الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

إشكالية دفع الأوروبوندز من عدمه

خضر فقيه ووليد مرّوش
إشكالية دفع الأوروبوندز من عدمه
إشكالية دفع الأوروبوندز من عدمه
A+ A-

تاريخياً، لم يعتمد لبنان على سياسة الاستدانة من أجل تمويل الإنفاق الحكومي، وذلك كان واضحاً في فترة ما قبل الحرب الاهلية اللبنانية، حيث لم تلجأ الحكومات المتعاقبة الى الاستدانة. الا أنه في سنة 1977، أي ما بعد حرب السنتين، اضطرّت الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس سليم الحص إلى الاستدانة بالعملة المحلية من السوق المحلية من أجل تمويل إعادة إعمار لبنان الأولى.

كما أن الحكومات ما بعد العام 1977، قد اعتمدت نفس النهج المتعلق بالاستدانة من تمويل الإنفاق الحكومي وأن هذه السياسات قد استمرت لغاية نهاية الحرب اللبنانية سنة 1990 حيث بلغت المديونية العامة ما نسبته 90% من الدخل القومي. الا ان خطة إعادة اعمار لبنان الثانية شهدت فيها المديونية العامة زيادة مطّردة لسببين:

السبب الأول كان متعلقاً بحجم الدمار الذي أرغم الحكومة على الانفاق من اجل إعادة بناء البنية التحتية للدولة اللبنانية، أما السبب الثاني فهو متعلق بالازدياد في حجم القطاع العام وحاجاته المتعلقة بالأجور والتعويضات والتقديمات.

كما أن هذا ترافق مع ارتفاع كبير في نسبة الفائدة على الليرة اللبنانية مما أدى الى حصول تضخم حاد في المديونية العامة حيث وصلت الى ما فوق مئة في المئة نسبةً الى الدخل القومي.

إن هذا الارتفاع الحاد في كلفة الدين العام دفع بالحكومة اللبنانية الى المباشرة بالاستدانة بالعملة الأجنبية (الدولار).

استناداً لما تقدم، أصدرت الدولة الأوروبوند في أواخر التسعينيات من القرن الماضي وهو عبارة عن سندات محلية مقومة بالعملة الأجنبية، الا أن هذا الاجراء لم يخفف من تضخم الدين العام. سنة 2001 انعقد مؤتمر "باريس 1" الذي هدف إلى تقديم مساعدات مالية الى الدولة اللبنانية بقيمة خمسمئة مليون أورو، وفي سنة 2002 انعقد مؤتمر "باريس 2" الذي هدف الى تقديم مساعدات بقيمة أربعة مليارات أورو، وفي سنة 2007 انعقد مؤتمر "باريس 3" من أجل تأمين تقديمات إضافية الى الدولة اللبنانية.

من العام 2007 ولغاية العام 2010، شهد لبنان استقراراً اقتصادياً مما ادى الى نمو مطرد حتى سنة 2011. وشهد لبنان خلال هذه المرحلة انخفاضاً ملحوظاً في نسبة الدين العام مقارنة بالدخل القومي، كما تجدر الإشارة الى العديد من التطورات والتغيرات التي طرأت في سنة 2011 والمتعلقة بالأزمة السورية وحركة النزوح وعدد النازحين السوريين الذين استضافهم لبنان، إضافة الى اقرار سلسلة الرتب والرواتب وما رافقها من اقرار لضرائب عشوائية ما أدى الى زيادة عجز الموازنة وما انعكس سلباً على مستوى الدين العام حيث وصل نهاية العام 2018 إلى ما نسبته مئة وخمسون في المئة من الدخل القومي.

إن التطورات الآنفة الذكر وانعكاساتها ظهرت في صيف 2019 في ما نسميه أزمة الدولار حيث بدأت المصارف بالحد من قيمة التعاملات والسحوبات والتحويلات الى الخارج ما خلق سوقاً موازية للدولار الورقي حيث أدى الى فرق كبير في ما بين السعر الرسمي والسعر لدى السوق الموازية.

في 17 تشرين الاول من العام 2019، وعلى اثر الانتفاضات الشعبية تجاه الوضع الاقتصادي المزري، ظهرت تعقيدات عميقة للازمة الاقتصادية والنقدية والمصرفية ما اضطر المصارف اللبنانية الى اقفال ابوابها لعدة ايام، مما أدّى تالياً إلى زعزعة الثقة ما بين المودعين والمصارف خصوصاً ان المصارف اللبنانية لم تشهد إجراءات مماثلة منذ الحرب الاهلية اللبنانية.

لبنان على موعد مع دفع استحقاقات في سنة 2020 والمتمثلة بقيمة اربعة مليارات وثلاثمئة مليون دولار متمثلة بالأوروبوند مع العلم ان هذه القيمة هي عبارة عن مليارين وخمسمئة مليون دولار كأصل الدين ومليار وثمانمئة مليون دولار كفوائد الدين.

إن هذا الوضع يضع الحكومة اللبنانية امام مرحلة مفصلية خطيرة، وهي انه في حال قامت الحكومة اللبنانية بدفع الأوروبوند سوف تخسر وتستنزف جزءاً ليس بيسير من احتياطات المصرف المركزي بالعملة الاجنبية (الدولار)، إلا ان تخلُّفْ لبنان عن دفع هذا الاستحقاق يضعه ضمن الدول المتعثرة والمفلسة.

وكما هو معلوم، فإن الاستحقاق الاول لسندات الأوروبوند هو في شهر آذار المقبل مما يتوجب على الحكومة اتخاذ القرار المناسب والسريع وغير المتسرّع بهذا الشأن.

على حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب ان تقوم بدراسة معمقة للوضع من حيث الايجابيات والسلبيات، بالاضافة إلى وجوب أخذها بعين الاعتبار إمكان دفع هذا الاستحقاق بشرط وجود خطة كاملة متكاملة متعلقة بإعادة هيكلة وجدولة الاستحقاقات التالية، مما يؤدي الى استبعاد لبنان عن قائمة الدول المتعثرة والحفاظ على سمعة الدولة اللبنانية في الاسواق المالية العالمية.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ جزءاً من قيمة هذه السندات والاستحقاقات مملوكة من اشخاص ومصارف محلية.

مما يتوجب على الحكومة اتخاذ الإجراءات الللازمة للمحافظة والابقاء على هذه المبالغ في السوق المحلية اللبنانية.

تحليل وكتابة

الدكتور خضر فقيه، استاذ مشارك في القانون في الجامعة اللبنانية الاميركية (LAU)

الدكتور وليد مرّوش، استاذ مشارك في الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الاميركية (LAU)

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم