السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

سارة ليست بنت حرام

المصدر: النهار
ليال بورسلان
سارة ليست بنت حرام
سارة ليست بنت حرام
A+ A-

تبلغ سارة اليوم 25 عاماً، ويصادف هذا النهار عيد ميلادها، وفق ورقة ممهورة بتوقيع مختار بلدتها. لماذا المختار فقط، لا تذكرة الهوية؟ لأن سارة لم تستطع حتى هذه اللحظة الحصول على هوية، تثبت أنها هي سارة، بنت فلان الفلاني، معلومة باقي الهوية.


لن نذكر اسم البلدة، ولا اسم المختار، ولا اسم سارة الحقيقي، ولا اسم أمّها، ولا إسم أبيها المتوفى، احتراماً للتحفظ، ولكي لا نجهز على الأمل في الوصول إلى خاتمة سعيدة. لكن إليكم قصة سارة من الألف الى الياء.


ليس لسارة أبٌ "شرعي"، وإن يكن لها أمّ "شرعية"، علماً أنها ثمرة حب جارف بين رجل وامرأة لم يسعفهما الدهر في أن يحوّلا المساكنة بينهما إلى عقد زواج، تقرّ به الدولة والجهات المعنية فيها.


تدرس سارة الحقوق في الجامعة اللبنانية، مجمّع الحدت، وهي في سنتها الجامعية الأخيرة. لكنها لن تستطيع الحصول على شهادتها الجامعية، ولن تفوز بعمل كريم ومشرّف، إذا لم تتمكن من الحصول على هوية.


سارة هي ابنة تانيا (...) وجورج (...)، الذي كان متزوجاً من امرأة أخرى، ولم يستطع الحصول على الطلاق منها. من جهة، بسبب إنتسابه إلى الطائفة المارونية التي لا تبيح محاكمها الروحية الطلاق، ومن جهة ثانية، بسبب رفض زوجته منحه حريته. كانت الحياة جحيماً بين جورج وزوجته، التي لطالما خانته وحاولت قتله.


عاش جورج وتانيا بالمساكنة حياة سعيدة. فقد جمع بين قلبيهما حب عميق ووفي. كلاهما كان وفياً للآخر، ولم تنته علاقتهما حتى بموته الصاعق والمفاجئ بإنفجار في الدماغ، قبل ستة عشر عاماً. فتانيا لا تزال على وفائها لـ"زوجها غير الشرعي"، وعلى حبّها له. أنجبت منه سارة، وولداً "منغولياً"، رفض والداه أن يتخليا عنه، على رغم معرفتهما المسبقة بوضعه ومصيره، مذ كان لا يزال جنيناً في بطن أمه.


أما سارة فلم ترزح تحت وطأة الشعور بالدونية. هي في عرف المجتمع والناس والقانون ابنة لقيطة، غير شرعية، ولا تستحق أباً ولا هوية.


هي تريد أن تثبت شخصيتها، وأن تفرضها فرضاً، لكن من طريق الاحترام. تكافح من أجل الفوز بحياة كريمة، بإجتهادها وبمعاندتها الأقدار. هي، حالياً، تعمل بالسخرة تقريباً، وتقبل بأقل الرواتب، فأرباب عملها يتذرعون بأنها لا يحق لها العمل لأنها "لا تملك هوية".


سارة تعمل عملين إثنين، لتعين أمها وأخاها، ومن أجل أن تتمكن من الحصول على شهادة المحاماة. تقول سارة للموقع الالكتروني لـ"النهار": "سأكرس عملي القانوني للدفاع عمن يصفه المجتمع باللقيط، ليكون كامل الحقوق، شأنه شأن كل مواطن ينتمي الى عائلة معلومة. ففي النهاية ما ذنب الأولاد؟".


تمكنت سارة من ارتياد المدرسة والحصول على شهادة الثانوية العامة والتسجيل في الجامعة اللبنانية بورقة من مختار بلدتها، الذي يقول لـ"النهار": "أكنّ كل الاحترام لهذه العائلة، ويؤسفني أن أرى عذاب سارة التي لن تنفعها ورقتي بعد اليوم".


مضى 3 سنوات على تقديم سارة معاونة قضائية في قصر العدل لتحصل هي وشقيقها على تذكرة هوية. عيّنت لها نقابة المحامين محامية، تتولى المرافعة عنها. لكن هذه المحامية تتباطأ في مواعيدها، وأحياناً لا تأتي. الأمن العام من جهته، أنجز تحقيقه. وقد تمكنت "النهار" من التأكد من أن نتيجة التحقيق كانت لمصلحة سارة وعائلتها.


دفعت سارة منذ أشهر مبلغ 800 دولار مقابل اختبار الحمض النووي (DNA) لإثبات النسب من عمّها. نتيجة الإهمال والتسويف والفوضى، لم تحصل سارة على نتيجة الإختبار حتى هذه الساعة، على رغم توافره في أحد مستشفيات بيروت الحكومية.


تانيا والدة سارة، ينتابها قلق شديد من أن لا يتمكن ولداها من الحصول على هوية. تتساءل: "كيف نأمل خيراً في بلد لم يقرّ الزواج المدني بعد؟". هذه القضية هي وصمة عار على جبين الجمهورية اللبنانية التي تمعس حقوق الإنسان الذي لا سند له و"لا ضهر". وكم من لبناني مجرد من حقوقه يسأل: "شو ذنبي أنا؟".
لرفع وصمة العار هذه، لا بدّ من أن يتحرك جميع المعنيين: وزارة الداخلية، مديرية الأحوال الشخصية، نقابة المحامين، جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، وهيئات المجتمع المدني.


بل هي برسم المجتمع اللبناني برمته، رؤساء، ومجلس نواب، وحكومةً، وجماعات، وأفراداً، وطوائف، ومراجع دينية ومدنية.
ليت رئيس الجمهورية يغرّد على "تويتر"، مدافعاً عن سارة، مطالباً بحقها في الحصول على الهوية اللبنانية.


كلنا سارة. كلنا لقطاء. ولن نكون "شرعيين" إلاّ إذا اعترفت الدولة بأمومتها لسارة.


ونحن في "النهار" نريد من الدولة أن تكون أمّاً لسارة. بل أن تكون أمّنا جميعاً.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم