الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

في ذكرى سمير قصير... الساحة تحتاج إلهاماً

المصدر: "النهار"
ديانا سكيني
ديانا سكيني
في ذكرى سمير قصير... الساحة تحتاج إلهاماً
في ذكرى سمير قصير... الساحة تحتاج إلهاماً
A+ A-

يشكّل من ضحّوا بأنفسهم في مسارات التغيير أمثولةً ليست فقط للتذكّر والأيقَنة، بل إنهم أيضاً محطات هامّة لاستقراء أزمان وتحوّلات والاستفادة من عبرها في المسار الشائك والدرب الطويلة.

تحضر صور سمير قصير في صباح 2 حزيران بقوة في مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت المكان الأحبّ-الأسهل للتعبير. يذيّلها محبّو سمير ومناصرو أفكاره بعبارات الرثاء والاشتياق وإسقاط الأمس على اليوم. ميزة الرجل في أقانيمه المشرقية الثلاثة وفي ألمعيته الصحافية - الثقافية ووقوفه على تماس مع تطلعات جيل من الشباب ببناء دولة عصرية ديموقراطية. دولة نظام وعدالة.

يدخل معظم هذا الجيل مرحلة جديدة من العمر حاملاً خيباته وكفره بالتغيير أو براغماتيته التي تقرّ بأن الفيل لا ينجب سنجاباً، وأن عدم اعتماد منهجية صحيحة في التصويب التغييري، واعتناق الفوضى، والبدء من العام قبل الخاص، والكلّ قبل الجزء، لا يمكنها أن تؤديَ إلا الى الصدام مع الواقع والفشل في ظل ظروف موضوعية سياسية واقتصادية تزداد صعوبة كارثية.

لنا في ذكرى سمير بعد 15 عاماً على الغياب، أن نستعيد الساحات الهادرة في العام 2019 التي تهافت اليها محبّو الصحافي ومؤرخ سيرة مدينة متوسطية لا تعرف الأفول. شأنهم شأن كثيرين من الذين أصابهم داء الانسحاب بعد الذهول غير المبرر أمام نظام طائفي عنيد غرسَ مصالحه في أنفاس الأتباع.

بغير البكاء والتحسّر أمام مآل الانتفاضة وما أصابها من تشتت في المشهد والمضمون والجوهر، الحريّ بمن يلتقط أطراف العزيمة ويعود الى الساحة اليوم ويعقد الاجتماعات ويتحدث عن وثائق أن يخبرنا ماذا يملك من رؤى وبرامج وبماذا يفكّر ليقنع فئة عريضة من المحبطين والمستسلمين والمسلّمين بالأمر الواقع؟ ليس المطلوب إنكاراً للتنوّع الفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي في ساحة 17 تشرين، لكنّ مدماك الاعتراف بأخطاء سابقة أساسي لتصويب المسار. وعذراً سمير. نناقشك في فكرة وليتك هنا لتجيب! العودة الى الساحة قد لا تكفي ليعود الوضوح.الساحة هي مسار زمن ولقطة عاطفية مبدئية جيّاشة وتقاطع مصالح. لكنّها لا تدوم الى الأبد. وفي فكرة أخرى، اذ أراك الآن جالساً في خيمة نقاش تنفث دخان سيجارتك: كيف للأحزاب الطائفية متى ما كانت حاملاً مجيّشاً للحظة التغيير ألا تبتلعها بمكنوناتها المضادّة للإصلاح الفعلي؟ وكيف يتصالح التغييريون مع أتباع الأحزاب والطوائف لتنتج تسوية على قاعدة تقاطع المصالح الواقعية؟

نحتاج اليوم الى الاعتبار من كلّ ما مضى. من كل تاريخنا وحركاته النادرة التي حاولت التغيير. والأمر لا يعفي من الاجابة على الأسئلة الصعبة التي بات تأجيلها لا ينفع.

افتقدت ساحة 17 تشرين قادة رأي ملهمين، ولا شك في أن سمير كان ليكون واحداً منهم لولا يد الارهاب التي تعرف اصطياد الأهداف. والتصفية لا تكون دائماً على شاكلة رصاصة أو انفجار، بل قد تتسلّل الى الساحة من بوابة الفوضى وغياب الطروح المقنعة والخطابات الجاذبة الواقعية والبدائل.

في ذكرى سمير، نحتاج وضوحاً وأشخاصاً ملهمين يتحدثون بثقة وجرأة وعلم من على المنابر. والثورات ليست دائماً فعلاً خاطفاً. تلك التي تراكم مساراتها هي الأجدى. المهم ألا تهدم الأخطاء والغوغائية تلك المسارات وتعيدها الى نقطة الصفر.

المهم: تمجيد الانجازات دوماً وإبقاء شعلة الممكن والتصويب على إعدام الأفكار المستحيلة. تظهير المشترك بين مواطنين يفتقدون الحقوق بمعزل من الأمكنة والطوائف. إبراز الطاقات للقول إن الكفاءة البعيدة من التبعية موجودة وما أكثرها!

المهم مداواة الرأي العام والكفاح من أجل عدم تدجينه. إقناع وسائط الاعلام بأن 17 تشرين ليست "سي.دي" قديماً يُعاد تشغيله على الهواء وفي التغريدات والستوريات وليست تنظيماً متقناً لمهرجان. تعرية الانتهازيين وتهميشهم. زرع ثقافة الدفاع الشرس عن الحقوق المنهوبة في هامش القضاء الممكن. المهم أولاً وأخيراً الايمان بأن الاحباط ليس قدراً. إيمانٌ نحن في أمسّ الحاجة اليه على أعتاب مئة سنة من إخفاق لبنان.

[email protected]

@dianaskaini

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم