السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"الدفاع المدني" يبكي و"الجوكر" ينزل الى البحر الاثنين... هل ينقذه النواب من الموت؟

المصدر: "النهار"
محمد نمر
A+ A-

دمعة "الملاح"، مسؤول متطوعي "الدفاع المدني" أمام المواطنين وشاشات التلفزة أمس أثرت في نفوس كثير من اللبنانيين. انهمرت التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي دعماً لهم، وبات مصير المتطوعين حديث الساعة، فهل يحتاج نواب الأمة أكثر من ذلك كي يقدّرون حياة تتعرض لخطر الموت من أجل انقاذ الناس وانقاذهم؟ سؤالٌ يبدو مشروعاً من الناحية الانسانية. اما في السياسة، فكلامٌ آخر يعبّر عنه تلكؤ المسؤولين في اقرار تثبيت اكثر من 1700 متطوع ومتعاقد في الدفاع المدني، لأسباب تُعاد الى معايير الكفاءة المطلوبة وضرورة تأمين الايرادات وتنظيم القدرة الاستيعابية. وما لا يفصح عنه السياسيون من اسباب اضافية لتعثر التثبيت، فمنها ما يتصل بالمحاصصة وتضارب المصالح السياسية التي تضرب محاولات تنظيم "مؤسسة" الدفاع المدني.



الوزارة تدرس المشروع


وزارة الداخلية كثفت اجتماعاتها لدراسة مشروع تثبيت المتطوعين بعد تحركهم الاخير، وقال مستشار الوزير المشنوق، خليل جبارة لـ"النهار": "لم يسحب المشروع من مجلس النواب من أجل نسيانه، بل من اجل دراسته والتأكد من أنه منصف للجميع"، وأضاف: "هدفنا تطوير الدفاع المدني ولسنا في مواجهة مع المتطوعين بل نقدّر دورهم وعتبهم، ونحن كوزارة ندرس هذا الموضوع حالياً لأن المشروع لم يعرض علينا سابقاً والأسبوع المقبل سيكون على جدول اعمال مجلس النواب، وفي حال لدينا اي تعديلات سنرسلها إلى مجلس النواب".
هذا في شق وزارة الداخلية، اما الشق الانساني-الاجتماعي الذي عبرت عنه دمعة يوسف الملاح أمس، فيفتح مساحات اللقاء مع "بطل" الدفاع المدني على افاق المهنة والسيرة الشخصية وحتما القضية.


لن نقطع الطرق والاثنين إلى البحر


في مركز الدفاع المدني في الكولا، يقع مكتب يوسف ملاح. شهادات الخبرة والتدريب والدروع تزيّن جدران المكتب. هي ما جناه من عمله الانساني، ويقول:"تكفينا محبة الناس وقبلاتهم وابتسامتهم بعد انقاذهم". يفتخر الرجل بما يقوم به، ويتواصل مع كل المتطوعين ويشدد على عدم قطع الطرق. إنه يتقن حسن الكلام جيداً ويحاول ارضاء الجميع.
متطوعو الدفاع المدني ردوا على تعاطف المواطنين ومطالبتهم بعدم قطع الطرق وقرروا اقتصار تحركاتهم في هذا الاسبوع على اقامة حواجز محبة لتوزيع الورود والسكاكر والابتسامات على المواطنين، ستبدأ منذ بعد ظهر اليوم، لكنهم سيفون بوعدهم وينزلون الاثنين إلى شاطىء الرملة البيضاء ويعتصمون هناك حتى الأربعاء، موعد جلسة مجلس النواب، ويقول ملاح لـ"النهار": "كيف نقطع الطرق ونحن من يفتحها ويزيل الاطارات المشتعلة، سنجلس الاثنين على الرمل وفي حال كانت الأجواء سلبية سنضرب عن الطعام، وقبل ساعة من جلسة الأربعاء سننزل إلى البحر ببذاتنا وننتظر قرار النواب، وفي حال لم يقر تثبيتنا سنسبح في البحر إلى ما شاء الله"، وأكد أن "المتطوعين غير مجبرين على النزول الى البحر، والمشارك سيتحمل مسؤولية نفسه".


تأشيرات إلى سري لانكا


في الثمانينيات أسس فؤاد رستم جهاز متطوعي الدفاع المدني، وهناك اليوم نحو 450 بين موظف ومتعاقد، وأكثر من 1700 متطوع من كل لبنان ينتظرون مصيرهم، ويهتم ملاح بـ"اعطاء الحق لكل من يلبس بذة الدفاع المدني، خصوصاً الموظفين والمتعاقدين الذين علمونا وسرنا على طريقهم ونريد رد الجميل لهم". المتطوعون سبق وتحركوا منذ 6 سنوات من أجل المطلب نفسه، لكن الظروف السياسية في البلد صعبت حصولهم على حقهم. ويذكر ملاح أنه زار الرئيس سعد الحريري فقال له: "جيب بقية شركائنا في الوطن ليصادقوا على المشروع وسأسير به". وكانت له زيارة أيام تولي الوزير بارود وزارة الداخلية والبلديات واعلمه بأن المتطوعين سينزلون إلى البحر احتجاجاً أو سيذهبون إلى سفارة سري لانكا وطلب تأشيرات للهجرة وبناء لبنان في الخارج، فكانت إجابة بارود: "إلى البحر أنا معكم وإلى السفارة أيضا سأذهب معكم".
ملاح والمتطوعون لا يعرفون "8 و14 آذار"، يعرضون حياتهم للخطر من أي دون مقابل، فهل باتت حياة المواطن في لبنان، خصوصاً المنقذين كمتطوعي الدفاع المدني "بلا ثمن؟". بكى ملاح وسط بيروت لأنه تذكر دمعة المواطنين الذين فُقدوا غالياً أو المحتجزين بين النار أو تحت الأنقاض، تذكر رائحة الثياب الممتلئة بدماء الشهداء، قائلا: "إنها دمعة متطوع.. دمعة تكتب قصتي وقصة رفاقي".
لماذا تطالبون بتثبيتكم طالما دخلتم كمتطوعين؟ يجيب ملاح: "أحببنا ما نقوم به، وبات العمل الانساني يجري في دمنا ويأخذ الكثير من وقتنا، كما يجب تثبيتنا لأننا نحب لبنان ونعرض أرواحنا للخطر من أجله، ولدينا خبرات في عمل الدفاع المدني لن تتواجد مع اشخاص جدد"، متسائلاً: "هل نضيّع خبرات أشخاص تجاوز عملهم مع الدفاع المدني العشرين سنة تحت صفة متطوع؟".


"الجوكر" و"أرزة لبنان"


دموع ملاح شغلت اللبنانيين وكسبت تعاطفهم. يناديه الرئيس الحريري بـ"الجوكر"، فيما يطلق عليه الوزير السابق بارود أرزة لبنان. تطوع في الدفاع المدني في العام 1990 حينما كان عمره 15 سنة. لا راتب لديه ويعتاش من خبراته: "أنا خبير اطفاء، وأقوم بتدريب الأشخاص، ففي الدفاع المدني الفران والحداد والمهندس".
 يروي ملاح لـ"النهار": "كنت مهووساً بسوبرمان وبروسلي، وأحبّ لاعبي الحديد، وفي العام 1989 سقطت قذيفة على الجامعة العربية واستشهد شخصٌ من الدفاع المدني آل رستم، فحضرتُ التشييع وحصلتُ على صورة له اخذتُ اتأملها، بات الشهيد بطلي". في ذاكرة "الجوكر" ، أحداث كثيرة تعرض فيها إلى خطر الموت، ومنها خلال عملية اطفائه حريقاً في مستودع للادوات الكهربائية تحت الأرض . كان حينها برفقة زميله الذي اهتم باضاءة المكان بـ"البروجكتير"، انقطعت الانارة عنهم وسط حرارة تفوق 300 درجة مئوية في طبقة لا هواء فيها ولا ضوء، وبات مصيرهما معلقا بـ"قنينة الهواء" التي بدأت تفرغ. عاش حينها ملاح لحظات الموت. حاولا الوصول إلى سبيل للخروج عبر خرطوم المياه، من دون نجاح، فكان شريط الكهرباء المرمي على الأرض المنقذ الوحيد لهم. تمسك ملاح به وسار مدركاً أن حياته كانت معلقة بشريط كهرباء!


[[video source=youtube id=xfJQyqiKkV0]]


 


[email protected]
Twitter: @mohamad_nimer


 


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم