الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

سارة حجازي... صرخة الألم في وجه المجتمع

المصدر: "النهار"
علي عواضة
علي عواضة
سارة حجازي... صرخة الألم في وجه المجتمع
سارة حجازي... صرخة الألم في وجه المجتمع
A+ A-

"إلى العالَم... كنتَ قاسياً إلى حدٍّ كبير ولكني أسامح"

حاولتُ النجاة وفشلت، سامحوني.

إلى أصدقائي

كانت الحياة قاسية وأنا أضعف مِن أن أقاومها، سامحوني.

إلى العالم

كنتَ قاسياً إلى حدٍّ عظيم، ولكني أسامح".

"ولكني أسامح"... هكذا أرادت سارة حجازي إنهاء رحلتها في هذه الحياة، تاركة رسالة قصيرة للجميع، انطلاقاً من عائلتها. اعتذرت منهم لفشلها في النجاة، ومن ثم للأصدقاء الذين يعرفون قساوة الحياة عليها وما مرّت به في الفترة السابقة طالبة منهم السماح، وإلى العالم أخبرته بحقيقته القاسية والظالمة ولكنها سامحته. أرادت الرحيل بهدوء وسط كل هذا الضجيج.

من دون سابق إنذار، أجبرتنا سارة على قراءة رسالتها والالتفات إلى قصتها. بكلمات قليلة أوصلت لنا صرختها وحجم القهر الذي تعرضت له، تاركة رسالة مدوية بجملٍ مختصرة شرحت حياتها وما عانته من مجتمع متنمر وجد في قصتها مادة جدلية منذ إعلانها ميولها الجنسية، في 2016، قبل أن تعتقل لـ 3 أشهر ويفرج عنها في 2018 لرفعها علم المثلية في حفل غنائي لفرقة ليلى، متّهمينها بالانضمام إلى جماعة محظورة تروّج "للفكر المنحرف"، لتتعرض للتحرش داخل السجن حتى من السجينات، وكأن التحرش ليس بالفكر المنحرف.

[[embed source=instagram id=https://www.instagram.com/p/BysfsTnhly7]]

اعتقال سارة بسبب ميولها الجنسية كان له الوقع الأكبر على حياتها والتجربة الأصعب، بحسب وصفها، لتكتب من داخل سجنها: "بين جدران سجن وبين قسوة هجمات وطن وحتمية الصراع من أجل أنفسنا، من أجل اثنين عاجزَين عن رؤية الشمس، وسط كل هذا، كنت أنا وأحمد علاء (متّهم معها في القضية) كل ما نتمناه هو حضن أمهاتنا. ورغم وجودنا داخل السجن، والدولة التي تعبر عارية أمامي داخل هذا السجن بسبب فشل في قبول اﻵخر واحترامه، رغم خيبات اﻷمل والإخفاقات، نواصل الحياة".

كل ما تمنّته هو حضن أمها، ومواصلة الحياة، قبل أن تضطر إلى الهجرة بسبب الحملات الممنهجة عليها، والتشهير بها، (يمكن الإطلاع على عيّنة من التعليقات على صورها بعد وفاتها لنفهم حجم التنمر التي تعرضت له في حياتها والذي دفعها إلى محاولة الانتحار سابقاً لتتمكّن من الوقوف مجدداً ومواصلة الحياة بصعابها).

كمية الحقد عليها وعلى قصتها تُستكمل حالياً رغم مسامحتها الجميع؛ من مجتمع يضع لنفسه الحق بالتهجم على المختلِف عنه، والتشهير به واختراق حياته، هو نفسه من يستمتع بالمشاهد الساخنة للممثلات على المواقع الإباحية، يفرغ شهوته هناك وبعدها يعرض عضلاته على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي.

وجّهت سارة برحيلها صفعة للجميع. منهم من اعتبرها مرتدّة وكافرة، مطلقين الأحكام عليها من منطلق ديني، واضعين أنفسهم مكان الله، مكملين بالوتيرة التصاعدية نفسها على كل شخص لا يتماشى مع آرائهم السياسية والعقائدية والجنسية، حتى أصبح التنمر أمراً عادياً ومحقاً، فكيف إذا كان الأمر بفتاة أعلنت مثليتها الجنسية.

جرأتها في الإعلان عما تشعر به وتكنّه لجنسها، وضعها تحت الأعين لتصبح تهديداً للأمن القومي، فتسجن ثم تهاجر بعيداً من عائلتها ومجتمعها. كل ما طلبته احترام خياراتها، لتُشَنَّ عليها حربٌ منذ سنوات، قاومته لتسقط بعدها بشباك الاكتئاب والإحباط واليأس، وترحل من منفاها في كندا، واضعة إحدى صورها معلقةً عليها: "السما أحلى من الأرض وأنا عاوزة السما مش الأرض".

[[embed source=instagram id=https://www.instagram.com/p/CBWCAMiBnhq]]

كلماتها هذه يمكن اعتبارها إخباراً للمجتمع. نقلت ما يعانيه مئات الملايين حول العالم من ضحايا التنمر بمختلف القضايا. أرادت إيصال أن الكلمات الحاقدة التي يتفوّه بها شخص، والتي يعتبرها عادية ومحقة، يمكن أن تودي بأحدهم إلى الانتحار، ورفضِ الحياة رغم أنه كان مفعماً بالطاقة والتغيير والحب.

سارة عيّنة صغيرة لشرائح كبيرة في المجتمع قررت تحدي القواعد، دافعت بشراسة عن معتقلي الرأي، وجدت في غيفارا وفيروز أيقونتين (بحسب إحدى الصور لها). جمعت على طريقتها ما بين الثورة والحب. أرادت إيصال وجع الحقد الاجتماعي بأسلوبها السلس والبسيط. رأت في العالم الآخر مكاناً أجمل... فرحلت.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم