الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رسالة إلى كل جمعيات ومنظمات العالم لحقوق الإنسان: "انقذونا من هذا الجحيم"

المصدر: النهار
ليندا عبدو
رسالة إلى كل جمعيات ومنظمات العالم لحقوق الإنسان: "انقذونا من هذا الجحيم"
رسالة إلى كل جمعيات ومنظمات العالم لحقوق الإنسان: "انقذونا من هذا الجحيم"
A+ A-

أنا مواطنة لبنانية من مواليد العام ١٩٧٦، وُلِدت مع ضجيج الحرب اللبنانية. تشوّه غشاء الطبل من أصوات القذائف والقنابل والرصاص، رغم أن والدتي كانت تضع القطن في أُذني كي لا أسمع. عشت طفولتي في بيروت حتى الاجتياح الإسرائيلي، طفولة الكر والفر والهروب من القناصين. أذهب الى المدرسة ولا تعلم أمي كيف أعود عند الظهيرة. كم من الأيام ذهبت تحت وابل الرصاص لتعيدني عندما تعرف أن محيط مدرستي مستهدف. عشنا الطفولة نلعب لعبة وقع الحرب متصورين أن الحرب هي عادة كل أصقاع الأرض، وأن ما يحدث في يومياتنا كان يحدث في أصقاع أخرى من العالم، فلم يكن لدينا شاشات غير شاشاتنا الوطنية، تكررت أيام الحرب والدمار وموت العديد من الأقارب والأصدقاء والمعارف، وأصبح أحد رفاقي من دون أطراف، وأحد أقاربي الشاب القوي البنية مشلولاً لا يقوى حتى على الكلام. العديدون خسروا بيوتهم وحتى صورنا ونحن أطفال لا نمتلكها لأنها ضاعت تحت الأنقاض، عشنا الحرب وتعايشنا معها حتى انقضاء الشباب، فكانت ملازمتنا في المراهقة وما بعدها حتى حرب الإلغاء، وحصل ما يُسمى اتفاق الطائف الذي بدلاً من ان يُطالب بمحاكمة أمراء الحرب جعلهم على رأس السلطة وعلينا، هم الذين قتلوا وشردوا ونكلوا وسرقوا اللبنانيين. ومن حينها وهم يعملون على زرع وغسل دماغ اللبناني بالحقد والكره وشد العصب ضد البعض طائفياً ومذهبياً وأحياناً في نفس الطائفة لكي يبقوا على كراسيهم ومتصدرين مراكزهم الحكومية والنيابية، وحدهم لا شريك لهم. كل هذا والنظام السوري موجود في لبنان. وبعدها توالت حروب إسرائيلية عديدة عشناها بألم وقهر، وجاء التحرير فقلت ارتحنا، ولكن توالت المعارك وحدث اغتيال الحريري ولم يعد ما قبله كما بعده. انقسم البلد انقساماً عمودياً على جميع الأصعدة، وكانت الكراهية والحقد والعصبية تنمو في قلوب اللبنانيين بعضهم على بعض. فبعد أن كنا تجاوزنا بعض الطائفية عدنا اليها وبقوة، وكان قدري أن أتزوج وأن يكون لي أطفال، كل يوم يمر أدعو أن لا تكون أيامهم كما أيامي منذ ولادتي إلى طفولتي ومراهقتي وشبابي. ولكن ما حدث أن الاغتيالات أفقدتنا أعصابنا وتلتها حرب تموز ومن بعدها عانينا من آثار الحرب السورية التي دخل فيها حكامنا لتصفية حسابات في ما بينهم ويتناحرون ويتقاتلون ولكن على الكراسي. في المجالس يجلسون ويتقاسمون الكعكة، ويسرقوننا، وعشنا الحرب السورية وكان القدر أن حدثت أحداث عرسال التي ما كانت لتحدث لو أننا نعيش في بلد ذي سيادة أو قيادة. كنا في قلب الأحداث وكانت أرواح بعض أهالينا الأبرياء ذبيحة على أرض وطن لم ينصفهم، ولم يأتِ على ذكرهم، ولم يتضامن معنا، ولم يتكاتف معنا. فكنا تحت نير الجلاد والعالم يُعمم علينا صفة الإرهاب التي لم يتعدّ من قام بهذه الأعمال سوى عشرات الأشخاص في مدينة يسكنها حوالي خمسين الف شخص مقيم وعشرين ألف لاجئ سوري، عشنا أياماً سوداء وكأننا من خارج الوطن، وأصبح الدخول والخروج منها يحتاج إلى تأشيرة، غربة عشناها في وطننا وعاش أطفالي مأساة العيش في لبنان، وأتت ثورة ١٧ تشرين، وحينها بُعِثَ الأمل في نفوسنا، علّنا نخرج الى النور ونستبدل المزارع بدولة مدنية سيدة مستقلة تسود فيها العدالة الاجتماعية، ونصل بأبنائنا إلى حياة حرة كريمة خالية من المحاصصات والمحسوبيات، والهتافات والصور والأعلام ألوان الطيف كلها ولا علم للبنان، أردنا ان يكون علمنا سقفنا الذي يجمعنا تحت رايته، ولكن يبدو أن الأحلام بستقبل آمن في هذا البلد هذيان، نعم إنه من البلاهة أن نعتقد أن هذا البلد سيكون غير ما هو عليه طالما هذه الزمرة حاكمة ومتحكمة. سرقوا ماضينا وحاضرنا وسيسرقون مستقبلنا. نهبوا أموالنا، سرقوا هواءنا، فمطالبنا التي هي حقوق لا سبيل للوصول اليها وفي نهاية الأمر من الممكن أن نكون أنا وعائلتي كما غيرنا أرقاماً تشير إلى ارتفاع عدد القتلى والجرحى كما حدث في زلزال بيروت، ولكن لا لا لا، لا أريد لأبنائي مراهقتي وشبابي وحاضري. وبعد أن أصبح جنى عمرنا بلا قيمة أطالب أي دولة او منظمة أو مؤسسة أن تعمل على تبنينا وترحيلنا عن هذا البلد الذي نقول عنه أرض قداسة. ولكن للأسف يبدو أنه أرض لعنة، فلا سبيل للعيش فيه، أنا والكثيرون غيري نريد لأطفالنا مستقبلاً خالياً من الدمار والحروب، نريد أن يعيش ويموت أفراد عائلتنا بظروف طبيعية، لا بانفجارات أو اغتيالات أو رصاصة طائشة، في أي بلد في العالم يكون فيه الإنسان إنساناً وليس رقماً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم