الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

خاص "النهار"- حانات بدارو تفتقد روّادها... قصة شارع يرفض الموت (صور)

المصدر: النهار
فرح نصور
خاص "النهار"- حانات بدارو تفتقد روّادها... قصة شارع يرفض الموت (صور)
خاص "النهار"- حانات بدارو تفتقد روّادها... قصة شارع يرفض الموت (صور)
A+ A-

شارع "القلب النابض" خفت نبضاته. الحانات والبارات التي تُشعل أجواءه في الأيام "الطبيعية" باتت شبه فارغة من روّادها في هذه الأيام "غير الطبيعية"، باستثناء أعدادٍ بسيطة لم يَعتد الشارع الاكتفاء بها. شارع لا يشبه نفسه في ليالي الصيف. الأماكن والحانات في بدارو تنتظر من يدخل لتبشّره بعدم رفع أسعارها أو رفعها بنسبة بسيطة جداً. خفّ الازدحام في شارع مليء بالحيوية وبأجوائه الليلية الخاصة التي تحاكي جميع الأذواق والأجيال. ضعُفت القدرة الشرائية لدى الناس. فمن كان يخرج أربع أو خمس مرات للتمتع بكأس في أجواء مسلّية وهادئة، أصبح يخرج مرة أو اثنتين كحدٍ أقصى، مع تغيير في الخيارات والتوجّه نحو الأرخص. جولة ميدانية لـ"النهار" في شارع بدارو تصف حالته في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.

لدى الوصول إلى حانة "Eden"، كان هناك بضعة زبائن يشغلون ثلاث طاولات. المكان غير ممتلئ وشبه فارغ. "الإقبال ليس كالسابق، وحتّى إن شَهد المحل إقبالاً، فالزبائن لا ينفقون حالياً بقدر ما كانوا ينفقون في السابق"، يقول مدير الحانة. ويضيف أنّ "كثيرين غيّروا أنواع المشروب الذي كانوا يشربونه، وتحوّلوا مثلاً من الويسكي الى البيرة، وتطول فترة بقاء هؤلاء الزبائن في المكان كمن يجلس لتناول الويسكي".

وعن الأسعار، يقول المدير: "أضفنا ألفاً أو ألفي ليرة فقط على الأسعار، إذ لا يمكننا أن نرفع السعر كثيراً، وتنازلنا عن 75 في المئة تقريباً من ربحنا، وهناك من يستغرب النسبة البسيطة التي أضفناها على الأسعار. نحن نشتري من المزوّدين بسعر السوق، وفي حال اشترينا على السعر القديم تكون الأسعار مرتفعة، وهامش الربح خفّ كثيراً لكن ليس هناك خسائر حتّى الآن".

وأضاف: "نقدّم المشروب المحلّي، لكنّ الزبائن يفضّلون المشروب المستورَد لأنّهم يحبّون الماركات لسوء الحظ، ويفضّلون الرخيص منه على الوطني"، وختم أنّه "علينا أن نستمر ولا نريد إغلاق المحل، وعلينا أن نصارع للبقاء، وحتّى هذه اللحظة نحن نصارع، لكن لا ندري إلى متى سنبقى على هذه الحال".

بالانتقال إلى "The Attic bar"، كان هناك ثلاثة زبائن يكسرون فراغه. إحدى الشريكات المؤسسات لهذه الحانة، تقف متأهّبة على مدخل المكان مظهرةً كامل الاستعداد للمساعدة ولتلبية طلبات الزبائن. "خفّ الإقبال حوالي 70 في المئة، مثلاً أيام الجمعة والسبت هناك إقبال، لكنّ الناس لا ينفقون كما في السابق، وكثيرون استبدلوا الويسكي بالبيرة أو بالعرق أو بالنبيذ، أي المشروبات المحلية. كما أنّ الكمية أيضاً قلّت، فمن كان يطلب ثلاث كؤوس من المشروب، أصبح يكتفي بواحدة، ومن كان يطلب زجاجة، أصبح يكتفي بكأس أو اثنتين.

وقد زادت الشريكة ألفاً أو ألفي ليرة على أسعارها، وتشرح في هذا الصدد: "لا نستطيع رفع الأسعار أكثر من ذلك. كان لدي مخزون قديم من المشروب بالسعر القديم، ما زلت أبيعه على السعر القديم كي لا أخسر الزبائن. ولتفادي الخسائر وفي محاولة للصمود، سددنا إيجار المحل لستة أشهرٍ لاحقة لأنّه الأكثر تكلفة بين المصاريف، وأوقفنا عمل بعض الموظفين ومنهم موظّف البار، وبتنا نعمل بأنفسنا لنغطي نفقاتنا". وتؤكّد أنّه لا خسائر حتى الآن، والموردون يبيعونهم المشروبات على سعر 1515 ليرة للدولار، لكن أغلى بثلاثة أضعاف السعر القديم.

في "The Carven"، البار المحاذي للبار السابق، جلست مالكته في زاوية من زواياه إلى جانب أربعة زبائن في المحل. "هي أزمة اقتصادية صعبة جداً، ونعاني منها جميعاً، خاصةً في شارع بدارو، وتأثَرنا منذ الثورة حيث بدأ يخفّ العمل، وتراجع بنسبة 80 في المئة"، تروي المالكة. وتكمل: "خفّ الإقبال حوالي 70 في المئة، فالزبائن يأتون ويطلبون أرخص مشروب كالبيرة والنبيذ، ومنهم من يطلب المشروبات الغازية".

لم ترفع أسعارها ليرة واحدة. "أرفع أسعاري على مَن؟" تسأل السيدة، مبرّرةً بالتالي: "لم أرفع الأسعار أبداً. فحال الناس من حالنا، مَن يقبض نصف معاشه ومَن لا يعمل". وتكمل: "أغلب البضاعة هي مستورَدة، وأدفع قيمتها بالدولار، أوقفت عمل الشيف وموظّف البار خلال هذه الأزمة بسبب عدم استطاعتنا تغطية مصاريفهما، وألغيت الحسومات على المشروبات، لكن ما أسعفني هو أنّ المحل مِلكي، وأصبحنا نعمل أنا وأولادي على البار وفي تحضير الطعام"، مردفةً: "الأرباح خفّت جداً لكن عليّ أن أفتح أبواب المحل للزبائن كي يموّهوا وكي لا أخسرهم".

وتنهي حديثها بحزن رافقته بسمة تبدي أسفاً شديداً وتقول: "أن تكون المحال مغلقة في منتصف الليل نهار السبت في بدارو، فهو مشهد فعلاً محزن".

في الجانب المقابل، كسر بارٌ مشهد البارات الساكنة والفارغة الأخرى. عجّ بالزبائن وعلَت فيه أصوات أحاديث وموسيقى. إيليو بانايوت، صاحب هذا البار، يسرد: "الإقبال خفّ بسبب كورونا والوضع الاقتصادي بنسبة 70 الى 80 في المئة. لم نكن ننوي رفع الأسعار، إنّما لم يعد باستطاعتنا تحمّل الغلاء، فاضطررنا إلى أن نضيف 20 في المئة على الأسعار، لأنّ أسعار المشروبات التي نشتريها عالية جداً وأصبحنا نتعرض لخسائر، لكنّ الزبائن لا يشتكون من هذا الفارق، ويعتبرون أنّ أسعارنا ما زالت مقبولة بالنسبة إلى غيرنا".

وبدأ بالتركيز أكثر على تقديم المشروبات المحلية، وحاول إيجاد ما هو معقول بالنسبة للماركات المستورَدة، وأوقف الحسومات.

ويرى أنّ "الزبائن يساندوننا كي نستمر، والوضع حالياً هو مسألة صمود، لأنّه رغم أنّ المحل ممتلئ، كما ترَين، لكن عندما نصل إلى آخر الشهر لا نجني الأرباح، فالمردود يُنفق على المصاريف".


خفّت زياراتهم وتغيّرت خياراتهم... والأسعار مقبولة

جرّاء ارتفاع سعر الدولار فقدت الرواتب 300 في المئة من قيمتها، وتراجع الحد الأدنى للأجور من 450 إلى 150 دولاراً، أي أنه فقد ثلثي قيمته. وبعد الغلاء الجنوني للسلع وللمواد الاستهلاكية والخدمات، انخفضت القدرة الشرائية لدى اللبنانيين وتغيّرت جرّاء ذلك الكثير من عاداتهم وخياراتهم.

"نعم بالتأكيد ارتفعت أسعار المشروبات في الحانات، حتّى الحسومات ألغيَت، إذ كنت أدفع مثلاً 30 ألفاً عندما أخرج، أمّا الآن فصرت أدفع ضعف المبلغ. لم أعُد أخرج بنفس الوتيرة كالسابق، كنت أخرج إلى الحانات يومياً لكنّ الآن أكتفي بمرةٍ أو ثلاث كحدٍ أقصى. أتناول أنواع المشروبات نفسها التي اعتدت أن أشربها، ولكن لا أتناول العشاء معها، أختار العشاء أو المشروب"، تفيد زبونة في أحد البارات، وتوافقها على حديثها صديقتها.

في بار آخر، تقول زبونة إنّ "الأسعار ما زالت مقبولة في معظم الحانات، لكنّهم ألغوا فترات الحسومات على المشروب، وبالنسبة إليّ، خفّت وتيرة خروجي وارتيادي هذه الأماكن كثيراً بسبب الوضع الاقتصادي، لأنّ الأكل والشرب أصبحا الأولوية المطلقة في ظلّ الغلاء الفاحش".

ويجيب زبون آخر أنّ "الغلاء بسيط في المشروب في الحانة نسبةً إلى غلاء الدولار وغلاء المشروبات الروحية في السوبرماركت. وأعتقد أنّهم وإن رفعوا الأسعار فهم لا يجنون الأرباح، فرفْع بضعة آلاف على السعر هو منطقي جداً مقارنةً بغلاء الدولار، ولا نلومهم خاصة وأنّ الإقبال ليس كثيفاً. لم أغيّر نوع مشروبي في الحانات، فالأسعار هنا بقيت على حالها، لكن، بدلاً من أن أرتاد الحانات ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، صرت أرتادها مرة واحدة فقط للتمويه، نظراً لانخفاض قدرتي الشرائية".

ويستطرد صديقه: "نعم خفّت كثيراً زياراتنا إلى هذه الحانات، ولا أعتقد أن هذا هو شارع بدارو في ليلة صيفية "إيام العز" وحتى نهار الأربعاء عادةً تكون الأماكن ممتلئة ولا نجد مكاناً للجلوس، أمّا الآن فتجدين أماكن فارغة في جميع الحانات".

ويقول زبون في بار محاذٍ: "إنّ الأسعار مقبولة، لكنّي استبدلت المشروبات المستورَدة بالمحلّية لأنّها أرخص، وأكثر ما أشربه حاليأ هو البيرة المحلية لأنّها أرخص المشروبات، وطبعاً، آتي إلى هنا مرّة أو مرّتين في الأسبوع فقط".



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم