الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"النهار"- في مار ميخائيل والمدور... حتى الموتى هربوا من مقابرهم في انفجار المرفأ (صور)

المصدر: "النهار"
فرج عبجي
فرج عبجي
"النهار"- في مار ميخائيل والمدور... حتى الموتى هربوا من مقابرهم في انفجار المرفأ (صور)
"النهار"- في مار ميخائيل والمدور... حتى الموتى هربوا من مقابرهم في انفجار المرفأ (صور)
A+ A-

حتى الموتى في مار ميخائيل والمدور لم يرتاحوا في مثواهم الأخير. معظم المدافن فتحت أبوابها على قوة الانفجار الذي وقع في المرفأ. ما ستشاهدونه ليست شوارع في حمص وحماه أو في قندهار أو الفلوجة، إنها شوارع مدينة كانت تضج بالساهرين والسكان والمارة والأعمال والحركة، لكن كل ذلك تغير عند الساعة السادسة والدقيقة الخامسة عندما توقف عمر بيروت مرة جديدة لتدخل في غيبوبة تدميرية لم يسبق لها مثيل منذ حرب تموز الأخيرة أو حتى منذ الحرب.

الركام في كل مكان، الزجاج حل مكان الأرصفة والزفت في الطرق، أبنية بلا نوافذ، الأبواب طارت من مكانها، بعض ظل على الشرفات، والبعض الآخر سقط على السيارات. شرفات دمرت وسقطت أقسام كبيرة منها على السيارات التي تشلّعت على قوة ضغط الانفجار ولم يبقَ اية سيارة في محيط المرفأ على محيط 3 كليومترات. دمار كبير، وجع أكبر، ألم تلمسه عندما تقابل المواطنين، كفروا، نعم كفروا ولن يسلم أحد من غضبهم عندما يستفيقون من وجعهم، لن يبقى أحد في مكانه.

جوزف، كان يحمل أغراضاً لوالدته التي تسكن بمفردها في المدور كي يأخذها معه بعدما جمعت مستلزماتها الضرورية كي تبيت عند ابنها. قال لـ"النهار" إن "الرب تلطف بنا عندما سمعنا صوت طيران يقترب كأنه حذرنا من السيئ، فهرعنا إلى الداخل، وحصل ما حصل، فتدمرت أقسام المنزل الداخلية، ولم تسلم إلا غرفة الجلوس".

في حي جميل، الركام يفترش كل شيء، ورفض الأهالي انتظار الدولة غير الموجودة في نظرهم والتي لا يثقون إلا بجيشها، كي تأتي وتحصر الأضرار. فبدأوا بإخراج الركام وتنظيف منازلهم التي تشلّعت جدرانها من الداخل والخارج. ويقول إيلي لـ"النهار" إن "الدولة بالنسبة لنا عاجزة وغير مسؤولة عنا، لتغيير وزير في 24 ساعة حضر البديل، لكن وجهنا بإمكانه أن ينتظر، يا لسخرية القدر، جنى عمرنا اختفى، كما تبخر تعب أهلنا في الماضي".

في حي مار ميخائيل، الكنيسة فرغت من كل شيء، جدرانها التي كانت تزينها لوحات زجاجية مزخرفة بصور القديسين مثل مار شربل ورفقا ومار مارون، هجروها بعدما تكسرت واندثرت في الأرض. وحتى المقابر المجاورة للكنيسة فتحت أبوابها، وكان الموتى أرادوا هجرانها على قوة الانفجار. تسير في الشارع، تحيط بك السيارات المدمرة من كل صوب، وشباب من المنطقة ومن خارجها يتساعدون على رفع الأنقاض.


واللحظة المؤلمة عندما تصل إلى شارعك حيث عشت أجمل لحظات عمرك، ولم تجد ما يذكرك بالماضي الجميل، حتى الذكريات هربت من هذا المكان. تفقدت المنزل الأبوي، لا باب، لا صور، لا ضحكات، وحده الخوف والعدم موجود. التاريخ يعيد نفسه، في الماضي كنت تعلم العدو أو المسبّب، لكنه اليوم مجهول أو مجهَّل. التقيت بالجيران، السؤال الأول الذي يُطرح عليك، إلى أين نتجه؟ ظناً منهم انني أعلم أكثر منهم. فالجواب: "كان الله يسترنا من الآتي". ويقول جورج أحد الجيران في الحي: "أشكر الله أني حي، لا أعرف كيف لم أمت، مع أني شعرت لحظة الانفجار أني لن أعيش". ترك جورج محله دون أبواب ورحل مع الشيء الأغلى بالنسبة له بعد اليوم، حياته.

وفي شارع السهر في مار ميخائيل، أصحاب المحال يلملمون خسائرهم، ويتحسّرون، ويقولون: "ماذا تريدنا أن نقول، استثمارنا وثقتنا بهذا البلد انتزعت منا في دقيقتين، خسرنا كل شيء، ومن سيعوض علينا، الدولة المفلسة، أو المساعدات التي ستأتي ويسرقونها؟".

لا شيء يبشر بالأمل، حتى روح الاستمرار والصمود التي كنت تراها في عيون الأهالي في أحلك الأيام، خجولة بل معدومة، هل السبب أن دولتهم خذلتهم أو أنهم تعبوا من غدر الزمن؟










الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم