الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الواقع صعب والحقيقة أصعب... هل سيتقبّل المتعلّمون اللبنانيّون التّغييرات؟

ميشال الشمّاعي
الواقع صعب والحقيقة أصعب... هل سيتقبّل المتعلّمون اللبنانيّون التّغييرات؟
الواقع صعب والحقيقة أصعب... هل سيتقبّل المتعلّمون اللبنانيّون التّغييرات؟
A+ A-

إنّ أزمة كورونا التي يواجهها العالم اليوم، بالطبع لا تقتصر على لبنان فقط، وتداعياتها لا تنحصر في مجال واحد. وهنا خطورتها لأنّها تطال النظام العالمي في جوانبه كلّها. فلا بدّ أن تكون سبل المواجهة مشتركة في الموضوعات Themes ومختلفة بحسب أوضاع كلّ بلد.

ما يهمّنا تسليط الضّوء على المجال التّربوي لأنّه يطال البيوت اللّبنانيّة كلّها، فما من بيت إلا وفيه متعلّم ما في مجال ما. لذلك وجب البحث في مصير هذه الموضوعة Theme؛ ففي ظلّ تعدّد الاقتراحات تبقى وزارة التربية متمسّكة بإجراء الامتحانات الرّسميّة بفرعيها: المتوسّطة وشهادة الثانويّة العامّة، ولم تعلن إلى حينه انتهاء العام الدّراسي.

مقابل ذلك، تصرّ معظم الجامعات والمدارس والمعاهد الخاصّة على متابعة العام الدّراسي على قاعدة طريقة التّعليم من بعد، متغاضية بأنّ المناهج اللّبنانيّة لا تتواءم وهذه الطّريقة، فضلا عن أنّ معظم الأساتذة يفتقرون إلى التّدريب التقني لاكتساب مقوّمات هذه الطّريقة التي طرأت في مجال التّعليم. لذلك لجأت بعض المؤسسات إلى إرسال كتيّبات توجيهيّة لأساتذتها، لاستحالة إجراء دورة ميدانيّة في المؤسسة التّربويّة المعنيّة، وترك المعلّم في معركة بينه وبين قدراته التقنيّة في مجال التّكنولوجيا، ليكتشف ما تيسّر له من الأمور المتاحة عبر ولوج شبكة الانترنت.

واعتمدت بعض المؤسسات على تطبيقات وبرامج توفّرها شبكة الانترنت كتطبيقيّ Zoom و Teams وغيرها، لإجراء محاضرات مباشرة Live لمتعلّميها حيث حدثت بلبلة وفوضى عامرة ممّا اضطّر المعلّمين بأن يضعوا تلامذتهم على وضعية الصّامت للجميع Mute All ، ففقدت عمليّة التّعليم ميزتها التّشاركيّة بين المعلّم والمتعلّمين من جهة، وبين المتعلّمين أنفسهم من جهة أخرى. هذا من دون الحديث عن الرّقابة التي يمارسها المعلّم في صفّه، حيث يستطيع نتيجة لخبرته التّعليميّة إدراك مدى استيعاب المتعلّمين للمعلومات التي يقدّمها لهم في أثناء الشرح. وهذا ما جعل المتعلّم بحالة تفلّت مطلق من عمليّة الرّقابة، وتُرك للرّقابة الذاتية ليمارسها على نفسه بنفسه، وبالطّبع هنا تبرز القلّة القليلة المسؤولة التي تستطيع ذلك. هذا من دون الحديث عن غياب عمليّة التّقييم التي يجريها المعلّم باختبارات صفيّة تمّ استبدالها باختبارات online أيضًا.

وبالتوازي مع المؤسسات الخاصّة لم توفّر الدّولة اللّبنانيّة في القطاع الرّسمي أيّ جهد، فبذلته؛ حيث وظّفت الجهود مجتمعة من تلفزيون لبنان لشرح الحصص عبر تسجيلها مسبقًا، كذلك اختراع تطبيقات إلكترونيّة Applications و إنشاء Blogs يشترك فيها المتعلّمون عبر حسابات مجّانيّة في محاولة منها لتجاوز هذه الأزمة. لكنّ المشاكل التي واجهها المتعلّمون في القطاع الرّسمي أكبر، لأنّها ترتبط أكثر بالمستوى الاجتماعي الذي يتمتّع به معظم المتعلّمين في المدارس والمؤسسّات الرّسميّة، كعدم قدرة قسم كبير من الاشتراك بشبكة الانترنت، إمّا لأسباب ماديّة، وإمّا لأسباب اقتصاديّة إجتماعيّة بحتة. وأحيانًا لعدم تغطية هذه الخدمات من قبل الدّولة اللّبنانيّة، لا سيّما في المناطق النّائية. مع العلم أنّ بعض المؤسسات التّربويّة العامّة قد بذلت جهودًا مضاعفة اعتمدت على قدرات المعلّمين الذاتية فيها، فضلا عن التّعاون الذي أبدته إداراتهم معهم.

وتجدر الاشارة إلى أنّ الصعوبات عينها التي أشرنا إليها آنفًا، من النّاحية التربويّة، تواجه المعلّمين والمتعلّمين في القطاع العام أيضًا. ويضاف إلى هذه المسائل مجتمعة إشكاليّة طبيعة التّعاقد التعليمي، حيث يبلغ عدد المتعاقدين بالسّاعة مبلغًا مرتفعًا جدًّا في وزارة التربية والتّعليم العالي. ممّا أوجد إشكاليّة دفع بدل أتعاب هؤلاء الذين باتوا في بيوتهم بلا أيّ مصدر رزق، لأنّهم لا يتقاضون رواتب ثابتة من الدّولة اللّبنانيّة، بل أجرهم يتمّ دفعه بحسب عدد الساعات التي يعلّمونها تحت مسمّيات مختلفة.

أمام واقع الحال هذا، وتحت وطأة الأزمة الصحيّة التي على ما يبدو أنّها لن تنتهي قبل مطلع شهر آب المقبل، إلا إذا تمّ اكتشاف أي علاج أو دواء سريع لفيروس الكورونا؛ بات من المؤكّد أنّ المواعيد التي وضعتها وزارة التربية للامتحانات الرّسميّة قد فقدت صلاحيّتها، وصار من الضّروري الاعتراف بأنّ العام الدّراسي قد انتهى حيثما وصل إليه ليصار بعدها إلى بدء العام المقبل بمتابعة ما تيسّر متابعته من تقصير حصل في هذا العام؛ ليتمّ بعدها متابعة العام الجديد بانطلاقة متأخّرة بحسب موعد الانتهاء من تحصيل ما فات المتعلّمين من أمور تربويّة وأهداف وكفايات لم يتمكّنوا من تحقيقها في هذا العام.

الواقع صعب، والحقيقة أصعب، لكن وجب الاعتراف بها لنستطيع إيجاد الحلول الأنجع لهذه الأزمة وذلك للحفاظ على قيمة الشهادة الرسميّة اللبنانيّة ومصير العام الدّراسي المترنّح بين الأزمات الصحيّة والنقديّة والماليّة والاجتماعيّة. هذا بالطّبع في حال عدم حدوث أيّ أزمة سياسيّة جديدة. هل سيتقبّل المتعلّمون اللّبنانيّون نفسيًّا ومهنيًّا هذه التّغييرات؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم