الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

إعلام الكوارث أم كوارث الإعلام؟

أنمار السيد
إعلام الكوارث أم كوارث الإعلام؟
إعلام الكوارث أم كوارث الإعلام؟
A+ A-

بينما يكافح العالم لإيجاد لقاح لفايروس كورونا المستجد وإيقاف هذه الجائحة الكبيرة التي تعصف بالبشرية، وفي ظل القسوة التي يفرزها انتشار هذا الوباء من حيث عدد الإصابات والوفيات في العالم وانعكاساتها على تفاقم مشاعر القلق والخوف لدى الناس جميعاً، يبدو المشهد في وسائل الإعلام العربي مشهداً هستيرياً وسباقاً محموماً في ما بينها على من يقدّم للمشاهد أحوال المدن وهي خاوية على عروشها من السكان وأحوال القطاع الطبي الذي يئنّ تحت وطأة ضغوط المصابين وازدياد أعدادهم وأخبار الاقتصاد المشارف على الانهيار.

واحدة من هذه المحطات العربية تفرغ المساحة الأكبر من شاشتها في بثّها المباشر على مدار اليوم والساعة لعدّاد الإصابات والوفيات لفايروس كورونا المستجد على مستوى العالم وعلى مستوى كل دولة بشكل مفصل وكأنه عدّاد أسهم بورصة. وأخرى تنتقل بمراسليها في أوروبا والعالم العربي لتقدم للمشاهد صور المدن الفارغة من سكانها مع موسيقى تصويرية حزينة وكأن العالم شارف على الانتهاء والتلاشي.

ناهيك عن أخرى تقدم نصائح طبية للمشاهدين من خلال لقائها مع طبيب اعتبر ان الفايروس يمكث أولاً في البلعوم ويجب على الناس شرب الكثير من السوائل الدافئة حتى ينزل، بحسب قوله، إلى المعدة ويتم هضمه!! ما أثار ردود طبية كثيرة استهجنت هذه المعلومة التي اعتبروها غير صحيحة وغير علمية.

يكفي أن تقوم بجولة واحدة في الوقت ذاته بين عدة قنوات تلفزيونية عربية وسترى بعدها كمية التوتر والرعب اللذين سوف تحصل عليهما، وستشعر كما لو أن الموت يقف بعيداً عنك خطوة واحدة أو يتربص بك خلف بابك.

طبعاً حال الإعلام العربي ليس أحسن حالاً من الإعلام الغربي، ولكن نتميز بالمنطقة عنهم بأننا إعلام يعتمد على استنساخ المعالجة الخبرية للقضايا من خلال الإعلام الغربي، ولأن الإعلام الغربي اهتم بالأطباء، نحن أيضاً في إعلامنا اهتممنا دون التفكير والبحث عن زوايا أخرى للقضية المطروحة والمتعلقة بالوباء مثلاً كتسليط الضوء على عمال النظافة في المشافي الذين يتعاملون مع مخاطر النفايات الطبية.

وحتى نكون منصفين أكثر بالمسألة، فقد نجح الإعلام العربي في إظهار حجم المصاب العالمي مشكوراً، وسلط الضوء على أهمية الجهود الكبيرة للعاملين في القطاع الطبي من أطباء وممرضين.

وأعتقد أن وسائل الإعلام العربي في زوايا المعالجة للمعلومة والحدث كانوا على قسمين:

الأول وهو قسم دراما المشهد:

الذي حوّل الموضوع إلى دراما عاطفية من خلال الموسيقى الحزينة والصور ومشاهد الفيديو لأفراد مصابين يبكون ويشرحون معاناتهم للمشاهدين أو لصور تحميل نعوش الموتى في سيارات المشافي وحتى لبعض عمليات الدفن.

والثاني هو قسم دراما الخبر:

والذي اعتمد على التركيز على أعداد الوفيات والإصابات في عناوينه وأخباره، فيطلّ علينا كل دقيقة بخبر عاجل يفنّد فيه الإصابات والوفيات في كل بلد... وهكذا دواليك.

الصورة العامة لمعالجة الإعلام العربي زرعت في نفوس الكثير من المشاهدين الخوف والقلق، وفي بعض الأحيان الرعب، خاصة عند كبار السن الذين أوصل لهم الإعلام أنهم المستهدف الأكبر لفايروس كورونا وأن الفئات العمرية الأخرى في دائرة الأمان العام.

من زاوية أخرى، أعتقد أن الإعلام العربي ركز على جانبين أساسين في تغطيته لملف وباء كورونا المستجد:

جانب القطاع الصحي، وجانب التأثيرات السلبية على الاقتصاد بشكل عام،

وهنا أود أن اطرح سؤالاً هاماً يتعلق بقطاع واسع من الشعب العربي وخاصة في دول مثل سوريا والعراق ولبنان والأردن ومصر حيث يعتمد الكثير من مواطني هذه الدول على أعمال يومية تؤمّن لهم قوت أسرهم. هؤلاء في حال واصلت الدول مراحل الحجر الصحي، ما هو مصير هؤلاء وعوائلهم؟

لم أرَ أي وسيلة إعلام تناقش مسؤولاً عربياً حول هذا الملف وحول إدارة حكومته للأزمة إلا من جانب القطاع الصحي فقط.

هل مشكلة المواطن العربي الآن في هذه الدول هي فقط سرير في المشفى وجهاز تنفس، أم هناك مشاكل أخرى على صلة وثيقة ولا يمكن فصلها عن جائحة كورونا لأنها ربما تؤدي إلى مشاكل واضطرابات كبيرة في هذه الدول إذا لم تخلق البدائل لهذه الشرائح المجتمعية؟!

ورأينا على نشرات الاخبار كيف أن بعض المواطنين في دولة عربية رفضوا البقاء في منازلهم لأنهم مضطرين للعمل لتأمين قوة أطفالهم وعوائلهم.

أعرف تماما أننا لسنا في كندا التي منحت كل عائلة، سواء لديها عمل أم لا، مبلغ 2000 دولار شهرياً لتعيل نفسها خلال فترة الحجر الصحي والبقاء في المنازل الذي ربما سيطول لشهرين أو أكثر.

لذلك أنا هنا لا أناقش الدور الحكومي في إدارة الأزمة الحالية. ولكن أناقش مسؤولية الإعلام وحساسيته تجاه المنطقة التي ينطلق منها في تغطيته العامة والخاصة.

لقد أدرك المواطن العربي الدور الكبير الذي تقوم به الكوادر الطبية في مكافحة هذا الوباء، ولهذه الكوادر كل الحب والتقدير والاحترام على جهودهم المبذولة والعظيمة. لكن هل يرى إعلامنا العربي أن مشكلة المواطن لدينا في تقديم كل هذه المساحة الكبيرة من الوقت والتغطية لإفهام المواطن العربي أهمية عمل الكوادر الطبية، أم هناك جوانب أخرى لا نبالغ إذا وصفناها بالمصيرية تستحق تسليط الضوء عليها ومناقشة المعنين بها؟

تجدر الإشارة إلى أن رابطة واشنطن لزيادة الشفافية في الولايات المتحدة قامت برفع دعوى قضائية ضد شبكة فوكس نيوز الإخبارية بسبب طريقة تغطيتها لانتشار وباء كورونا، بحسب ما نقلته المصادر، حيث تتهم المنظمة شبكة فوكس نيوز ببث معلومات كاذبة ومضللة خلال تغطيتها الأولى للوباء بما في ذلك وصف فايروس كورونا المستجد بالخدعة وبأنه لا يمثل خطراً على الصحة والسلامة العامة، وأن بعض المواطنين ممن تابعوا التغطية كانوا يعتقدون في وقت سابق أن الفيروس مجرد خدعة، بحسب أحد مسؤولي المنظمة.

تُرى كم وسيلة إعلام عربية نقلت الخبر عن فوكس نيوز حينها بأن الفايروس مجرد خدعة كونها وسيلة إعلام عالمية؟

في النهاية، يبدو أن فايروس كورونا لم يكشف العجز الطبي فحسب، بل كشف حتى العجز الإعلامي الذي، برأي العديد، يبدو أنه يحتاج إلى عناية مشددة وجهاز إنعاش.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم