الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كليرمون فيران في دورته الـ42: مهرجان ما بعد "الثورة"

المصدر: "النهار"
هوفيك حبشيان
كليرمون فيران في دورته الـ42: مهرجان ما بعد "الثورة"
كليرمون فيران في دورته الـ42: مهرجان ما بعد "الثورة"
A+ A-

"١٦٥ ألف مُشاهد و١١ ميلوناً إيرادات للمدينة"، هذه الجملة كررها مدير مهرجان كليرمون فيران جان كلود سوريل غير مرة، تشديداً وتذكيراً واصراراً. الرجل الملتزم عقائدياً الذي لطالما طرح قضايا كبيرة من على المنابر، لم يجد سوى الأرقام للتباهي في حفل افتتاح الدورة الثانية والأربعين من التظاهرة الفرنسية (٣١/١ - ٢/٨) التي استمرت تسعة أيام في ما يعتبره كثر حول العالم الاحتفالية الأضخم المهداة إلى الفيلم القصير في القارات الخمس.

التباهي بما يصنعه المهرجان سواء فنياً أو اقتصادياً، دورةً بعد دورة، للسينما أولاً وللمدينة ثانياً، في أزمنة صعبة كهذه التي تمر بها أوروبا، بدا الشغل الشاغل لسوريل وخطابه، قبل أن يعلن أبواب الحفل السنوي مشرّعة أمام كلّ مستجد ومثير يأتي من كلّ أصقاع الأرض. فمهما كانت الأوضاع متردية، ومأسوية، في هذا الجانب من العالم، ثمة حد أدنى من الاهتمام بالفنّ والثقافة ينبغي التزامه، ذلك ان الحياة عليها ان تستمر. لم يلقِ سوريل كلمة مشبّعة بالمواقف السياسية والنضالية كما عوّدنا دائماً، هذا النهج الذي تكرّس منذ أن تأسس المهرجان في اطار جامعي، قبل ان يصبح المرجع الأول للفيلم للقصير في العالم أجمع.

العام الماضي، أي في ٢٠١٩، شهدت مدينة كليرمون فيران خروج أعداد كبيرة من "السترات الصفر" إلى الشوارع، ضمن تظاهرات سلمية غلب عليها الطابع الاستعراضي، بلا أي عنف. اقتصرت على هتافات مناهضة للرئيس إيمانويل ماكرون وأغاني راب تحاول النيل من هيبته. أما، هذا العام، فعلى الأقل في حدود ما رأيناه بأعيننا، بدت الأمور هادئة بعض الشيء، بعد مرور سنة وبضعة أشهر على بدء الاحتجاجات التي عاشتها فرنسا واستهدفت سياسات ماكرون ونظام التقاعد أخيراً. كلّ هذا تراجع قياساً بالأشهر الماضية، وصولاً إلى النبرة الحماسية التي كانت تتجلى عادةً في الخطاب الرسمي للمهرجان على لسان سوريل. لكن، هناك دائماً مَن يصر على المطالبة بالمزيد من الحقوق.

كالعادة، أقيم افتتاحان، لاستيعاب عدد المشاهدين من الأعمار كافة الذين زحفوا إلى الصالات بهدف الاحتفاء بالفيلم القصير وآخر صيحاته وانجازاته واقتراحاته البصرية. في الافتتاح الأول، يوجد دائماً كلام أكثر (تقديم لأعضاء لجان التحكيم المختلفة، فعرض مفصّل لمحتوى الدورة)، في حين ينطوي الافتتاح الثاني على عرض عدد أكبر من الأفلام القصيرة.

المسابقة الدولية موزّعة على ١٤ حصّة أو برنامجاً، كما يسمّيها كاتالوغ المهرجان. واذا أضفنا اليها المسابقتين الباقيتين ("لابو" و"المسابقة الوطنية")، فنحصل على ١٦٣ فيلماً. أفلام من كلّ أنحاء العالم تتسابق على الجوائز. أفلام تعكس اتجاهات عدة، أنماط تفكير مختلفة، مقاربات متضاربة للسينما.

الافتتاح دائماً ممتع في كليرمون، قدّمه هذا العام بيار زيني بخفة دمه المعروفة. الأمر الذي يشي انه لا يزال هناك مكان لبعض الدعابة وبعض الثقافة وبعض الابهار في حفل مخصص للسينما. ثمة انطباع يعرفه جيداً مَن يشارك في كليرمون وهو أن أحداً لا يقبض نفسه على محمل الجد وإن يكن الجميع يعمل بجدية خالصة، تماهياً مع المقولة الفرنسية الشهيرة "علينا ان نتحلّى بالجدية من دون أن نقبض أنفسنا على محمل الجد". في الافتتاح، الذي قفز بنا بلا توقف من عرض فيلم إلى مقابلة، شاهدنا أفلاماً قصيرة كان أنجزها قبل سنوات المشاركون بصفتهم أعضاء لجان تحكيم في المسابقات المختلفة (المسابقة الدولية، لابو، المسابقة الوطنية للأفلام الفرنسية). للمخرج السنغالي آلان غوميز، العضو في المسابقة الدولية الذي كان فاز بجائزة الدبّ الفضّي في مهرجان برلين عن "فيليسيتيه"، عُرِض "ضوء صغير" الذي يدور على فاطمة، الفتاة البالغة من العمر ثماني سنوات، لحظة وعيها على العالم الذي يلفّها. فيلم مشغول بإمكانات بسيطة، يلقي بنا في شوارع داكار، حيث البراءة تمتزح بالقسوة. غوميز تذكّر خلال المقابلة التي أُجرِيت معه يوم جاء إلى كليرمون بهذا الفيلم في العام ٢٠٠٢. مازح قائلاً: "احتفظ بذكرى سيئة عن تلك المشاركة". لزميله في اللجنة نفسها، الإيرلندي كن وادروب المتخصص بأفلام تجري فصولها في الريف، عُرِض "القطيع" (٢٠٠٨): صاحب مزرعة للمواشي وأمّه (شقيق المخرج وأمّه) يتحدّثان أمام كاميراه لأربع دقائق عن ضم حيوان جديد إلى قطيع الأبقار. يقول وادروب ان المسار الذي أخده طبيعي، كونه يتحدّر من عائلة طويلة من الفلاحين ورعاة الأغنام.

لعضو لجنة تحكيم "لابو" (مختبر)، المغني والملحن الأميركي جون غرانت، عُرض كليب جميل بعنوان "لديه وركا والدته" يعود تاريخ إنتاجه إلى العام ٢٠١٨. أربع دقائق من الفنّ الخالص، عاصفة من الصور المتداخلة والرسوم الابداعية تجتاح الشاشة، قاسمها المشترك رأس غرانت الذي يتراقص على إيقاع أغنيته الغريبة من مكانٍ إلى آخر. أما لعضوة لجنة تحكيم المسابقة الوطنية، الممثّلة الفرنسية لاتيسيا سبيغاريللي، فعُرِض "إرفع السمّاعة" من تمثيلها وإخراج مانويل شابيرا. فتاة يطل منزلها على كابينة هاتف عمومي، تتصل عليها للتحدّث مع غرباء. فيلم ذو نبرة سوريالية يفتعل مواقف غريبة، الا ان الحوارات تخرج من عمق الواقع. بصرياً، بدا الفيلم الذي صُوِّر في العام ٢٠٠٦، قديماً. لزميلة سبيغاريللي في اللجنة، المغنية الفرنسية جوليا لانويه، عُرِض كليب جميل إخراج كلير بورجيه، "كومبرومات - من روحي إلى روحك". تطل لانويه في هذا الكليب إلى جانب الممثّلة أديل هانيل. يأتي الكليب على شكل تحية إلى فيلم "الجحيم" لهنري جورج كلوزو الذي لم يكتمل.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم