السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

خبر "اللا خبر" مجزرة في حقّ الإعلام

كاتيا سعد
خبر "اللا خبر" مجزرة في حقّ الإعلام
خبر "اللا خبر" مجزرة في حقّ الإعلام
A+ A-

حين يكون الخبر "الجيّد" مادّةَ المقال، لا يمكن لأي صحافي أن يتجاهله، ومن البديهي أن تتناوله وسائل الإعلام وتتناقله على منصاتها الإلكترونية. ولكن حين يكون خبرُ "اللا خبر"، بمعنى آخر "السخيف"، المجرّد من أي فائدة، محطَّ أنظار وسائل الإعلام، خاصة "المعروفة" منها والتي لها ثقلها في عالم الإعلام، فهذا يعني: أولاً، استفزازاً لذكاء المتلقي؛ ثانياً، استهتاراً بمكانة كل صحافي ملتزم بأسس الخبر الصحفي؛ وثالثاً، ذلّة مهنية في تاريخ الوسيلة الإعلامية.

لست هنا بصدد إلقاء محاضرة حول الإعلام وفنّ كتابة الخبر. ولكن من قواعد الخبر الذهبية، والتي يجب أن تبقى محفورة في ذهن كل صحافي، أن يجيب كل خبر عن الأسئلة الخمسة: ماذا؟ من؟ متى؟ أين؟ لماذا؟ ويُضاف: كيف؟ أو ما يعرف بالإنكليزية 5W+H

.(What? Who? When? Where? Why? How)

المعادلة سهلة جداً، ولكن، بشكل دوري، يتمّ خرق هذه القاعدة.

فأين نحن من ذلك عندما تنشر الوسيلة الإعلامية خبراً، بناء على فيديو شاركته إحدى الفنانات اللبنانيات على صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تقصّ شعرها في المنزل؟ وبعض الأشخاص (نساء ورجال)، حتى خارج فترة الحجر، يقومون بالاعتناء بشعرهم؟!

وخبر آخر يقوم بتغطية استقبال إحدى الفنانات في منزلها، لأحد المشهورين في فنّ الطبخ في تركيا وكأنها "معجزة القرن"؟!

وخبر حول البلبلة التي أثارتها حلقة تلفزيونية عندما أخطأ أحد مقدّمي البرنامج  بإسم الضيفة، وكأنّنا نسلّط الضوء على حامل لقب في "جائزة أوسكار"؟!

وذاك الذي يتناول احتفالية عيد ميلاد أحد المشاهير حيث كانت أصغر هدية سيارة فخمة وكأنه انتخاب رئيس جمهورية بلد؟!

وآخر ينقل إلينا طريقة تحضير أحد المؤثّرين (influencers) لطبق طعام "أجنبي"، وكأننا في مختبر يشرح لنا اكتشاف دواء يشفي من الأمراض المزمنة منها السرطان، السيدا، السكري، أو حتى لقاح لكورونا؟!

عندما أقرأ مثل هذه الأخبار بصفة المتلقّي، وقبل أن أتعاطى معها بنظرة الصحافية، ما هي الفائدة التي سأكتسبها؟ صفر، على الصعيد الشخصي. أما على الصعيد المهني، فهي مادة تستفزني وتكون المحتوى لمقالي كما هي الحال الآن.

كل شخص "حرٌّ" بأن يُشارك ما يشاء من فيديوات على حسابه الخاص. ولكن أن يتجاهل الصحافي، أو من هو بموقع مسؤول في المؤسسة الإعلامية، كل "المصائب الحاصلة" ويتبنى هذه المادة ليبني عليها خبره، فإنّ هذا غير مقبول. مع العلم أنني مدركة تماماً أهمية أن تتناول كل وسيلة إعلامية مادة يقال عنها "خفيفة" (light)، شرط أن تكون ذا فائدة.

فأين الإعلام اليوم، على سبيل المثال، من دعم المشاريع الصغيرة (small business)، وتداول ما يقوم به أصحاب هذه المشاريع على منصاتهم الإلكترونية (خاصة على فايسبوك وإنستغرام)؟ وهو ما شاهدته على حساب الإعلامي وسام بريدي على إنستغرام، الذي أطلق مبادرة "together we are stronger" ("معاً نحن أقوى")، وطلب من كل من لديه مشروعه الخاص أن يرسل له فيديو قصيراً بمثابة "بطاقة تعريف" يتحدث فيه عن مشروعه وشغفه به. وبدوره سيقوم بمشاركته على صفحته، ويدعم بطريقة غير مباشرة صاحب المشروع.

الإعلام ليس من شأنه أن يكون جاداً دائماً في ما ينقله، ولكن يجب معرفة كيفية اختيار موضوع الخبر، والتعاطي معه بجدّية. والمطلوب من الإعلامي أن يكون "ناظراً" يراقب ما يحدث هنا وهناك، ولكن أن يكون دقيقاً في "اصطياد" ما يرصده. أما بالنسبة للوسيلة الإعلامية، فلتلتزم بأخلاقيات وآداب المهنة ولتستثمر بالمحتوى التثقيفي والترفيهي، وحتى ذاك الذي يخدم مشاريع فردية يقوم بها المواطن وتحتاج إلى دعمها لتصل إلى شريحة واسعة من الناس؛ ولتترك للمنصات الألكترونية - الافتراضية، الاستثمار في بعض الأحيان بما لا جدوى منه. نعم، سنظلّ نحن الإعلاميين ندافع عن الإعلام، نحو إعلام "ناضج"...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم