الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

معاناة متصاعدة يرويها طلاب لبنانيون في فرنسا المأزومة بـ"كورونا"... وزير الخارجية وسفير لبنان يتحدثان لـ"النهار"

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
معاناة متصاعدة يرويها طلاب لبنانيون في فرنسا المأزومة بـ"كورونا"... وزير الخارجية وسفير لبنان يتحدثان لـ"النهار"
معاناة متصاعدة يرويها طلاب لبنانيون في فرنسا المأزومة بـ"كورونا"... وزير الخارجية وسفير لبنان يتحدثان لـ"النهار"
A+ A-
في فرنسا، يستفحل كورونا بشراسة لا تنبىء بانحسار قريب. خوف مشروع وربّما ضروري للوقاية، يهيمن على أبناء البلد والمقيمين بمن فيهم الطلاب اللبنانيون في فرنسا. هؤلاء الشابات والشبان قدّرتهم الأونيسكو بنحو 4265 لبنانياً يتابعون الدراسة في فرنسا بحلول عام 2019، مشكلين ربع الدياسبورا اللبنانية الطالبية في الخارج، وأوسعها، وفق الدراسة المنشورة في موقع Campus France، فضلًا عن أرقام إضافية مسجّلة في مؤسسات تعليمية مستقلة.

حالياً، تتصاعد أزمة كورونا من حجر إلزاميّ بدأ منذ 17 آذار الى "حالة طوارىء صحيّة" أقرّتها الجمعية العموميّة مساء السبت الماضي. تطوّر دراماتيكي أعلنه أمس وزير الصّحّة الفرنسي، أوليفيه فيران، بتسجيل 860 وفاة و19856 إصابة بكورونا. أمّا وزارة التّربية فصرّحت بأنّ المدارس لن تستأنف قبل 4 أيّار.


أمام أزمة حقيقية تطال شريحة واسعة من اللبنانيين، وإزاء المعطيات الحرجة الّتي رفعت صرخات الطلّاب، تابعت "النّهار" هذا الملفّ من خلال نقل الواقع الطالبي، ثم تواصلنا مع وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي، وسفير لبنان في فرنسا رامي عدوان، لتوضيح خطة الجهات اللبنانية المعنية بامتصاص الأزمة.

مساعدات فرنسية ولبنانية

ينقل علي فولادكار، الناشط في جمعية الجامعيين اللبنانيين في فرنسا AULF، أنّ التحديات الماليّة تتصدّر معاناة الطلّاب الذين يعتمدون على الشغل الطالبي في جامعات ومحال أقفلت، وأولئك الّذين يجرون تدريبات (ستاج) في مؤسسات ومختبرات جمّدت أعمالها، مضيفاً: "الأهالي لا يستطيعون تقديم الدعم المالي الكافي، بسبب تدهور قيمة الليرة اللبنانية وإقفال المصارف". لكنّه واقع لا يصطدم بأفق مسدود، إذ يكشف فولادكار بأنّ الطالب الواقع في أزمة مادية، بإمكانه اللجوء لقسم المساعدات الاجتماعية للمدينة الجامعية التابع لها "وطلب مساعدة فورية تراوح ما بين 300 الى 800 أورو، من خلال ملف دقيق يثبت حاجته، مع ضرورة تقديم كشف حساب مصرفي".

من ناحية أخرى، عكست المحنة تضامناً وتكافلاً بين أبناء الجالية "ثلاث عائلات أعرفها في ليون، تستقبل طلّاباً لبنانيين إلى مائدتها. وهناك مطاعم لبنانية وزّعت أطباقًا مجانية"، مشيراً الى أنه أمدّ الطلاب بأرقام وعناوين المطاعم في غرونوبل، ومبادرات مماثلة من أطباء ونشطاء في بوردو وباريس وغيرها. إنّما تلقّى اتصالاً يخبره بأنّ أحداً من الطلّاب توجّه لاستلام الطّعام، ليستنتج علي "ربّما لأنهم خائفون من التّنقّل".

تفادي العدوى والغرامة

هذا الخوف، تؤكده ناتاشا الخطيب (23 سنة)، طالبة الدكتوراه في باريس "شعرنا بجدية الأزمة، بفعل ظهور الرئيس ماكرون المكثف على الاعلام قبل إعلانه للحجر. كنت أتابع ورشة عمل في ألمانيا ونجحت بالتسريب إلى باريس قبل ساعات من إقفال الحدود البرية ". وتضيف "نعيش الغربة مرّتين. غربة عن لبنان وغربة داخل الغربة. لكنّه تدبير ضروريّ أفضّل اللجوء اليه على التقاط الفيروس". تخرج ناتاشا من مسكنها للتبضع مرة واحدة أسبوعياً، لتخفف احتمالات الاصابة وتتلافى الغرامة "يتعيّن علينا التنقل لأسباب محددة، وإبراز إفادة تحمل توقيعنا لتوضيح سبب التنقل. الأمن منتشر في كلّ الشوارع والمحطات وغرامة المخالفة كبيرة".

هذه الإفادة، فرضتها الداخلية الفرنسية ويجري تحميلها أونلاين أو كتابتها باليد. وفي حال غيابها، يغرّم المخالف بمبلغ 135 أورو، يرتفع الى 1500 أورو في المخالفة الثانية.

مشاكل التموين وبطاقات الائتمان

تمضي ناتاشا أوقاتها في القراءة وإرسال التقارير، كأنّها ضمن دوام عمل، لذلك لم تتأثر مالياً لأن معاشها الشهري مستمر. لكنها لاحظت أنّ الرفاق الذين يعتمدون على أهاليهم، يختنقون مالياً خلال شراء حاجياتهم، لأن البنوك اللبنانية حدّدت سقف بطاقة الائتمان بما يعادل 50 أورو أسبوعياً فقط. هذه العقبة، عبّرت عنها ريم دياب (22 سنة)، طالبة ماستر في غرونوبل، الّتي ساندها عمها من ألمانيا بعدما تضاءلت قيمة الأموال التي يرسلها أهلها من لبنان.

ويتحدث طوني أبو عيسى (22 سنة)، طالب ماستر في كليرمون، عن هذه الأعباء قائلاً: "مصروفنا الشهري هنا يعادل 750 أورو، وأهلنا باتوا غير قادرين على الصرف كما في السابق". كورونا أزمت الأحوال "اضطررت للانتقال الى بولوني بيلانكور لأقيم لدى أولاد عمي، لأن مدينتي موبوءة. السوبرماركات أفرغت والنقل العام توقف".

إلغاءات طيران فجائية

طلاب لا يريدون أن يعيشوا كورونا بمفردهم، وسواء سعوا للعودة الى أحضان الأهل أو بقيت هذه الرّغبة قيد الأمنيات، جميعهم أكّدوا عبر "النهار" بأنّهم كانوا سيلتزمون الحجر الصّحي قبل الاختلاط بأهاليهم في لبنان. هذا الالتزام عبّر عنه علي نصرالله برسالة يطلقها لجميع اللبنانيين قائلاً: "كرمال أهل البيت... خليك بالبيت"، بينما تتمنّى ناتاشا الخطيب بأن تتشدّد السلطات اللبنانية في رقابتها وتطويق حالة الحجر بيد من حديد، حرصاً على سلامة اللبنانيين. ويؤكّد الطالب ي.س.، المقيم حالياً في نانسي، بأنّه كان سيلتزم الحجر لو أتيحت له العودة الى لبنان: "لقد توقّف تدريبي (الستاج) وبالتالي معاشي. أنا أقضي في فرنسا وقتاً ميّتاً".

"في المحصلة، نحن نعيش غربة ونريد أن ننضم الى أهلنا في هذه المحنة"، تضيف ريم دياب التي حاولت السفر الى لبنان على متن الطائرة التركية قبل إغلاق المطار بساعات "لكن الرحلة ألغيت والحدود الجوية والبرية أغلقت". تجربة مماثلة توالدت معاناتها مع الطالب ي.س.، الّذي قرر السفر عبر طيران "بيغاسوس" قبل إعلان الحجر بيوم، بحيث من المفترض أن تسلك الرحلات مجراها الطبيعي، ولكن " قبل ساعة من الاقلاع، أصدر الرئيس أردوغان قراراً بمنع كل الوافدين من فرنسا من التوقف في اسطنبول"، فعاد أدراجه من بوابة الطائرة. الطالب لم يستسلم، فاستقلّ سيّارة الى مطار ديغول ليعود الى لبنان على متن الميدل إيست، من خلال حجز مباشر، لكن سعر تذكرة الطيران كان صادماً، يقول "ارتفع السعر حرفياً الى 2057 أورو. من المؤسف أن ترفع "ميدل إيست" سعر التذاكر. ألا يتعيّن عليها أن تتضامن مع أبناء وطنها؟"، معتبراً بأنّ السّفارة اللبنانيّة لم تبادر بالمساعدة.

على المقلب الآخر، يشير الطّالب طوني أبو عيسى بأنّ السّفارة اللّبنانيّة في فرنسا تواصلت مع المعنيين في أمستردام، لاستقبال طيارة ستتابع رحلتها الى لبنان، لكن مساعيها لم تثمر "كانت رحلتنا مقرّرة عند الساعة 8:10 صباحاً في 18 آذار، اليوم الأخير المفتوح للطيران في فرنسا، لكن شركة الطيران ألغيت قبل ساعة من الرحلة". وتابع "دوّنت السفارة بيانات خاصّة بي وبثمانية مسافرين رافقوني، لتتواصل معنا حين تتأمن رحلة جوية الى لبنان".

الوزير ناصيف حتّي ..."واقع طبي"

وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي، ففي اتّصال مع "النّهار"، يبرز بأنّ هذه القضيّة تحتكم لواقع طبيّ دقيق وليس لـ"رأي سياسي"، مضيفاً: "مسؤوليتنا تقضي بألّا نرحّل اللبنانيين ما لم تثبت سلامتهم من الإصابة، تلافياً لنقل العدوى". ولكنه معيار غير قابل للتحقيق، أقله في المدى المنظور، لأنّ المنظومة الطبية الفرنسية مستنزفة، ولا تجري هذه الفحوص سوى للإصابات الواضحة. في السياق، توقف حتّي عند تجربة الطّيارة الّتي أمنتها الخارجية لـ"انتشال" اللبنانيين من مأساة الوباء في إيطاليا، قبل نحو عشرة أيّام، لكن السلطات الايطالية منعت ترحيلهم لأنّ الفحوص غير مؤمّنة.

وعن تحرّك وزارة الخارجية الراهن، يقول إنّه يستمرّ بالتنسيق اليومي مع السفارات في مختلف البلدان، فرنسا ضمناً، حيث ترجمت الخارجية خطتها ضمن أولويتين: الأولى طبية، من خلال "تأمين الفحص ليتمكّن الراغبون من السفر"، والثانية ماليّة، من خلال "رفع سقف سحب الأموال من بطاقات الائتمان المصرفية"، معتبراً بأنّه إجراء جوهري من شأنه تخفيف وطأة الأزمة على اللبنانيين في الخارج، سيضغط لتفعيله مع عدة وزراء في جلسة المجلس المنعقدة اليوم.

السفير رامي عدوان: ترحيل مرتقب؟

"الطّلّاب ليسوا متروكين في عين العاصفة"، لسان حال السفير اللبناني في فرنسا، رامي عدوان، الّذي أكّد بأنّ السّفارة دعت في الأيّام الأربعة الّتي سبقت الحجر، ليسارع الراغبون بالعودة الى لبنان، واهتمّت بتنظيم عودتهم "من خلال إعلانات لم نوفّر لها وسيلة على الصفحات الرسمية، وفي الاعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، والتلفزيونات، ليعود اللبنانيون قبل فوات الأوان".

ويتابع "إلى جانب إقفال مطارات فرنسا، أعلنت الحكومة اللبنانية عن تعطيل الطيران المدني أسبوعاً كاملاً، ثم امتدّ لغاية 29 آذار. خلال هذه المهلة، ندأب على تسجيل بيانات الراغبين بالعودة"، وذلك من خلال خط ساخن بتصرف اللبنانيين أنشأته "خلية أزمة" تضمنت الى جانب السفارة اللبنانية، القنصلية العامة في مرسيليا، ومراجع رسمية فرنسية. ويشدّد السّفير على أنّ هذه الآلية هي وحدها الّتي تتيح للّبنانيين تسهيل السفر لاحقًا "أدعو الطلاب ألّا يلجأوا الى وسطاء أو منظمات غير رسمية، بل أرجو أن يسجلوا اسمهم فقط عبر السفارة من خلال خطوطنا الساخنة المنتشرة في كل صفحاتنا والمؤسسات الطلابية".

ويضيف السفير عدوان، بأنّ نحو 200 لبناني فقط سجّلوا أسماءهم لدى السّفارة، ممّا لا يشي بإلحاحيّة أو اندفاع كبير للبنانيين بالعودة الى وطنهم. هذا الإقبال الخفيف، لمسه السفير من خلال آخر طائرة أقلّت اللّبنانيين من بروكسل، إذ يروي "تواصلت مع خطوط "ميدل إيست" التي أكدت بأنّها استبدلت طائرة 244 راكباً بطائرة تقلّ 300 راكباً، استباقاً لتزاحم المسافرين. المفاجأة أن الطائرة لم تقلّ أكثر من 150 مسافراً". لكن المعطى قد يخضع لخلفية تحليق أسعار التذاكر في الساعات الأخيرة، مثلما وردنا سابقًا.

وحول العودة الى لبنان، يكشف عدوان عن إمكان إطلاق رحلة أو رحلتين استثنائيتين، على غرار مبادرة وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، حيال مواطنين فرنسيين علقوا في الرباط، فتمت برمجة رحلة استثنائية بين البلدين. ويستطرد "الحالة الصّحية في لبنان، أفضل نسبياً ممّا هي عليه في فرنسا، لذلك لا توجد مساعٍ حالياً لدى الفرنسيين للعودة الى بلادهم"، وبالتالي تبقى لهذا الخيار احتمالية غير مؤكدة.

وخلال هذه المرحلة العصيبة، يتحدث السفير اللبناني عن سعيه لتجنيبهم أعباء التنقل والمصاريف "أجبر السكن الجامعي قاطنيه على المغادرة، لكنني تواصلت مع إدارة الكروس المركزية (CNOUS)، وفروعها (CROUS) لتجنيب طلابنا وكل الطلاب المقيمين، التشريد إن لم يجدوا سكناً بديلأ، فوافقت". وكذلك تفاوض السفير مع هذه الادارات لتخفيض رسوم الإيجارات الشهرية. وفي آخر التطورات، أعفت الـ CNOUS الطلاب من الرسوم إذا أعلموا الادارة بأن تركهم موقت وسيعودون الى سكنهم عند انتهاء الحجر. ويستمر السفير رامي عدوان بتجنيد مساعيه مع هيئات الخدمة الوطنية والجالية اللبنانية الناشطة لدعم الطلاب.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم