ من 38% من مجموع الشيكات المتقاصة، فيما 62% منها بالعملات الأجنبية. من هنا أهمية التسعير بالليرة اللبنانية من قبل كلّ التجار بالجملة والتجزئة، والاستخدام المطلق لبطاقات السحب والبطاقات الائتمانية والشيكات بالليرة اللبنانية، ما من شأنه أن يعزّز استعمال الليرة اللبنانية كأداة لإجراء التبادلات التجارية على اختلافها.

ثانياً، يجب استعادة دور الليرة اللبنانية كوحدة محاسبة بحيث تُعتمد أكثر فأكثر للأغراض المحاسبية. من هنا، يجب على المؤسسات المالية والشركات الضخمة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم أن تعتمد بشكل كامل على العملة الوطنية في محاسبتها وإعداد تقاريرها. وفي حين يصحّ بأن بعض المؤسسات الكبرى قد تنشر أحياناً حساباتها المالية بالدولار أو اليورو، إلاّ أن هذا الإفصاح يجب أن يأتي تكملة لعملية الإفصاح بالعملة الوطنية، وليس بديلاً عنها.

ثالثاً، يجب إعادة دور الليرة اللبنانية كعملة ادّخار لاسيما في ظل دولرة ودائع تقارب اليوم 80% من إجمالي قاعدة الودائع. من هنا ينبغي العمل على تخفيض معدلات الفوائد بشكل خاص على الودائع المصرفية بالعملات الأجنبية، لتتماشى أكثر مع معدلات الفوائد المرجعية حول العالم التي تناهز الصفر اليوم، خصوصاً في ظل شبه القيود المفروضة على حركة الرساميل الخارجية. إن تخفيض معدلات الفوائد شأنه أن يوسّع الفارق مع الفوائد بالليرة، ويدعم الدور الادخاري بالليرة.

كذلك تبرز أهميّة استعادة الليرة اللبنانية جزئياً دورها الرابع، الذي لا يقلّ أهمية عن الأدوار الأخرى، وهو الدور الإقراضي، أو العملة الناشطة في التسليف. ففي الواقع، حتى نهاية حزيران 2020، كانت حصة العملات الأجنبية من مجموع تسليفات المصارف اللبنانية تشكّل 64%. إن استعادة دور الليرة اللبنانية كأداة تسليف هي بلا شك عامل أساسي في تعزيز الدور الاقتراضي إضافةً إلى تحسين نوعية الموجودات لدى المصارف اللبنانية بوجه عام.

في الختام، إن المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان الحديث هو الوعي الجماعي والمسؤولية المطلقة والحسّ الوطني وعدم ترويج الإشاعات التي تساهم بدون أدنى شك في زعزعة كل من الاستقرار النقدي وعامل الثقة بشكل عام. يجدر التذكير أخيراً أن العملة الوطنية وجه من أوجه السيادة لأي بلد شأنها شأن الجيش والأرض. من هنا أهمية الحفاظ عليها والاعتماد عليها كلياً كعامود فقري في الاقتصاد الوطني بشكل عام.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم