السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

ماذا يقصد اللبنانيون بـ"فيروس السلطة"؟

غسان صليبي
ماذا يقصد اللبنانيون بـ"فيروس السلطة"؟
ماذا يقصد اللبنانيون بـ"فيروس السلطة"؟
A+ A-

يردد اللبنانيون منذ انتشار فيروس كورونا أن هذا الوباء "بعدو اهون من فيروس السلطة". لكن لم يجرِ حتى الآن التعرف إلى هذا الفيروس او توصيفه. يستشعر اللبنانيون بوجوده، دون ان يروه، لا بالمجهر ولا بالعين المجردة. في هذا النص محاولة للتعرف إليه وللمقارنة بينه وبين كورونا.

فيروس كورونا وفيروس السلطة قاتلان. هذا هو الشبه الاكيد بينهما، لكنه ليس الوحيد. كما انهما مختلفان على صعد عدة. حفظ اللبنانيون غيبا خصائص فيروس كورونا، في نشأته وطرق نقله العدوى وعوارضه وإجراءات الوقاية منه. فلنركز على فيروس السلطة بالمقارنة مع كورونا.

الفيروسان بلا مشاعر، مما يجعلنا نفترض ان فيروس السلطة، مثله مثل كورونا، كائن غير حي يقضم الخلايا البشرية ليتكاثر ويحيا. الاثنان يعيشان من خلال قتل البشر او قطع انفاسهم او تعجيزهم.

فيروس كورونا نتج من اللحوم الحيوانية المسلوخة والمرمية على الارض واختلاط الناس بها بدون رقابة. فيروس السلطة نتج من اللحوم البشرية التي سلخها امراء الحرب ورجال المال ورموها على الارض وتعايش مع دمائها واشلائها الشعب اللبناني ولا يزال.

فيروس كورونا يصيبنا بالمرض وبأوجاع الرأس والجسد وضيق النفس. فيروس السلطة يشمل كل ذلك بالاضافة الى الفقر والجوع والانتحار واقفال المؤسسات والبطالة والهجرة والحصار الدولي.

كورونا ينقل العدوى بعدالة وبدون تمييز بين مواطن وآخر، في حين ان فيروس السلطة يحركه التمييز ويوجّهه، فيصيب الفقير اكثر من الغني، ويهاجم الشعب اكثر من الزعماء واركانهم، والآدمي اكثر من الازعر، والحر اكثر من التابع، والشجاع اكثر من الجبان، والوطني اكثر من المذهبي، والمنتفض اكثر من الخانع، والمرأة اكثر من الرجل، والصغير في السن اكثر من الكبير.

فحوص كورونا تتم عبر الانف، لكن فحوص فيروس السلطة لا تصح اذا لم تجرِ على القلب والعقل معا، ففيروس السلطة يصيب الاثنين معا.

المناعة ضد فيروس السلطة لا تكتسب من خلال الاكل والفيتامينات والرياضة وما شابه، كما بالنسبة إلى كورونا، بل اساسا من خلال القيم والسلوكيات المرافقة لها، واهمها الحرية والنزاهة والشجاعة والتضامن والعدالة والتعاطف الانساني.

الوقاية من فيروس السلطة لا تتم من خلال وضع الكمامات بل من خلال نزعها وممارسة حرية التعبير. ولا من خلال وضع القفازات بل من خلال نزعها ايضا. فالايادي النظيفة هي تلك التي لم تلوثها السرقة ولا العنف ولا التصفيق للزعماء.

ليست الوقاية من فيروس السلطة بالحجر المنزلي، بل بفتح منازلنا امام الآخر، وبالخروج معا الى الشارع وافتراشه كمساحة جماعية حرة.

ليس مطلوبا في مواجهة فيروس السلطة تعقيم منازلنا واماكن عملنا ولقاءاتنا، بل المرجو جعل السلطة عقيمة من حيث تأثيرها على عقولنا وقلوبنا، ونزع الثقة منها وعدم الاعتراف بها وتبليغ ذلك الى المراجع الدولية كافة.

اما افضل لقاح ضد فيروس السلطة، فهو الوعي الجماعي بأن الشعب هو مصدر السلطات، والتصرف على هذا الاساس.

الفارق الاهم بين لقاح فيروس كورونا ولقاح فيروس السلطة، ان لقاح الاول فردي اما لقاح الثاني فلا ينفع الفرد الا اذا كان جماعيا أيضا.

الفيروسان يضربان اليوم الشعب اللبناني في وقت واحد، مما يتطلب من هذا الشعب احيانا سلوكيات متناقضة.

الشعب في مرحلة اللامبالاة بفيروس كورونا، وفي مرحلة الصراخ والتذمر من فيروس السلطة. لكن الفيروسين لا يزالان حرين طليقين.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم