السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

القنّب في لبنان بركة أم لعنة؟

المصدر: النهار
سيلينا بريدي
القنّب في لبنان بركة أم لعنة؟
القنّب في لبنان بركة أم لعنة؟
A+ A-

تشريع زراعة القنّب واستخدامه لأغراض طبّيّة موضوع دقّ أبواب مجلس النوّاب منذ سنة ونصف السنة ليعود وينضمّ إلى لائحة القوانين المعلّقة الطويلة في البرلمان بعد رفض عدد من الكتل النيابيّة إقراره. وبعد مرور سنة ونصف السنة، أصبح وجها لبنان السياسي والاقتصادي مبدّلَين.

فثورة 17 تشرين شهدت تحرّكات شعبيّة كثيفة للشعب الّلبناني لم يكن لها مثيل في الثلاثين سنة الماضية، الأمر الذي ادّى إلى استقالة حكومة وتشكيل حكومة جديدة مع تبديل وجوه قديمة بوجوه جديدة في الوزارات. وكان أحد أسباب اندلاع الثورة ظهور عوارض السياسات الخاطئة المتّبعة طويلًا من السلطة الحاكمة على اقتصاد البلد، ونذكر من هذه العوارض ارتفاع نسبة البطالة، انهيار القطاعات السياحيّة والصناعيّة والزراعيّة، غياب المشاريع التنمويّة والإصلاحيّة المُنتظرة من المجتمع الدوليّ، والأهمّ الأهمّ نقص الدولار في السوق الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع سعر الصرف. وكأنّ هذه الأزمة غير كافية للّبنانيّين فأتت أزمة كورونا لتضع الحكومة أمام خيار التعبئة العامّة وتقفل كلّ المعامل والمصانع والمطاعم والمهن الحرّة أبوابها وتتأذّى أكثر ماليًا واقتصاديًّا وتعدّي الدولار الواحد إلى ما يقارب 4000 ليرة لبنانيّة. هذا الوضع المُصنّف بالكارثة للبنان دفع النواب إلى إقرار قانون تشريع زراعة القنّب واستخدامه لأسباب طبّيّة بعد ما أثبتت التجارب الأوروبيّة والاميركيّة نجاحها. هكذا يكون أصبح لبنان البلد الأوّل الذي يشرّع زراعة القنّب. لعلّ يساهم هذا القطاع في إعادة نهوض اقتصاد البلاد ولو بجزء صغير. لهذا القانون تأثير إيجابي على مختلف القطاعات الطبّية والاقتصاديّة والزراعيّة والإنمائيّة والسياحيّة والأمنيّة. بعد الحديث الذي أجريناه مع العميد الجامعي والخبير الاقتصادي البروفيسور روك-أنطوان مهنّا، سيركّز هذا التحقيق أوّلًا على تأثير تشريع زراعة القنّب على القطاعين الطبّيّ والاقتصادي في لبنان، ثانًيًا تأثيره على القطاع الزراعي وبالتّالي المناطق الريفيّة التي تُزرع فيها هذه النّبتة وتنميتها وأمنها واستقرارها. وثالثًا على المتطلّبات لنحاح هذا القطاع في لبنان والتّحدّيات التي يمكن مواجهتها.

شركات الأدوية الوطنيّة إلى الواجهة

تبيّن أرقام الأمم المتّحدة انّ لبنان يحتلّ المرتبة الثالثة بعد المغرب وأفغانستان في قائمة المصادر العالميّة لصناعة القنّب. كما تبيّن دراسات عالميّة أنّ القنّب اللّبناني هو من الأفضل جودةً حول العالم فضلًا لنوعيّة التربة المميّزة في مناطق عكار والبقاع التي تُزرع فيها النبتة، بالإضافة إلى المناخ اللبناني وبالتّحديد معدّلات هطول الأمطار وفترات سطوع الشمس.هذه الجودة العالية التي تميّز القنّب اللبناني تفيد القطاع الطبّي الوطني. فهذا الأخير يتمتّع بيد عاملة ماهرة جدًّا باستطاعتها صناعة الأدوية التي تحتوي على نبتة القنّب الأمر الذي يصبّ في مصلحة شركات الأدوية الوطنيّة. ويُذكر أنّ نبتة القنّب تُستخدم في علاجات السرطان والسكّري.

وإلى جانب تصدير نبتة القنّب الخام للدول الاوروبيّة والأميركيّة بهدف تصنيع الأدوية على أراضيها، وفي طليعتها المانيا والنمسا وبريطانيا وفرنسا وأميركا الشمالية والجنوبيّة، والمساهمة في زيادة الدخل الوطني، سيستطيع لبنان تصنيع الأدوية في الداخل عن طريق شركاته الوطنية، والقيام بتصديرها إلى الخارج كما وبيعها إلى السوق اللبناني فتزيد من نسبة الأرباح. هذه العمليّة التصديريّة للقنّب الخام أو المصنّع ستؤثّر إيجابًا على دورة الاقتصاد اللبناني وزيادة تأمين العملة الصعبة أي الدولار الأميركي، لتغذية خزينة الدولة.

مزارعو القنّب في الإطار القانوني

بدأت زراعة القنّب في المناطق النائية، كسهل البقاع، منذ مئة عام لتحتلّ المرتبة الاولى في الزراعة خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة. ولكن شهد هذا القطاع تراجعًا ملفتًا في العقدين الماضيين نتيجة الدور السياسي الذي لعبته الدولة اللبنانيّة لمنع زراعة النّبتة لأسباب سياسيّة أو طائفيّة أو خدمة لمصالح خاصّة. هذا الوضع الذي ساد طويلًا في البلاد أدخل مزارعي القنّب في دوّامة الصفقات داخليًّا وخارجيًّا لاستمالة الجهات ذات النفوذ السياسي القويّ عن طريق الاتّفاقات والرشاوى خاصّةً عبر الحدود لتمرير باخرات أو شاحنات محمّلة بالنّبتة غير المشرّعة بعد في لبنان وذلك بسبب الفقر الذي كان المزارعون يعانون منه. فالزراعات البديلة مثل التفاح والبطاطا وغيرها لم تكن تؤمّن ربحًا للمزارعين بسبب التنافسيّة الواسعة بين الزراعات اللبنانيّة والزراعات العربيّة و الأوروبيّة والآسيويّة. وتُقدّر قيمة التصدير غير الشرعي للقنّب اللبناني والتهريب إلى أوروبا فقط وصفقات الرشاوى بمليون ونصف مليون دولار أميركي.

أمّا اليوم ومع إقرار قانون الاستفادة من زراعة القنّب للاستخدام الزراعي والصناعي، وُضع مزارعو النبتة في الإطار القانوني. فمن الآن وصاعدًا ستشتري الدولة اللبنانية هذه النبتة من المزارعين اللبنانيّين لتصديرها خاماً أو لبيعها لشركات أدوية وطنيّة فيُقسّم الربح بين الدولة والمزارعين. وبما أنّ القنّب اللبناني يتمتّع بجودة عالية كما سبق وأسلفنا ممّا سيعزّز فرصته للتنافس عالميًّا وزيادة الطلب عليه، الأمر الذي سيؤدّي إلى زيادة الإنتاج أي زيادة الربح للأطراف المعنيّة. إشارة إلى أنّه ليس هناك ارقام محدّدة فيما خصّ الأرباح التي ستدخل إلى خزينة الدولة. هذا الأمر يتطلّب دراسة تقيييّة لوضع بيانات وأرقام دقيقة حول الجوانب المختلفة المتعلقة باستخدام القنّب كمعدل استهلاك القنب مثلًا، وعدد الحالات الطبّيّة ونوعها، بالإضافة إلى تحديد حاجة سوق القنب المحّلي وإمكانية التصدير.

نمو مستدام في الأرياف

المكاسب التي تحقّقها زراعة القنّب للقطاع الطبّي كما للدّولة والمزارعين لا تتوقّف عند هذا الحدّ. فالمناطق الرّيفيّة، مكان زراعة النّبتة، تستفيد بدورها من القانون الجديد.

كما سبق وذكرنا، القنّب المزروع في لبنان مميّز عالميًّا. فبطبيعة الحال سيزيد الطلب عليه وبالتالي نسبة إنتاجه. ممّا يؤدّي إلى الاستعانة بيد عاملة أكبر وتنشيط العمالة في الأرياف التي تعاني من الفقر والبطالة. وبما أنّ سكّان هذه المناطق الريفيّة فُتحت أمامها فرص عمل جديدة في هذا القطاع، فالحاجة للنزوح إلى المدينة بحثًا عن لقمة عيشهم ستتراجع. ممّا سيخفّف الضغط على المدن اللبنانيّة التي تعاني من اكتظاظ سكّاني وزحمة سير خانقة. يُذكر أنّ ظاهرة زحمة السّير في لبنان تكلّف الدّولة نحو مليار دولار سنويًّا.

من جهة أخرى، ستشهد هذه المناطق الريفية حركة تنمويّة اقتصاديّة واجتماعيّة جديدة من نوعها. فازدياد العدد السكاني يتطلّب بناء مستشفيات ومدارس وأبنية سكنية ومطاعم لاستيعابها وبالتالي فرص عمل إضافيّة لسكان المناطق المجاورة. كما انّها ستجذب الاستثمارات الوطنيّة والأجنبيّة من معامل أدوية وغيرها.

أيضًا، من المعروف أنّه كلّما زادت نسب الفقر والبطالة زادت معها نسب الجرائم وعمليّات السرقة. فلعلّ هذا النمو المستدام والشّامل في المناطق الريفيّة وتحسين الظروف المعيشيّة لسكّانها سيؤدّيان إلى استقرار أمنيّ أكبر فيها.

سرّ نجاح قطاع زراعة لقنّب

إنّ هويّة الجهة التي ستدير هذا القطاع الجديد ما زالت مجهولة. فهل هي الحكومة، أم الوزراء المعنيّون أم إدارة التّنبغ والتّنبك؟ وحتى لاكتشاف الجواب عن السّؤال الذي سبق هناك بعض الخطوات البديهيّة، التي إذا توفّرت، لن يقع القطاع في الفوضى وسوء الإدارة.

أوّلًا، تقع الخطوة الأولى من عمليّة إدارة القطاع على عاتق المدن الرّيفيّة المعنيّة عمومًا وبلديّاتها خصوصًا. ويتضمّن برنامج عملها إقامة التّنسيق في ما بينها لزراعة نبتة القنّب على نطاق أوسع وتقديم تسهيلات للمزارعين من معدّات وأدوات متطوّرة بطريقة تزيد نسبة الإنتاج.

ثانيًا، على وزارات الزّراعة والاقتصاد والثقافة أن تقيم برامج توعويّة للبنانيّين وخصوصاً لسكّان المناطق الرّيفيّة القريبة من السهول التي تُزرع فيها النبتة بالأخصّ. أهمّيّة هذا البرامج يكمن في الإضاءة على فوائد تنظيم وضبط هذا القطاع لتجّنب ظاهرة التّهريب التي تكبّد الدّولة خسائر كبيرة كما تضبط الاستعمالات السلبيّة للقنّب.

ثالثًا ومن أجل الاستمرار بهذا القطاع الجديد وعلى المدى الطويل، من المهمّ أن تقدّم الدّولة الّلبنانيّة تسهيلات عديدة، منها إعفاءات من الرّسوم والضّرائب على الأراضي الزراعيّة الشاسعة والصالحة لزراعة القنّب بالإضافة إلى تخفيض أسعارها وأسعار المستلزمات الضروريّة لها.

وكما من المعروف أيضاً أنّ الموازنات هي خطّة توجيه لأيّ قطاع، يجب بالتالي على الدّولة الّلبنانيّة تأمين موازنة مقبولة لهذا القطاع الواعد والمنافس بنظر العديد من خبراء الاقتصاد.

رابعًا، تلعب وزارة الخارجيّة دورًا مهمًّأ إلى جانب السّفراء والدّبلوماسيّين الّلبنانيّين والأجانب . فمن المفيد لهذه الجهات مساعدة بلديّات المناطق الرّيفيّة المعنيّة أن تنظّم معارض ومهرجانات صيفيّة تسلّط الضّوء على نوعيّة القنّب والتّربة الّلبنانيّة كما تنوّع استخداماتها. هذه المعارض تجذب المستوردين والمزارعين العالميّين وتسهّل عمليّة فتح أسواق بين لبنان والخارج. هنا يكمن دور وزارة الخارجيّة لجذب ودعوة المعنيّين، الذين سيأتون إلى لبنان، يقيمون في فنادقه، يأكلون في مطاعمه ويسوحون على أرضه، هذا الأمر الذي سيدخل من جديد الدولار على الأراضي الّلبنانيّة.

ولكن هل ستستطيع الدّولة، غير القادرة حتى على منع زراعة القنّب غير القانونية، من ضبط وتحويل استخدامه للأغراض الطّبّيّة؟

هل الخسائر تفوق المكاسب؟

يتخوّف معارضو تشريع القنّب في لبنان من خسائر كبيرة على مختلف الصّعد، عند إقرار القانون. من جهة أولى، عدد العصابات في لبنان التي تهرّب مادّة الحشيش غير الشّرعيّة مرتفع، وهي قادرة على تهريبه وبيعه في الأسواق اللبنانيّة وخارجها من دون حسيبٍ ولا رقيب. أمّا اليوم، ومع تشريع عمليّة تصدير القنّب إلى الخارج، فمن الممكن أن تستفيد العصابات من القانون لِبيع المادّة لأغراض غير طبّيّة، كالاستخدام الشخصي على سبيل المثال، تحت غطاء الاستخدام الطّبّيّ. من جهة ثانية، تخوّف المعارضون من ظهور جهات مسلّحة تتقاتل على احتكار هذا القطاع الزّراعيّ، أو زراعة القنّب على أراضٍ غير مشرّعة. من جهة ثالثة، من الطبيعي أن تسوء سمعة لبنان واللبنانيّين بنظر الدول الأخرى بعد ارتفاع عدد عمليّات التهريب. ومن الممكن أيضاً أن يتعرّض المسافرون اللبنانيّون لضغوط في بعض المطارات المتخوّفة من إمكانيّة تهريب المخدّرات عبر حدودها. أخيراً، من الممكن أن تزيد حالات الإدمان على المخدّرات بسبب تشريعه في بعض القطاعات، ما سيزيد الاعباء على الدولة اللبنانيّة، المنهارة أساسًا اقتصاديًّا، من أجل معالجة أعداد المدمنين المرتفعة.

مستقبل القنّب في لبنان

في دول اوروبيّة وأميركيّة عدّة، تخطّى قانون تشريع زراعة القنّب الحدود الطبيّة والصناعيّة والاقتصاديّة ليدخل قطاع السياحة والنوادي الليليّة. فشرّعت هذه الدّول استخدام القنّب لسكّانها في حياتهم اليوميّة. فهل سينضمّ لبنان في يوم من الأيّام إلى قائمة هذه الدّول؟

بحسب اليروفيسور مهنّا، فإنّ لبنان بلد الثماني عشرة طائفة، من الممكن أن يكون إقرار هكذا قانون أمرًا صعبًا وبعيداً. ولكن، أضاف مهنّا، من الممكن فتح المجال في المستقبل لهذا القانون إذ إنّه أصبح من الضروريّ أن ينفتح لبنان على السيّاح الأوروبيّين والأميركيّين، وذلك لأنّ التنوّع السياحيّ مهمّ لبلد مثل لبنان. فيأتي هؤلاء السيّاح إلى لبنان من أجل تعاطي المواد المنبثقة من نبتة القنّب، من دون التعرّض للملاحقة القانونيّة. ولكن، على الرّغم من ذلك، فإنّ هكذا قانون لا ينجح تطبيقه إلّا إذا شدّدت الدولة رقابتها على النوادي الليليّة وأماكن الترفيه مع تحديد كمّيّة المواد المسموح بها لكلّ شخص. وعكس ذلك، فإن الفوضى ستعمّ، وسيزيد انتهاك قوانين السّير والطرقات، كما سترتفع أعداد الجرائم والاعمال التّخريبيّة والضوضاء في الأماكن العامّة.

إذًا، يمكن القول إنّ قطاع القنّب قطاع واعد في لبنان. فهو بإمكانه أنّ يقدّم للبلد وشعبه فرصاً جديدة للانفتاح على الأسواق والمعارض العالميّة، كما مساعدة القطاع الاقتصاديّ والماليّ بالبدء من الوقوف من جديد على قدميه. ولكن كما كلّ القطاعات والمشاريع الأخرى من الضّروري أن تتوفّر خطّة عمل لإدارتها، بالإضافة إلى جهات تتمتّع بالمسؤوليّة والإرادة من أجل نجاحها.

على أمل أن لا يكون مصير قطاع القنّب في لبنان يشبه مصير القطاعات الأخرى، يجدر الذّكر أنّ القانون الذي يجرّم استخدام القنّب ومنتجاته لم يُعطّل بعد. فهل الدّولة الّلبنانيّة مدركة للموضوع؟ وهل سيتحرّك المعنيّون لإلغائه؟



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم