السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

علاج كورونا بين الجدل العلمي والصراع السياسي

إيمان الرياحي
علاج كورونا بين الجدل العلمي والصراع السياسي
علاج كورونا بين الجدل العلمي والصراع السياسي
A+ A-

صرّح ديدييه راول أخيراً بتوصله إلى بروتوكول علاجي ناجع ضد وباء الكورونا كوفيد 19، ما أثار جدلاً عالمياً واسعاً حول هذا التصريح. بين المؤيدين لبروتوكوله العلاجي والمعارضين له، اخترنا أن نسلّط الضوء على هذا العالِم. نحن لا نناقش هنا النتائج التي توصل إليها من زاوية علمية، بل نتساءل عن طبيعة الجدل الكبير الذي أثاره في فرنسا.

يعد راول واحداً من ألمع الأساتذة في علم الأحياء الدقيقة، وهو متخصّص في علم الأمراض المعدية المداريّة الناشئة في كليّة العلوم الطبيّة وشبه الطبيّة بمرسيليا، ويشغل مدير وحدة الأبحاث في الأمراض المعدية الناشئة بالكلية وبمعهد المستشفى الجامعي للأمراض المعدية بمرسيليا. (IHU)

تحصّل راول على الجائزة الكبرى من المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية بفرنسا سنة 2010 (Inserm).

اشتهر فريق عمله بالانشغال على الفيروسات المعقدة، وكانت أعماله من أكثر المؤلفات تداولاً في المنشورات الطبية كمصادر ومراجع مشهود لها، حيث نشر ما يناهز الـ636 مقالاً بين عامي 2007 و2013، وقد استشهد المختصون في المجال الطبي بهذه المقالات 18128 مرةً على الصعيد الدولي.

عمل الدكتور منذ سنة 1998على تبسيط المعلومات الطبية في مجال اختصاصه، وعلى نشرها للجمهور العريض من خلال تدوينه المتواصل لمقالات ذات صبغة علمية وسياسية في مجلات وصحف يومية وشهرية متنوعة مثل

"Le point" و"Les Échos"  و"Le Figaro"

لقد نبّه ديدييه راول إلى خطورة انتشار عدوى فيروس الكورونا كوفيد 19 منذ شهر كانون الثاني/شباط 2020 ودعا بلاده لاتخاذ إجراءات صارمة، ونقدَ منظمة الصحة العالمية لتململها في التنبيه إلى مخاطر الفيروس كوباء عالمي، وسارع مع فريق بحثه إلى إجراء تجارب علاجية، ليقر يوم 25 شباط 2020 توصله لدواء ناجع وبسيط وغير مكلف ضد الكورونا كوفيد 19، وهو "الكلوروكين" الذي يستخدم في الأصل في علاج الملاريا، لذلك كان راول يقول ساخراً: "ليس الفيروس شريراً إلى هذا الحد". ثمّ أصدر كتاباً جديداً يوضح فيه وجهة نظره عنونه بـ"الأوبئة: المخاطر الحقيقية والإنذارات الكاذبة". خصّص الدكتور الفصل الثامن من هذا الكتاب لتفصيل مقاربته العلمية حول الكورونا كوفيد 19 وشرح خصوصيات الفيروس.

يصرّح راول بالنتيجة العلميّة التي توصّل إليها قائلاً: "نؤكد فعالية هيدروكسي كلوروكوين مضافاً إليه الأزيثروميسين في علاج كوفيد 19". وإن كانت المخابر الصينية تقول بقيمة استعمالات الكلوروكين و"تأثيراتها المثبطة الجيدة إلى حد ما" لفيروس المتلازمة التنفسية الحادة الشديدة النوع سارس-كوف-2، فإنّ قيمة بحث راول تكمن -حسب عدد من المختصين - في وصف بروتوكول طبي للكلوروكين ملائم في علاج الكوفيد19.

أثارت تصريحات راول زوبعة علمية وإعلامية وسياسية، إذ أشاد البعض بقيمة النتائج العلمية التي حققها، فيما اتهمه البعض الآخر بالتسرع والمجازفة، حيث غضّت تجارب الدكتور النظر عن بعض المعايير العلاجيّة الدقيقة كتلك المرحلة التي يصطلح عليها الأطباء بـ"اختبار التعمية المزدوجة"، وطالت انتقادات راول شخصه، ووُصف بالعنيد والنرجسي والغريب الأطوار.


في المقابل، دعا المجلس العلمي الفرنسي إلى التريث للتأكد من فاعلية العلاج الموصوف ومن آثاره الجانبية. لذلك انسحب ديدييه راول من نقاشات المجلس وصرّح للإعلام قائلاً: "أتحدث دائمًا إلى رئيس الجمهورية وأحترم المؤسسات، لكنني لا أتوافق مع المجلس العلمي الذي يريد الانتظار ستة أسابيع حتى يتوصل لنتائج الدراسات السريرية على الكلوروكين".

تلقى راول على هاتفه الجوال وبريده الإلكتروني في 1 و2 آذار 2020 رسائل تهدده بالتصفية وتطلب منه التراجع حول ما صرّح به حول جدوى الكلوروكين. ويُجرى الآن بحث حول طبيعة هذه التهديدات حسب موقع راديو فرنسا الدولي ومنابر إعلامية عديدة تستند جلّها إلى صحيفة Le Canard Enchaîné

فما هي طبيعة هذه التهديدات؟ ألا توحي بوجود رهانات عميقة للأطراف المهدِّدة؟ أوليست هذه الرهانات ذات أبعاد ماليّة ومافيويّة؟

لا شك أنّ وقائع الكورونا اليوم تذكرنا بمتلازمة سارس 2002 وبفيلم عدوى Contagio

الذي أنتج سنة2011 والذي كشف عن مخلّفات عدوى فيروس خطير ونتائجه الوخيمة اجتماعيّاً وصحيّاً، لكنّه عرّى أيضاً التنافس المحموم في إيجاد اللّقاح والذي لم يكن تنافساً شريفا بل كان تنازعاً شديداً بين لوبيات عديدة وصلت حدّ التقاتل.

من جهة أخرى، كشف الإعلام عن التوتر الحاصل بين إيف ليفي، زوج وزيرة الصحة الفرنسية أنييس بوزان، حيث شغل ليفي خطة الرئيس والمدير التنفيذي للمعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية من سنة 2014 إلى سنة 2018، وسحب علامة بحث المعهد الوطني من المعهد الذي ينتمي إليه ديدييه راول بمرسيليا، وها هو المعهد الوطني يصرّح أنّ هذا السحب لم يكن قراراً لإيف ليفي وحده بل هو قرار جماعي:

"يتم تقييم مشاريع الوحدات البحثية من قبل المجلس الأعلى لتقييم البحث والتعليم العالي، ثمّ ينظر في تلك التقييمات من قبل هيئات المعهد الوطني أي من طرف اللّجان العلمية المتخصصة والمجلس العلمي. يصدر هذا الأخير رأيًا تقرّر بموجبه إدارة المعهد الوطني إذا ما كان سيتم قبول إنشاء أو تجديد تسمية "المعهد الوطني" لوحدة بحث أم لا. لقد تم اتخاذ القرار بعد تسلسل إداري دقيق".

أما ما أثار الكثير من القلائل والشائعات في أوساط التواصل الاجتماعية، فهو حضور عالم المناعة إيف ليفي مع وفد رئيس الوزراء الفرنسي في افتتاح معهد ووهان للفيروسات يوم 23 شباط 2017 حيث أَسس معهد ووهان الصيني للفيروسات على إثر ظهور وباء سارس مختبراً صُنف 4 بالتعاون مع المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية الفرنسي للبحث في مسببات الأمراض من الفئة 4 ولدراسة الكائنات الدقيقة والفيروسات الأكثر خطورة...

أمّا آنييس بوزان، زوجة إيف ليفي، فطبيبة باحثة مختصة في أمراض الدم والأورام، تولت مسؤوليات عديدة وتقلّدت منصب وزيرة التضامن والصحة الفرنسية، ثمّ استقالت من خطتها الوزارية في شهر شباط 2020 للترشح في الانتخابات البلدية على إثر انسحاب بنيامين جريفو من حملة الانتخابات في باريس.

لقد سبق أن صرّحت آنييس بوزان في بدايات ظهور كوفيد 19 في فرنسا، وبعد تسجيل الثلاث حالات الأولى للوباء قائلة: "لا وجود لأي خطر قادم من ووهان... إن خطر انتشار هذا الوباء منخفض للغاية"...وقد جعلتها هذه التصريحات محل انتقادات عديدة.

تنشغل الكثير من الصحف الفرنسية اليوم في تقصي الوقائع، موضحة جملة الحقائق والأكاذيب حول وزيرة الصحة السابقة آنييس بوزان وزوجها. ليس هذا الانشغال اهتماماً بالخصومة الشخصيّة والذاتيّة بين إيفي وزوجته من جهة وراول من جهة أخرى، بقدر ما هو تمحيص في كل المعطيات العلمية والسياسية المتعلّقة بالوباء العالمي المستجد.

إنّ ما يهمّنا الآن هو الإجماع الطبي الأولي، في عدة بلدان في العالم، على قيمة الكلوروكين في البروتوكل العلاجي لكورونا 19.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم