السبت - 18 أيار 2024

إعلان

كورونا والمساواة

عبير شبارو
كورونا والمساواة
كورونا والمساواة
A+ A-

إنّ تأثير فيروس كورونا سيزيد من عدم المساواة، ولكن علينا أن نأخذ في الاعتبار أيضًا أن عدم المساواة سيؤدّي إلى تفاقم انتشاره.

صنّفت منظمة الصحة العالمية مؤخراً فيروس كورونا سريع الانتشار بأنه جائحة. يكافح الآلاف من الناس من أجل حياتهم في المستشفيات، ويكافح الملايين انتشار الفيروس من خلال متابعة توجيهات منظمة الصحة العالمية التي اعتمدتها معظم حكومات البلدان المصابة وتتكوّن بشكل رئيسي من إجراءات الحجر والعزل الذاتي والنظافة الصحية.

على الرغم من تعبئة مختلف القطاعات الصحية في لبنان، تركز خطة الطوارئ على الاستجابة لمشكلة الرعاية الصحية "الفورية"، وهي لم تتضمن أي استجابة للتداعيات الاقتصادية ولا للتداعيات الاجتماعية للأزمة، خاصة بالنسبة لأكثر الفئات ضعفاً ومن بينها النساء اللاتي يتأثرن بشكل غير متناسب في الأزمات وحالات الطوارئ.

يسلّط الفهم الجندري لكورونا الضوء على مستويات عدم المساواة المتعددة والمترابطة التي تشكل قابلية التأثر بالعدوى والتأثير الشخصي والاجتماعي والاقتصادي للأزمة. ونتيجة لذلك، ينبغي النظر إلى النوع الاجتماعي باعتباره قضية شاملة لها آثارها على جميع جوانب الوباء.

الصحّة المهنيّة

تشكّل العاملات في مجال الرعاية الصحية ما يصل إلى ٧٥ ـ ٨٠٪ على مستوى العالم. وفقًا لأحدث الإحصائيات الصادرة عن نقابة الممرضين في لبنان لعام ٢٠١٩، فإن ٧٩،٥٢٪ هن من الإناث مقابل ٢٠،٤٨٪ من الذكور، وبالتالي فإن الإناث وُضعن في الخطوط الأمامية لرعاية المرضى وبالتالي أصبحن اكثر عرضة لخطر المرض، وقد يتعدى الخطر مجرد حوادث العدوى المتعلقة بالعمل إلى تعريض أسرهن أيضًا لخطر أعلى للإصابة خاصة إذا كن يتولين رعاية الرضع أو كبار السن أو المرضى. ويمكن أن يرتفع خطر الإصابة بالعدوى إلى الموت. وتحمل هذه المخاطر المهنية تكلفة اقتصادية واجتماعية كبيرة معها أيضًا، فيمكن أن تتسبب مثل هذه الحوادث في الإضرار بموارد وكفاءة قطاع الصحة العامة، كما أن الطاقم الطبي أو المسعف الذي يصاب بالعدوى قد يواجه تنمراً وتمييزاً وعزلة اجتماعية قد تتجاوزها إلى حدوث حالات طلاق وحرمان من الأطفال.

يحتاج صانعو السياسات إلى أخذ هذه العوامل في الاعتبار إذا كانوا يريدون الوصول إلى الأشخاص الأكثر عرضة لخطر العدوى والأكثر احتياجًا إلى الرعاية. كما ينبغي عليهم النظر في التخفيف من الآثار الاجتماعية التي يعاني منها أفراد أسر العاملات في مجال الرعاية الصحية بسبب انفصالهن عن أسرهن واستنفاد ساعات العمل الطويلة.

الوضع الاقتصادي

تتصاعد حدّة الهشاشة الاقتصادية للنساء من خلال عدم المساواة في مجال العمل، في كل من القطاعين المهيكل أو الرسمي وغير المهيكل أي غير الرسمي. تعمل غالبية النساء في القطاع غير الرسمي الذي يفتقر إلى الحماية القانونية والتقديمات الاجتماعية والصحية ويزيد ذلك من تعرض النساء للفقر وبالتالي للعدوى. في القطاع الرسمي، تعمل غالبية النساء بدوام جزئي ما يضعهن خارج معظم أشكال الحماية القانونية، إذ يتم استثناؤهن من تغطية صندوق الضمان الاجتماعي والآليات الضامنة الأخرى ويعزز أوضاعهن الهشّة.

وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والصحية، تضطر العديد من النساء إلى تحويل مواردهن الضئيلة ومدخراتهن في كثير من الأحيان إلى توفير العلاج والرعاية، خاصة في الحالات التي يفتقر فيها الأشخاص المصابون بشكل خفيف إلى الوصول إلى العلاج والرعاية الأولية بشكل عام.

ومن بين الآثار الناشئة الأخرى زيادة عبء أعمال الرعاية التقليدية التي تقوم بها النساء في غياب توازن في توزيع المهام المنزلية والرعائية ما يستنفد قواهن الجسدية، إذ قدّرت دراسة لمنظمة العمل الدولية أن النساء في الدول العربية يقضين في المتوسط 329 دقيقة في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر و36 دقيقة في العمل بأجر، بينما يقضي الرجال 70 دقيقة و222 دقيقة على التوالي وذلك قبل أزمة الكورونا.

ومع الإغلاق الجماعي للمدارس والجامعات قدّرت الاونيسكو أن يتحول 1،132،178 متعلمًا مسجلين في التعليم قبل الابتدائي إلى التعليم الثانوي العالي و 231،215 متعلمًا مسجلين في برامج التعليم العالي في لبنان، إلى التعليم المنزلي، ما يضيف عبء جديداً على النساء اللواتي سيقمن بتعليم أطفالهن ورعاية أفراد الأسرة إضافة إلى إنجاز عملهن الرسمي عبر الإنترنت وضمان حالة من الهدوء للمعيل الأول و"ربّ الأسرة" لإنجاز أعماله أيضًا. إن هذه التراكمات تهدد قدرة النساء على الانخراط في الأنشطة الاقتصادية الرسمية، وتفقدهن أجورهن ومكتسباتهن، الأمر الذي سيوسع الفجوة بين الجنسين والتي هي كبيرة أصلاً إذ إن لبنان قد صُنِّف في المرتبة 145 من أصل 153 دولة في تقرير الفجوة 2020 الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي.

العنف ضد المرأة

"إن انعدام الأمن المالي الذي غالباً ما يمنع ضحايا العنف المنزلي من مغادرة المعتدين يمكن أن يزداد سوءاً في أعقاب الأزمة"، يلفت المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين، إذ إن "الإساءة تتعلق بالسلطة والتحكم. عندما يضطر الناجون إلى البقاء في المنزل أو على مقربة من المعتدي عليهم بشكل متكرر، يمكن للمسيء استخدام أي أداة لممارسة السيطرة على ضحيته، بما في ذلك مخاوف صحية وطنية مثل الكورونا"، يلاحظ المركز الأميركي للأمراض.

كما أنه من المتوقع أيضاً أن يزيد التوتر الشديد المتمثل في الإغلاق والانخفاض في الموارد والضغوط النفسية من وتيرة العنف ضد النساء كما تشير التقارير الأولية من الصين والدراسات السابقة عن نتائج أوقات الأزمات.

وتصبح عاملات المنازل ضحايا بشكل أكبر للعنف. فهن لا يواجهن فقط عواقب الأزمة من حظر السفر الذي يحد من قدراتهن المالية وفرصهن الاقتصادية لدعم أسرهن، بل وتمتد العواقب إلى قدرتهن على الاطلاع والتمكين والتعلم الكافين للتعامل مع انتشار المرض وحماية أنفسهن.

كما تواجه اللاجئات أيضاً ظروفاً قاسية وعنفاً متزايداً مع أعباء إضافية للرعاية التي يجب توفيرها في ظل ظروف سكنية غير مناسبة تفتقر إلى التدفئة والمياه النظيفة. وطالب مجلس الوزراء المنظمات الدولية بتحمل مسؤولياتها من حيث رعاية النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين لتوفير الرعاية الصحية اللازمة والخدمات الاستباقية لهم في ما يتعلق بـ "كورونا" ولكن مع نقص الأموال المخصصة للخطة اللبنانية للاستجابة للأزمة السورية ولتمويل عمل الأونروا تبقى التوعية بطريقة فعالة على طرق الوقاية من المرض والحد منه والعناية به أمراً أساسياً لتجنب انتشار كورونا في المخيمات وتفاقم الازمة.

الصحّة الإنجابيّة

تشير المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان إلى ضرورة الاسترشاد بالحقائق والمعلومات القوية والتضامن لمكافحة الوصم والتمييز، وضمان حصول الناس على المعلومات والخدمات التي يحتاجون إليها، وخاصة النساء الحوامل والمرضعات. إذ تعد الصحة الجنسية والإنجابية مشكلة صحية عامة كبيرة أثناء الأوبئة، ويعتمد الحمل الآمن والولادة على النظم الصحية العاملة والالتزام الصارم باحتياطات تجنب العدوى، وقد شكلت وزارة الصحة لجنة لهذه الغاية.

وإذ لا يوجد دليل علمي حول زيادة قابلية النساء الحوامل للإصابة بـفيروس كورونا، كما لم تسجل حالات انتقال للفيروس من الأمّ إلى المواليد الجدد في دراسة لـ9 حالات نشرتها المجلة الطبية The lancet، أوصت منظمة اليونيسيف بمواصلة الأمهات الرضاعة الطبيعية مع تطبيق جميع الاحتياطات اللازمة من نظافة وحماية وتعقيم، بعد النظر بفوائد الرضاعة الطبيعية مقارنة باحتمال نقل حليب الأم لفيروسات الجهاز التنفسي الأخرى.

خطة عمل لبنان للاستجابة لأزمة كورونا

ركّزت خطة عمل لبنان للاستجابة لأزمة كورونا على الأهداف والغايات والمؤشرات الصحية، ولم تتبنَّ "أجندة التنمية التحويلية القائمة على تأمين حقوق الإنسان للجميع" على النحو الذي تتطلبه معايير الأمم المتحدة، وتنطوي على مجموعة من حقوق الإنسان بما في ذلك الحقوق في الضمان الاجتماعي والسكن والرعاية الصحية والتعليم على النحو المنصوص عليه في العهد الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

من أجل تحسين استجابتنا الوطنية وتجنباً "لمفاجآت الطوارئ" في المستقبل، يجب على الدولة اللبنانية أن تعتمد على توصية الفريق الرفيع المستوى المعني بالاستجابة العالمية للأزمات الصحية وعلى توصيات الأمم المتحدة للمرأة في ما يتعلق بالتأهب وجهود الاستجابة لمراعاة ومعالجة أدوار الجنسين والمسؤوليات والديناميكيات خلال تفشي كورونا.

• يجب إشراك خبراء الشؤون الجنسانية في جميع مستويات التخطيط والعمليات لضمان فعالية الاستجابة ومدى ملاءمتها لحاجات النساء، واتخاذ تدابير لاحتواء والتخفيف من العبء المتفاقم لأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، وتسليط الضوء على مخاطر العنف ضد النساء والاستجابة له، وتخفيف الأثر الاقتصادي والتمكين على التعافي وبناء الصمود في وجه الأزمات المستقبلية.

• من أجل معالجة انتشار العدوى، يجب تمكين كافة النساء اللواتي يلعبن دورًا رئيسيًا كقنوات للمعلومات في مجتمعاتهن من الحصول على المعلومات، ويجب تثقيفهن حول كيفية منع الوباء والاستجابة له بطرق وبلغة مبسطة.

• ينبغي إعطاء الأولوية للحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك الرعاية الصحية قبل الولادة وبعدها في التدابير المتخذة لتخفيف العبء على هياكل الرعاية الصحية.

• توفير خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي للأفراد والأسر والمجتمعات والعاملين الصحيين المتضررين كجزء من الاستجابة، والإعلان عن كيفية الولوج إلى هذه الخدمات.

• توفير دعم للناجيات من العنف بما في ذلك الصحة النفسية والحماية من خلال التذكير بخطوط الاستماع ومراكز الأمان والخط الساخن 1745 المخصص لإبلاغ قوى الأمن الداخلي عن العنف ضد النساء، والإعلان عن إمكانية التقدم بشكوى قضائية في المخافر أو لدى قضاء العجلة لاستصدار أمر حماية استناداً إلى بيان وزيرة العدل ومجلس القضاء الأعلى الذي حددا فيه آلية تنظيم العمل في المحاكم والدوائر القضائية و"استمرار المراجع القضائية المدنية المختصة في اتخاذ التدابير المستعجلة حيث تدعو الحاجة".

• يبقى المجتمع المدني العمود الفقري للبنان في كافة الأزمات. من أجل تبادل الموارد والخبرة، وجعل أوضاع النساء أكثر مرونة للمساعدة في الانتقال من حالة الأزمات إلى الانتعاش، ينبغي دعم تشكيل شبكات التضامن بين المجموعات النسوية والحقوقية والمنظمات غير الحكومية والآليات النسائية الحكومية.

• أخيراً، يجب الاستفادة من جمع البيانات المصنفة حسب نوع الجنس المتعلقة بالمرض من أجل فهم الاختلافات بين الجنسين عند تصميم التدابير الوقائية والتدخلات المطلوبة للاستجابة.

إن الفقر المتزايد، وانخفاض الإنتاجية، وما يترتب على ذلك من تدهور في الأمن الغذائي الوطني، وتدهور الظروف المعيشية، وعدم الاستقرار الاجتماعي، كلها عوامل تهدد التنمية الوطنية والاستقرار السياسي، وتهدد سلامة وأمن الأمة بأسرها.

وإذا أردنا التعلم من تجارب دولية سابقة في موضوع تفشي الأمراض المعدية كإيبولا وزيكا، نجد أن ترك التفاوتات الهيكلية بين الجنسين خارج الاستجابة للأزمة قد زاد من تفاقم هذه التفاوتات. لذلك علينا العمل من أجل تحليل سياقي لحقوق الإنسان يأخذ بعين الاعتبار الجنس كمحدد اجتماعي واقتصادي للصحة. على الحكومات أن تتذكر أن جائحة الكورونا هي قضية جنسانية وقضية إنصاف - وهي تتطلب اهتمامًا واستجابة مكرسين للنساء، من أجل حمايتنا جميعًا.

فعندما شعرت النساء اللبنانيات بالخطر، انخرطن في مواجهة المرض باستخدام كل مواردهن المتاحة بسخاء وكن هناك في الخطوط الأمامية الطبية، وبادرنا إلى التعاضد وإطلاق المبادرات الإنسانية، وخطن وصنعن أقنعة وبزّات واقية، ودعمن التعليم والرعاية. لقد حان الوقت لوقف تهميشهن!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم