الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

إضربوا أولادكم..والقاضي يحكم!

المصدر: -"النهار"
محمد نمر
A+ A-

"يسمح بضروب التأديب غير العنفي، التي يمارسها الاباء والامهات على الاولاد، على الا تؤثر على صحتهم الجسدية والنفسية" ، هو التعديل المعجزة الذي خرج به بعض نواب الأمة ليحموا أولادنا من الضرب، بعدما كان القانون القديم يجيز ضربهم من الأهل والأساتذة ضمن العرف العام.


حسناً فعلتم بمنع الأساتذة في شكل نهائي من ضرب الطفل وتأديبه، لكن عذراً، هذا التعديل لن يمرّ مرور الكرام ورغم اليقين بأن كل النواب أجمعوا على رفض العنف، لكن التعديل الجديد يحتاج إلى تفسير واضح بما يحمله من معان تكرسها اللغة العربية وتسمح للأهل بتجاوز الحدود! التساؤلات الموجهة لنوابنا واضحة: هل التعديل يسمح للأهل بضرب اطفالهم من دون أذيتهم جسدياً ونفسياً، ومن يحدد إذا كان التأديب مؤثراً على صحة الطفل النفسية وهل على الأهل بعد تأديب ولدهم أن يأتوا بطبيب نفسي يحدد إذا تعرضت صحته النفسية للخطر؟ القانون بتفسيره اللغوي يسمح للأهل مثلاً بضرب الطفل من دون ترك أي أثر على جسد هذا الكائن الصغير، ورغم هذا الابهام حول القانون أيده أكثر من 36 نائباً فيما صوّت 34 اخرين مع الغاء المادة الأساسية برمتها.


والد ضعيف


يسأل الطبيب والمحلل النفسي شوقي عازوري "ماذا يعني تأديب الطفل من دون أذيته؟"، ويضيف: "في حال كان القانون يجيز الضرب من دون ترك الأثر، فهذا يعني أن البلد تدهور، ويكون مجلس النواب بذلك قد شرع العنف بطريقة غير مباشرة". ويؤكد: "في حال لم تكن هناك رؤية اضحة في القانون تردع ضرب الأطفال في شكل مباشر، سيتحوّل القانون إلى محفز للاهل كي يضربون أطفالهم أكثر"، متسائلاً: "من يقدّر اليوم مصلحة الطفل، ومن يدرك معنى الضرب العنفي من غير العنفي أو المؤذي نفسياً من غير المؤذي؟".
عازوري يشدد على أن التربية تكون بـ"الوهرة" التي تأتي من خبرة الوالدين وليس من قوتهما الجسدية، ويستطيع الاب تهدئة ابنه بالكلام، ويؤكد أن "استخدام القوة الجسدية لتأديب الطفل يعني أن الأب ضعيف، والطفل سيشعر بذلك وسيحدّ الأمر من تنمية الأنا الأعلى والادراك لديه".


قانون مبهم وغير واضح


النائب إميل رحمة صوت لصالح التعديل ورفض الغاء المادة، ويعتبر ان "التعديل والالغاء يصلان إلى النتيجة عينها"، مبررا بأنه "من الضروري وجود المناخ التأديبي في بيئة الطفل، وإلا إذا قال استاذ للتلميذ "بدي ياك تدرس منيح"، يصبح مخالفاً للقانون".
رحمة قدم أمثلة كثيرة تتعلق بالأستاذ والتلميذ ونسي أن التعديل الجديد لم يسمح للاستاذ بالضرب أو التأديب أكان عنفيا أو غير ذلك، ويقول لـ"النهار": "نحنا ما خصنا بالأهل، وهناك قانون العنف الأسري يمنع تعنيف المرأة والطفل".
ويحدد رؤيته بأن "أي ضربة كف تعني عنفاً، والتنبيه بالمسطرة و"السحسوح" ممنوع، حتى إذا رفع الأب يده يمكن ان يندرج الامر في اطار العنف"، موضحاً أن "المقصود في التعديل هو التأديب اللفظي غير المؤذي نفسيا". ويرفض إلغاء القانون حتى لا "يهترىء الطفل". وأكد لـ"النهار" أن "كل النواب أجمعوا على رفض العنف، وكانت طروحاتهم جيدة أكانوا مسلمين أم مسيحيين، عدا النائب عماد الحوت... صراحة كان طرحه مش حلو".
رحمة حاول مراراً توضيح موقفه، رافضاً العنف بكل أشكاله، فهو "ضد الضرب اكان سيترك اثرا او لا "، ويستنتج: "قد يكون القانون بحاجة إلى شرح وقد تكون اللغة العربية مطاطة لكن في الوقت عينه من غير الطبيعي ان تصدر تفسيرات مع كل قانون". وختم قائلاً: "قد يكون هناك ابهام وساطرح الموضوع على المجلس".


الإسلام يمنع الضرب الموجع


النائب عن الجماعة الإسلامية عماد الحوت يقول لـ"النهار": "عدلنا القانون ومنعنا أي نوع من أنواع التأديب في حق التلاميذ من الاساتذة، ومن ثم وضحنا انواع التأديب التي يمكن أن يمارسها الأهل من خلال التربية شرط الا تكون عنفية، وألا تترك أثراً جسدياً أو نفسياً".
ويضيف: "نحن لا نتحدث عن ضرب بل عن تأديب بمفهوم التأديب الشعبي، وعلى سبيل المثال، في حال حمل الاب فرشاة اسنان في يده وضرب ابنه كنوع من الترهيب، لا يعد الامر ضربا بل تأديباً، أما إذا ضربه بالعصا فيصبح ترهيباً وهذا ممنوع".
ومن يقدّر قوة الضرب أو تأثيره على الصحة النفسية؟ يجيب الحوت: "لا أعتقد أن هناك أحن على الولد من أهله، رغم وجود استثناءات ، وبالتالي ننطلق من ان عائلاتنا في شكل عام سوية وليست مجرمة، وبالتالي إذا حصل تعنيف وتواجد الشهود يستطيعون أن يشتكواـ وحينها يترك الامر للسلطات ".
ويشدد على أن "الشريعة الإسلامية ترفض ممارسة العنف على الأولاد وترفض الضرب الموجع نهائياً"، مشيراً إلى أن "العائلة اللبنانية لا تزال سليمة وليست بحاجة إلى قوانين من هذا النوع ولا تحتاج إلى حملات إعلامية تشعرها أنها باتت مجرمة".


القاضي يحكم


النائب سيمون أبي رميا صاحب مشروع تعديل القانون، كان يطمح إلى الغائه كلياً، لكنه وقف أمام عائقين، الأول يتمثل بالمجتمع إذ قيل له لا تستطيع أن تمنع الأب من تأديب ابنه، والثانية تتعلق بـ"الأمور الشرعية الإسلامية". وما اقترحه هو أن يجيز القانون الضروب التأديبية للأولاد من أهلهم من دون احداث أي ضرر جسدي أو نفسي، مزيلاً بذلك تأديب الأساتذة.
ويقول أبي رميا لـ"النهار": "في الجلسة الأولى ، بدأ النواب يزايّدون على القضية واقترح جميعهم الغاء المادة، حتى الرئيس نبيه بري وافقهم على ذلك، لكن بعدما تحدث معه النائب عماد الحوت وقال له أن الالغاء يتنافى مع الشرع، عاد وطلب التصويت عليه، فوصلنا إلى تعديله باضافة التأديب غير العنفي".
ويرى أنه "حتى لو الغيت المادة، سيبقى هناك من يمارس التأديب على أولاده، وفي نهاية المطاف القاضي وحده يحكم إذا كان التأديب الذي تعرض له الطفل مؤذيا أم لا، بناء على شهود ومعطيات قانونية... ولا نستطيع نحن أن نحدد نوع التأديب". ويضيف: "في حال وجود ولد معنف، ستعرف عائلته أو مدرسته أو جيرانه، وسيبلغون"، مشددا على أن فكرة "مش كل مين حطّ ايدو على ابنو ضربو".
ورغم النتيجة التي انتهى اليها التصويت، لا يزال أبي رميا يتمنى الغاء المادة، رغم اقراره بصعوبة الامر.


[email protected]
Twitter: @mohamad_nimer

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم