السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

القشّة التي قصمت ظهركم

المصدر: النهار
بلال خريس
القشّة التي قصمت ظهركم
القشّة التي قصمت ظهركم
A+ A-

لا يزال الشعب اللبناني بأكمله يحاول أن ينفض غبار ما حصل في بيروت مساء الرابع من آب. يسعى أن يزيح غشاوة الصدمة من عقله، أن يستعيد رشده ليتخطى مرحلة النكران ويتمكن من رؤية الحقيقة المُرّة: بيروت منكوبة. خاض الشعب اللبناني تاريخياً شتى أنواع التجارب القاسية والنكبات المؤلمة والعواصف العاتية وتمكن في كل مرة من الصمود والنهوض ولو محمّلاً بالجراح والندبات، متأقلماً مع واقع جديد ومستسلماً له. ولكن عظمة ما حصل الثلاثاء، ناهيك عن الحجم النووي للانفجار، هو تعرية النظام تماماً، مبيناً حجم الانهيار والاهتراء المؤسساتي الإداري الذي يصيب نظامنا نتيجة منظومة محاصصة وزبائنية قذرة. تضاربت المعلومات حول أسباب الفاجعة ولكن الحقيقة المؤكدة أن الدولة أعدمت نفسها بيدها.

صرّح معظم "المسؤولين" أنهم بانتظار نتائج التحقيق لتبيان ما حصل، ما قد يضعنا أمام احتمالين: الاحتمال الأول يُحمّل المسؤولية عن خطأ أو حادثة أدت إلى اشتعال المواد الشديدة الانفجار. الاحتمال الثاني يفترض أن العدو الإسرائيلي قام بقصف العنبر المحتوي على مواد سامة مسبباً هذا الانفجار الضخم.

سنسمح لأنفسنا أن نستبق التحقيق (بما أن قرار اللجنة سيستغرق 5 أيام) ونصدر الحكم استناداً إلى واقعين: أولاً، فقدان كل الثقة بأي جهاز قضائي أو أمني في هذا البلد؛ وثانياً، انكشاف جميع الأوراق أمام الرأي العام الذي استحوذ على مستوى من الوعي يجعله قادراً على الاستنتاج والتحليل.

القاسم المشترك بين الاحتمالين هو المواد المتفجرة. وبالتالي فإن المجرم الوحيد والأساسي في كلتي الحالتين هو النظام المافياوي الطائفي بكل عناصره الذي أمعن في استهتاره وفساده وجشعه وجهله، فسمح وغفل عن أو تغافل عن تخزين هذا الكمّ الهائل من المواد الميني ـ نووية في منطقة مأهولة بالسكان بعيدة كل البعد من معايير السلامة. لن يتمكن أي محامي دفاع في العالم أن يبرِّئ هذه المنظومة من فعلتها وإجرامها. يُضاف إلى هذه الجريمة البشعة العديد من التهم والأضرار الجانبية المهولة:

1- خسائر بشرية: آلاف من الشهداء والجرحى زهقت أرواحها بأبشع وأشنع الطرق إما خنقاً أو حرقاً أو غرقاً.

2- شلّ المرفق البحري: في عزّ وخضم الأزمة المعيشية التي حرمت اللبناني من لقمة العيش وجنى العمر تأتي هذه الفاجعة للقضاء على أي فرصة للنجاة من الواقع المعيشي المرير.

3- تلوّث سام: إنبعث جرّاء الانفجار دخان زهريّ اللون! نعم زهريّ! يحتوي على غازات سامّة لا ينتفي أثرها باندثارها من الجو إذ تتحول إلى غبار يرقد في منازلنا.

4- إنهيار الصحة العقلية: لم يمر على العقل اللبناني كارثة بهذا الحجم خضّت وجدانه وأصابته في صميم كيانه، فقد ذاق الموت لثوانٍ، ثوانٍ لن يمحيها لا الوقت ولا أدوية الأعصاب.

والآن، بعد أن حسمنا هوية المتهم، ما هو العقاب الذي يليق بهذه الجريمة؟ يتردد على مسامعنا تحاليل تقول إنه يتوجب محاسبة المتهمين والضالعين في هذه الجريمة من سياسيين ومدراء عامين فوراً وإنزال أقسى العقوبات. ثم نرى زيارات ميدانية لموقع الانفجار تليها استنكارات مزيفة ووعود بزجّ المسؤولين في السجون كمن يقتل القتيل ويمشي بجنازته. والأوقح هو تسابق بعض الكتل إلى إعلان النية بالاستقالة استنكاراً وشعوراً منهم بالمسؤولية، ظنّاً منهم أنهم "سينفذون بريشهم".

ستتغيّر المعادلة هذه المرة. لن ينتظر الشعب قراراتكم وتحقيقاتكم. لن يصبّره إيمانه. لن تسكته تعويضاتكم أو وعودكم. لن تروضّه طائفته أو مذهبه. لقد صدر الحكم فيكم: الإعدام بكل أصنافه، سياسياً، معنوياً، وجسدياً. لن يردعه شيء عن تعليق مشانقكم. ستولد الثورة من جديد من رحم الأحزان والردم والمآسي. ما إن تتبلسم الجروح وما إن يستيقظ الشعب من صدمة ما حصل، ستنجرف الحشود إلى الساحات وتنهش قصوركم ومحمياتكم بأسنانها.

لقد أُطلِقَت الرصاصة الأخيرة في نعشكم، وكانت هذه النكبة القشّة التي قصمت ظهركم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم