الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

السؤال الأهم للانتفاضة بعد انفجار بيروت: كيف نواجه عنف السلطة ومن يدعمها؟

المصدر: النهار
غسان صليبي
السؤال الأهم للانتفاضة بعد انفجار بيروت: كيف نواجه عنف السلطة ومن يدعمها؟
السؤال الأهم للانتفاضة بعد انفجار بيروت: كيف نواجه عنف السلطة ومن يدعمها؟
A+ A-

لم يعد السؤال ماذا نريد بل كيف نحقق ما نريد. لم نعد نسأل عن البرنامج. فبعد انفجار بيروت، فرض المطلبُ نفسه بقوة الانفجار: اسقاط السلطة التي تقتلنا والتي دمرت عاصمتنا. لم يعد لنا ترف البحث بين مختلف الأطروحات. لم نعد نكتفي بالقول "كلن يعني كلن"، بل اصبحنا نسمّيهم بوضوح ونضع الصور لهم في قلب ساحة الشهداء، وحبل المشنقة على عنقهم. مع تزايد التركيز على رأس السلطة الرسمية، وحرق صور رئيس الجمهورية.

أصلا، لم يكن الخلاف على البرنامج ولا على المطالب. منذ بداية الانتفاضة كان الاتفاق شاملا: اسقاط الحكومة، تأليف حكومة مستقلة بصلاحيات استثنائية، اجراء انتخابات نيابية مبكرة. عندما اصطدمنا بممانعة "حزب الله"، بالموقف وعلى الارض، لإسقاط السلطة، بدأنا بإختراع الحجج لعدم المواجهة، والإكثار من التنظير والتحليل واصدار الوثائق التي باتت كافية لتفصيل البرامج الاقتصادية والسياسية. عندما تعجز الجماعة عن الفعل، تكثر من الكلام، فتنقسم وتبرر الانقسامات بالإيديولوجيات والطموحات الشخصية. حتى لو سلّمنا بوجود كل هذه العوامل المعيقة للفعل، وهي موجودة بالفعل، الا ان "امكان" الفعل كان سيفرض نفسه على المنتفضين فيحسنون التنظيم والوحدة.

بعد اتضاح الوجهة، على أثر انفجار بيروت، نزل الناس بكثافة الى ساحة الشهداء في ٨ آب. لكن العنف كان مجددا بالمرصاد. صمد المتظاهرون وقتا اطول هذه المرة، لكنهم سرعان ما بدأوا ينسحبون في مواجهة عنف القوى الامنية والجيش، بعدما كانوا تمكنوا من تحرير وزارة البيئة والاقتصاد والطاقة والخارجية، ودخل اليها المنتفضون.

تكرر الكر والفر امام مجلس النواب، وكأننا امام مشهد نشاهده للمرة الالف.

فلنحدد المشكلة بوضوح: غضب شعبي عارم وتجمع شعبي كبير جدا، كان متوقعا له ان يتعاظم أكثر لولا ممارسات القوى الامنية، بغازها المسيل للدموع ورصاصها المطاطي، وحتى في بعض الاحيان برصاصها الحي. لكن رغم ذلك، عجز الحشد الشعبي عن تحقيق اي تقدم ملموس، بسبب العنف الذي ووجه به الناس.

المشهد يشبه طائر البحر الألباتروس Albatros، الذي كتب له بودلير قصيدة، وقال فيها ان اجنحة الطير الكبيرة كانت تمنعه من المشي. فهذا الحشد الشعبي الكبير، غير المنظم كفاية، بدا عاجزا عن المشي والتقدم في قضيته.

وكنت قد استخدمت هذا التشبيه، عندما اصطدمت تظاهرات الاتحاد العمالي العام الضخمة ضد الحرب سنة ١٩٨٧، بالتهديد بالقمع، وبعدها كانت قد أطاحت الناس بمتاريس وسط العاصمة. والسؤال يومها كان هو نفسه: كيف نواجه قوى الحرب؟

في سنة ١٩٨٧ كما في سنة ٢٠٢٠، المعاناة الشعبية تتجاوز القدرات التنظيمية ووسائل المواجهة.

فلنعطِ مثلا مؤلما، وهو ما جرى في وزارة الخارجية. حرّر متقاعدو القوى العسكرية وانصارهم وزارة الخارجية، وأعلنوا انهم لن يغادروها يب سيحولونها مقرا للثورة. وصل الجيش الى المكان بعد وقت، وطلب منهم الخروج من الوزارة. خرجوا ولم يقاوموا.

هذا المثل يدل على عدة امور: التحرك لم يكن جيد التخطيط والتوقع، وسائل المواجهة بدت شبه معدومة، والمنتفضون بدوا عاجزين تماما عن المواجهة. هل يمكن الاعتقاد بأنهم لم يكونوا يتوقعون قدوم الجيش لإخراجهم من الوزارة؟ لا يحق لهم عدم توقع ذلك، فإنعكاس فشلهم البارحة سيؤثر سلبا على المحاولات اللاحقة اذا لم يجرِ نقد التجربة.

لم يتمكن المنتفضون من المحافظة على مواقعهم في الوزارات التي حرروها، كما لم يعرفوا بعد كيف يواجهون استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المدى البعيد.

هذه هي المشكلة اليوم وهذا هو السؤال، ولا سؤال غيره.

كثرت في الآونة الاخيرة الدعوات الى العنف، فالناس في حال غضب شديد ويأس من امكان تغيير الاوضاع سلميا.

انا لا اسمي ما يمارسه المنتفضون حتى الآن عنفاً، بل هو شغب. وأكاد اجزم انه ليس من مصلحة الانتفاضة استخدام العنف، امام نظام امني مبني على العنف ويستمر من خلاله. وسيكون النظام سعيدا ان تصعّد الانتفاضة "عنفها" حتى تقضي عليها نهائيا.

اذا كان السؤال اليوم كيف نواجه عنف السلطة ومن يدعمها، فلا جواب فعال ممكن من خارج إطار المواجهة اللاعنفية. وهذا ما أُفتقر اليه بشكل فادح في مواجهات تحرير الوزارات.

الكثير من الشباب المنتفض يعرف ماذا تعني المواجهة اللاعنفية، فدخول الوزارات كان بطريقة لاعنفية. وبعض الشباب يعرف أيضا ان لا امل في مواجهة عنفية مع السلطة. فلنتوقف عن كل التنظير الذي أدمنّاه في المدة الاخيرة ولنطرح على أنفسنا التحدي الاكبر: كيف نسقط هذه السلطة المترنحة سياسيا، بطريقة لاعنفية، لا تغفل الافادة من الوعي العالمي المتجدد حول مظلومية الشعب وإجرام السلطة. مسؤوليتنا كبيرة امام شعبنا.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم