الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"تحدّي الخير" في مصر... العمل المجتمعي ينتعش في زمن كورونا (فيديو)

المصدر: "النهار"
القاهرة - ياسر خليل
"تحدّي الخير" في مصر... العمل المجتمعي ينتعش في زمن كورونا (فيديو)
"تحدّي الخير" في مصر... العمل المجتمعي ينتعش في زمن كورونا (فيديو)
A+ A-

وعلى الرغم من تخصيص الحكومة المصرية 100 مليار جنيه لمواجهة الجائحة، وإطلاقها برامج للإعانة والمنح للعمالة الموقّتة والفئات الأكثر احتياجاً، إلا أن بعض الشباب والمواطنين استشعروا أن جهود الدولة وقدراتها لن تكون كافية لمواجهة الوباء وتبعاته، وتلبية الاحتياجات الأساسية للفقراء الذين ارتفعت نسبتهم إلى 32% من المواطنين، فقرروا لعب أدوار اجتماعية متباينة قد يصعب على الدولة بهيكلها الإداري البيروقراطي الضخم القيام بها منفردة.

كما ساهم "تحدّي الخير" الذي شارك فيه عدد من نجوم الرياضة والفن والشخصيات العامة، والذي يتحدون بعضهم خلاله على كفالة أكبر عدد من الأسر الفقيرة، بتحريك الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لدى قطاعات واسعة من الشباب في العاصمة، وكذلك في القرى والنجوع والمناطق العشوائية.

الفقراء يتبرّعون

مصطفى هنداوي، شاب من قرية ملاحية حسن سليم، بمحافظة بني سويف (108 كيلومترات جنوب القاهرة)، بدأ قبل نحو أسبوعين هو وعدد محدود للغاية من أبناء قريته حملة لرش وتعقيم منازل القرية الصغيرة، اعتماداً على إمكانياتهم المتواضعة، ما لفت انتباه الأهالي سريعاً، وساهم في توعيتهم بخطر كورونا، وانضمام المزيد من المتطوعين والمتبرعين إلى مبادرتهم.

يقول هنداوي لـ"النهار": "لقد شعرت أنا وشباب ملاحية حسن سليم ممن كان لهم حظ في التعليم والسفر للخارج، أن نسبة الوعي في قريتنا منخفضة للغاية، وأننا يجب أن نفعل شيئاً عاجلاً، لتوعية الناس بالخطر الداهم الذي يهددنا نحن والعالم، فبدأنا معتمدين على مواردنا المحدودة للغاية، في رش بعض شوارع القرية ومنازلها".

"عاد شباب ملاحية حسن سليم ومن يعملون خارج بني سويف إلى ديارهم، بعدما تغيرت ظروف الحياة وفقد بعضهم وظائفه"، يضيف الشاب المصري، "وعلى الرغم من ظروفهم القاسية، كانت لديهم رغبة صادقة في فعل شيء لحماية قريتهم، فتتطوع عدد منهم في جهود الرش والتعقيم، ومن الأمور المثيرة للإعجاب والدهشة، أن مستوى الوعي بخطر فيروس كورنا بدأ يتزايد سريعاً، ووجدنا بعض أهالينا من الفقراء يقدّم لنا 5 جنيهات (الدولار يساوي 15.7 جنيهاً مصرياً) كتبرع حتى نتمكن من شراء الكلور ومستلزمات التعقيم، وكنا نقبل تبرعه المتواضع بترحاب ونشكره، فيما أقرضَنا آخرون خراطيم ومعدات للرش".

لاحظ هنداوي وأصدقاؤه مشكلة أخرى عاجلة، حسبما يقول: "هناك حاجة ملحة لتوفير الطعام للفقراء الذين فقدوا مصادر دخلهم فجأة، فبدأنا بالعمل على مسارين متوازيين، الأول هو توفير احتياجات الأسر من الطعام لمدة أسبوع، لذا بدأنا في جمع الأموال من بعضنا، وكل منا يساهم بقدر طاقته المالية، وما فاجأنا حقاً هو أن بعض التجار والبقالين بدأوا يتبرعون لنا بأجولة أرز ومعكرونة وزجاجات زيت وسكر. أما المسار الثاني فهو تسجيل العمالة غير المنتظمة من أبناء القرية، والذين لا يعرف أغلبهم استخدام الكمبيوتر والانترنت على موقع وزارة القوى العاملة حتى يستفيدوا من المنحة التي تقدمها الحكومة لهم".

"لقد بدأنا نتراجع خطوة في الرش والتعقيم والتوعية، خلال اليومين الأخيرين، بعدما وصلت عربات مجهزة تابعة للقوات المسلحة تقوم بتعقيم قريتنا والقرى المحيطة بنا"، يقول الشاب المصري، "كما أننا لاحظنا أن الجيش ووزارة الداخلية يتحدثون مع أهالي القرية بطريقة ودودة ورائعة، ويعملون على توعيتهم بأهمية الالتزام بالبقاء في منازلهم، ومواعيد حظر التجول، وتجنب التجمعات تلافياً لانتشار الفيروس".

المسؤولية الاجتماعية

تقول ندى عبد الله الناشطة في مجال المجتمع المدني وصاحبة مبادرة "مع بعض" لـ"النهار": "لقد لاحظت خلال الأيام القليلة الماضية أن نسبة الشعور بالمسؤولية الاجتماعية تزايدت بصورة لافتة، واستشعرت ذلك من خلال تزايد أعداد الراغبين في التطوع أو التبرع لمساندة الأسر التي تضررت جراء سوء الأحوال الجوية، وانتشار فيروس كورونا".

وتوضح الناشطة الاجتماعية: "لقد بدأت مبادرتنا في العام 2011، وكنا نقوم بتقديم أشكال متباينة لمساعدة الأسر والأشخاص الأكثر احتياجاً، سواء بتوزيع بطانيات في الشتاء، أو تقديم مواد غذائية في المناسبات والأعياد، اعتماداً على المتبرعين والمتطوعين، لكن في الأزمة الأخيرة، بدا الأمر مغايراً".

"نعم... العمل التطوعي موجود منذ سنوات، لكنه لم يشهد نشاطاً كالذي شهده أخيراً"، تقول ندى، "قد يكون السبب في ذلك هو التحدي الذي أطلقته شخصيات عامة، وكذلك الأداء الحكومي الرائع الذي حظي بتقدير الموالاة والمعارضة على حد سواء، إضافة إلى التركيز الإعلامي المكثف والذي يحذر من خطورة انتشار كورونا، وضرورة البقاء في المنازل والالتزام بالحظر".

وتروى الناشطة الشابة: "لقد بكيت بشدة حين اتصل بي بعض المتطوعين من أبناء إحدى المناطق الفقيرة التي نعمل فيها، حين أخبرنا عن الحالة المذرية التي وصلت إليها بعض الأسر التي فقدت مصدر دخلها، ولم نكن مستعدين لتقديم العون خلال هذه الأيام، كنا نفكر في الاستعداد لشهر رمضان، فاضطررت أنا وشركائي في المبادرة لإجراء اتصالات ببعض المتبرعين، وكان الخبر الجيد هو أن بعضهم كانت لديه حقائب للمواد الغذائية جاهزة للتوزيع".

وتضيف: "لم نواجه أزمة في الحصول على متطوعين، فالجميع يريد أن يعمل شيئاً، خاصة أبناء المناطق الفقيرة التي نعمل فيها، كل منهم عبّر عن رغبته في المساعدة، حتى لو اقتصرت على حمل الشنط، وكان بعضهم يرفض أن يحصل على حقيبة له، ويدلنا على جيران له أكثر احتياجاً إليها".

كان التحدي الحقيقي هذه المرة حسبما تقول ندى هو "الخوف من انتقال العدوى إلى المتطوعين، أو إصابة المستفيدين من التبرعات إذا تجمعوا للحصول على المواد الغذائية. نحن لا نفضل أن يأتي إلينا المستفيدون، أشعر أن هذا يمسّ كرامتهم، بل نستحسن أن نذهب إليهم في منازلهم، ونقدم إليهم الحقائب وهم معززون مكرمون، خاصة كبار السن منهم. لقد مر الأمر بسلام هذه المرة، ونجحنا بإمكانياتنا المتواضعة للغاية، وبجهد المتطوعين أن نوزع 104 حقائب على أسر في عدة مناطق منها ترب اليهود، عزب النصر، البساتين، وسوف نذهب لمناطق أخرى قريباً".

"تحدّي الخير"

كان نجم كرة القدم بالنادي الأهلي المصري سعد سمير أطلق "تحدّي الخير" في 18 آذار الماضي، وتكفل خلاله برعاية 20 أسرة، وتحدى عدداً من نجوم كرة القدم أن يستطيعوا التكفل بأكبر عدد من الأسر لمدة شهر أو أثنين أو ثلاثة كل حسب مقدرته المالية.

وقفز عدد الأسر التي تكفل بها نجوم الرياضية والفن والشخصيات العامة في اليوم التالي إلى نحو 1000 أسرة، واستمر التحدي وتكفل المزيد من النجوم بآلاف الأسر المتضررة.

هذه الأجواء التي ركز عليها الإعلام، ومستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بثّت روحاً إيجابية على نطاق واسع في مصر، ودفعت أعداداً متزايدة من الشباب في ربوع الجمهورية إلى الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، والمشاركة في عبور الأزمة كل بطريقته وعلى قدر إمكانياته وموارده المتاحة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم