الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"أنا"؟!

جورج موسى
جورج موسى
A+ A-

أشياء كثيرة تترك ندوباً في الروح، توجع أكثر من جراح الجسد، ويستحيل على السنوات أن تمحوها. بعضهم يتحدّث عن ندوب الطفولة التي يصعب الشفاء منها. بعضهم الآخر يشدد على جراح الحروب حيث تسيل دماء كثيرة وتكون الخسارات أعظم من أي انتصار أو فوز. بعضهم يشير إلى الخطايا السبع، إلى الحسد والشراهة والجشع... ليس من منطلق ديني فحسب، إنما لقدرتها على دفعك نحو الهاوية حيث تتآكلك أمراض نفسية عدة. وسط كل ذلك، يجد آخرون أن أكثر الأمور إيلاماً هي تلك المتعلّقة بعدم قدرتك على محبة نفسك بما يكفي. نعم، بعض من الأنانية ضروري، والأمر هنا لا يحمل مبالغات. ذلك أنك حين لا تقدّر "الأنا" كفاية، فأنت تسمح للآخرين بقتلها، باليوم القصير... مئة مرة. ولا شيء يوازي وجع ذاك الإنتحار البطيء.


* * *
ترى، كيف يمكن أن تُفهم الآخرين أن صمتك أحياناً ليس ضعفاً؟ حين تتخذ قراراً بعدم الرد عليهم، لماذا تعود وتهتم إذاً بتحليلاتهم؟ يصعب – إذا لم نقل يستحيل – ألا تكترث بتاتاً لآراء الآخرين ومواقفهم. صحيح أنك ستفاجأ أحياناً بقدرتك على التعالي عليها، وبموهبتك في الضحك على ما قد يريدون إستفزازك به... لكنّك في النهاية، حتى وأنتَ تضحك، تجد نفسك تموت غيظاً لمعرفة ما يتفوّهون به. قد يقتلك الغيظ... ولكن إيّاك أن تتوقف - حتى ولو ظاهرياً فقط - عن الضحك!
* * *
في وطني أصدقاء كثر يهاجرون. المسألة منذ سنوات قليلة أصبحت أشبه بعرف اجتماعي لدى معظم العائلات اللبنانية. هكذا إذاً، أصبحت الهجرة قدراً محتّماً. في لبنان، نتزوج، ننجب أطفالاً، نتحالف مع القدر ليساعدنا في تربيتهم. يكبرون، يتعلمون، يتخرّجون من الجامعة، يتزوجون أو لا يتزوجون... ويرحلون.
منذ سنوات طويلة، والمسألة تنهكني. لم أتصالح يوماً مع الهجرة، رغم أن معظم أصدقائي وأقاربي وحتى زملاء العمل، أصبحوا خارجاً. نصف ذاكرتي تقريباً هاجرت. ومع ذلك، لم أتصالح يوماً مع الهجرة. كنا نتحدث قبل قليل عن الحسد. كثر في لبنان يحسدون من "نفد بريشه" و"هجّ"... كذلك، كثر في الخارج يحسدون مواطنيهم على صبرهم وقدرتهم على التكيّف مع كل هذه العبثية والجنون... يا الله، كم نحن بحاجة إلى وطن يحتوينا ويحمل همّنا، عوض ان نحتويه نحن ونحمل همّه، في الداخل كنّا أو خارجاً!
* * *
وسط هذه الأيام الباهتة، أبحثُ عن ضوء... عن بقعة ضوء... عن أمل – ولو كان وهمياً - يدفع بي للإستمرار... عن حلم - حتى ولو استعرته من شخص آخر- بعدما نضبت الطاقة وجفّت الذاكرة...
قلتها سابقاً. الكتابة أحياناً فعل ذاتي، يساعدنا في التخلّص من الجراح، وفي البحث عن أشياء ضائعة... أحتاج إلى حلم، فمن يعيرني حلمه؟
* * *
نسهب في انتقاد المجتمع الذكوري، وننسى أن نصف هذا المجتمع نساء. ووسط كل السجال الدائر اليوم بين أولئك الذين ينادون بسن القوانين الرادعة أولاً، وبين من يقولون إن وضع المرأة لن يتغيّر إلا إذا اشتغلنا على العقلية قبل أي شيء آخر... يطرح سؤال أساسي يتعلق بالمرأة نفسها. هل تكون معركتها المقبلة مع أختها وأمها وصديقتها وابنتها؟ هل عليها أن تلقنهن دروساً أعمق عن ضعف الرجل أمام قوتهن؟ هل عليها أن تعرف كيف تفعل حين يقولون لها ممنوع أن تفعل؟ وهل عليها أن تؤمن أكثر بقدراتها حين يقولون لها إنها غير قادرة؟ هل عليها أن تركّز على نفسها وتنسى الرجل لأنه حكماً سيخضع يوم يراها أقوى، ومعها كل نساء الأرض... والقانون!


[email protected]
Twitter: @moussa_georges

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم