الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل تتكبّد روسيا خسارة في إيران أمام الصين؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
هل تتكبّد روسيا خسارة في إيران أمام الصين؟
هل تتكبّد روسيا خسارة في إيران أمام الصين؟
A+ A-


خيارات قليلة

يبدأ هذا الممرّ من مدينة سانت بطرسبورغ ويمرّ بروسيا فأذربيجان وإيران قبل أن ينعطف في بندر عبّاس ويصل إلى مومباي في الهند قاطعاً مسافة تفوق 7000 كيلومتر. المشروع الذي أوقفت روسيا العمل به هو كهربة السكك الحديديّة التي تربط مدينتي غارمسار وإنش بورون والتي يبلغ طولها حوالي 495 كيلومتراً. وتشكّل هذه الخطوط جزءاً من الفرع الشرقيّ للممرّ الدوليّ.

نقل الباحث البارز المميّز في "مؤسّسة جايمس تاون" الأميركيّة بول غوبل عن صحافيّين روس قولهم إنّ روسيا لن تتراجع عن دعم مشروع موازٍ هو خط أستارا-رشت (جزء من الفرع الغربيّ للممرّ الدوليّ). لكنّه أضاف أنّ الإيرانيّين يخافون من إمكانيّة تراجع الروس أيضاً عن دعم هذا المشروع ممّا يدفعهم إلى الرهان على الصين لإنجازه. وكان متوقّعاً أن يتمّ الانتهاء من المشروع بحلول سنة 2021 إذا لم يعرقل "كورونا" أعمال البناء.



وأعلنت بيجينغ استعدادها لذلك بما أنّ تجارتها مع أوروبا ستكون أسرع وأقل كلفة إذا سارت عبر السكك الحديديّة من خلال إيران، بدلاً من اضطرارها إلى إفراغ حمولتها في السفن لعبور بحر قزوين ثمّ إعادة شحنها برّاً إلى القوقاز. وأضاف الباحث أنّه قد لا يتبقّى خيار أمام إيران سوى القبول بالعرض الصينيّ، على الرغم من أنّ مصلحة طهران وموسكو تكمن في تطوير ممرّ الشمال-الجنوب عوضاً عن ممرّ الشرق-الغرب الذي تفضّله بيجينغ ضمن "مبادرة الحزام والطريق". وينطلق الممرّ الأخير من غرب الصين ويمرّ بدول آسيا الوسطى ثمّ طهران قبل أن يصل إلى تركيا.

وكانت بيجينغ قد موّلت خطوط السكك الحديديّة التي تربط طهران بمدينة مشهد شرق البلاد بطول حالي 930 كيلومتراً وقد بلغت كلفته 3 مليارات دولار. كذلك، وقّعت الصين وإيران مذكّرة تفاهم لمساعدتها في تطوير خطوط الترام في مدينة تبريز. وفي شباط 2016، وصل أوّل قطار صينيّ إلى إيران كجزء من "مبادرة الحزام والطريق". وتمرّ نسبة 60% من حمولات الصين في القطارات إلى أوروبا عبر قازاقستان وتتوزّع النسبتان الأخريان بين روسيا (30%) ومنغوليا (10%).

البحث عن التوازن

تحاول إيران إيجاد بعض التوازن القارّيّ في ما يخصّ علاقاتها مع دول آسيا. فهي تحرص على الانضمام إلى الممرّ الاقتصاديّ الصينيّ-الباكستانيّ، كما تحرص على تعزيز الممرّ الدوليّ الشماليّ-الجنوبيّ الذي يربطها بمومباي. وهذا يسمح لها أيضاً بالبحث عن توازن إقليميّ آخر بين الهند وباكستان. لكن تبقى روسيا العامل الأهمّ في مساندة إيران كي لا تنجرّ إلى الاعتماد الكامل على الصين. تدرك طهران أهمّيّة تنويع التحالفات للحفاظ على الحدّ الأدنى من الاستقلاليّة.

عبّر شعار الثورة "لا شرق، لا غرب" عن هذا التوجّه. لكن نادراً ما تنجو الشعارات القوميّة من تعقيدات الواقع الفجّة وهو ما حصل مع إيران بفعل عدم تمتّعها بالإمكانات الذاتيّة لتحقيق استقلاليّتها. لذلك، اضطرّت إيران للانفتاح على الشرق كي تواجه محاولة الغرب فرض العزلة عليها. كان الاتّفاق النوويّ، في أحد أوجهه، محاولة لإعادة توازن علاقتها بين ضفّتي العالم لكن من دون أن يُكتب لها النجاح. حتى باستدارتها نحو الشرق، عمدت إيران إلى تنويع تحالفاتها. فدخول الصين القطاع النوويّ المدنيّ على سبيل المثال كسر الاحتكار الروسيّ في هذا المجال.

مع تزايد النفوذ الصينيّ بشكل مطّرد في إيران، يصبّ كلّ تراجع روسيّ في صالح بيجينغ، وعلى حساب كلّ من طهران وموسكو. فالأولى تخسر قدرتها على المناورة، بينما تخسر الثانية على مستويات مادّيّة واستراتيجيّة. في الجانب الأوّل، قد لا تكون روسيا بعيدة من خسارة سوق داخليّة كبيرة في إيران ضمن مجال تطوير خطوط السكك الحديديّة التي تشكّل أولويّة بارزة للسلطات الإيرانيّة على طريق تحديث البنى التحتيّة. ففي سنة 2015، وضعت إيران نصب عينيها توسيع هذه الخطوط من 15 ألف إلى 25 ألف كيلومتر، في غضون عشر سنوات.


هل يمكن روسيا تحمّل هذه الخسارة؟

على المستوى الاستراتيجيّ، يعني انسحاب روسيا من تحديث هذه الخطوط معاناتها من ارتدادات سلبيّة عدّة وفقاً لغوبل: أوّلاً، وبشكل شبه مؤكّد، ستنتهي مصلحة الصين في استخدام الطرق الروسيّة لتجارتها مع أوروبا، وسينتج عن ذلك "إلغاء واحدة من الركائز التي اعتمدت عليها موسكو لتعزيز تحالف جديد مع بيجينغ." وحتى لو أرادت روسيا التفاوض مجدّداً مع الصين فإنّه لن يكون لديها الكثير لتقديمه على طاولة التفاوض. الأثر الثاني الذي يوضحه غوبل هو إعطاء الصين قدرة أكبر على ضمان هيمنتها على خطوط السكك الحديديّة في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، حيث لموسكو موقع متقدّم في هاتين المنطقتين.

إذاً، هل تُجبَر روسيا على التخلّي عن مشروع أستارا-رشت بعد تخلّيها عن مشروع غارمسار-إنش بورون؟ إنّ قراراً كهذا يضع موسكو أمام خيار صعب. ففي دراسة تحت عنوان "طموحات الصين في شرق أوروبا وجنوب القوقاز" نشرها "المعهد الفرنسيّ للعلاقات الدوليّة" في كانون الأوّل 2018، ذكرت الباحثة في الشؤون الصينيّة ناديج رولّان أنّ ممرّ القوقاز الجنوبيّ قد يكون صلة وصل بين إيران وتركيا والشرق الأوسط. وهذا يظهر أنّ للنفوذ الصينيّ مسارات متنوّعة في المنطقة.

وأضافت نقلاً عن باحث مرتبط بوزارة الخارجيّة الصينيّة: "إنّ دول المنطقة تبحث عن شركاء تجاريّين جدد، وروسيا تصبح ببطء أقلّ قوّة، ولا تستطيع إيران وتركيا ممارسة المزيد من التأثير ‘بسبب حدود (إمكاناتهما) المختلفة‘". لهذا، من المرجّح ألّا تتخلّى روسيا عن هذا المشروع باعتباره قاعدة نفوذ متقدّمة لها في واحدة من أهمّ نقاط التقاطع الحيويّة في آسيا. ولو حدث العكس، وهو أمر محتمل وفقاً لغوبل، فسيصبح ميزان القوى راجحاً أكثر للصين داخل إيران مع مرور الوقت.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم