الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

زوجي يغار مني!

ليال كيوان بو عجرم
A+ A-

يعزو الخبراء غيرة الزوج من زوجته إلى سلوكيات طبيعية ما لم تتخطّ الحدود الطبيعية. والبعض يعتقد أن غيرته دفاع لا شعوري عن النفس ضد مصدر الخطر الذي يتربص به، فيما يرى آخرون أن الغيرة هي تعبير حقيقي عن خوف الرجل من فقدان دوره وسلطته بعدما كان قبل مئات الاعوام قائد الأسرة يلحق به سائر أفرادها. ومهما تكن المبرّرات أو المسبّبات، تبقى غيرة الرجل من زوجته فتاكة ومدمرة للعلاقة الزوجية، وفي هذا التحقيق شهادات لنساء لوعتهنّ غيرة أزواجهن، فماذا سيكشفن؟


العائلة أو العمل!
لم يعد نادر قادراً على السيطرة على شعـوره الضمني بأن موقعه الاجتماعي يتراجع مقارنة بموقع زوجته، هو الذي كان يفخر بزوجته الطبيبة ويعتزّ بمكانتها، لا يستطيع اليوم أن يتقبّل فكرة أن يتجاوز دخلها المادي دخله.
وتروي الزوجة معاناتها معه، علماً أنه هو كان الداعم لها كي تترقى في وظيفتها، "لم أكن قد تخرجت بعد من كلية الطب عندما تزوجت، ودعمني زوجي وشجّعني ووفر لي كل وسائل الراحة واستقدم حاضنة للأطفال كي أتفرغ لمتابعة الدراسة. كذلك سعى الى أن أشتغل في وظيفة جيدة بعدها الى أن أصبحت طبيبة. ومنذ عامين أنشأت عيادتي الخاصة وبدأ دخلي يزداد، فبدأت المشكلات بيني وبين نادر الذي تذرع في البداية بأنه لا يمكنني أن أصرف على خصوصياتي او المنزل من راتبي، معتبراً ذلك انتقاصاً لرجولته كونه رب العائلة، فامتثلت للأمر كي أتفادى الخلافات. لكن بعد مدة، تبيّن أن هذا الأمر لم يكن سوى ذريعة ليخفي وراءها عدم تقبله أن يتجاوز راتبي راتبه". تلك الطبيبة اليوم وضعت تحت أمر واقع وتجد نفسها مجبرة على الاختيار بين عملها أو عائلتها وزوجها وأولادها! فماذا تراها ستختار؟
في مقابل الحيرة، حسمت ميرنا خيارها بترك العمل والبقاء قرب عائلتها وزوجها بعد مشاحنات متكررة بينها وبين زوجها بسبب عملها، فهي عيّنت مديرة في أحد الأقسام التي يعمل فيها زوجها كمراقب في أحد مراكز التسوّق لأنها تتقن اللغة الانكليزية ما يفتقر اليه الزوج الذي يرفض أن يعترف بأنه يغار من زوجته. "أرفض أن أُتّهم بالغيرة، فما دفعني الى إرغام ميرنا على ترك العمل هو حاجة المنزل والأولاد الى وجودها ورعايتها".
وفي حالة فريدة وطريفة، لاحظت سعاد على زوجها انطواءً لم تعهده به، فهو المحب للهو والمرح والخروج مع الأصدقاء، "أخذ يعزل نفسه عن التجمعات واللقاءات لا سيما تلك التي تجمعنا معاً بالأصحاب"، على قولها. في البداية كان يتذرع بضغط العمل والتعب، لكن عندما بدا لها ذلك غير مألوف حاولت استقصاء الموضوع بطريقة حكيمة لاستجلاء ماذا يجول في خاطر الزوج الذي بات كئيباً ومحبطاً. "بدأت أتقرب منه أكثر وعندما أجده سارحاً بتفكيره أحاول استكشاف ما يشغل باله، الى أن وقفت بعد محاولات شاقة ومضنية على حقيقة الأمر: زوجي يغار مني ولا يتكلم كي لا يبدو سطحياً وساذجاً، اعترف لي أخيراً أنه يغار من كوني متحدثة جيدة أمام الناس وأستقطب محاور الحديث، الأمر الذي يفتقر اليه ما جعله يشعر بالنقص، لكن حبّه لي وكبرياءه منعاه من البوح بذلك كي لا أستخف به، ولم أفعل رغم علمي بذلك، بل على العكس تفهمته وجعلته يشعر بأن كلاً منا لديه مميّزات، وبعض الصفات الرائعة التي يمتلها هو تنقصني وليست موجودة لدي، ما جعل الأمور تستقيم ويعود الى سابق عهده".


لماذا يغار الرجل؟
تتصف غيرة المرأة بالسطحية‏ مقارنةً بغيرة الرجل، فالمرأة تغار من بنات جنسها فقط أما الرجل فلا يغار من الرجال الأكثر نجاحاً ووسامة منه فقط، وإنما يغار أحياناً من المرأة إذا تفوقت عليه في العمل والحياة. وفي هذا الصدد، يقول الاختصاصي في علم النفس الإجتماعي الدكتور كمال بطرس، إن غيرة الرجل "تشتعل تجاه المرأة عندما تتفوّق عليه في مجال العمل خصوصاً إذا كانا زوجين، كما أن المرأة عندما تهتم بصديقة لها تلتهم الغيرة قلب زوجها الذي قد يغار أيضاً من ابنه حين توليه ‏الزوجة رعاية أكثر منه"‏. وعن أسباب الغيرة، يوضح أن الرجل عموماً "لا يتحمل أن يكون تابعاً لزوجته أو أن يحيا في ظل شهرتها حتى لو كان ناجحاً في عمله. وينطبق هذا المبدأ في المجتمعات الغربية أيضاً التي تكتسب فيها الزوجة لقب عائلة زوجها كبديل لإسم والدها بعد الزواج، ما يعني أنها باتت تتبع الزوج في كل شيء. والكثير من السيدات فشلن في حياتهن الأسرية بسبب شهرتهن أو نجاحهن الذي لم يتحمله أزواجهن، والكثير من النساء يرفضن الحديث في المنزل عن تفاصيل العمل تجنباً لشعور الزوج بالضيق والغيرة". ويعتبر بعض الأزواج نجاح الزوجة وتفوقها على الصعيد العملي والإجتماعي، انتقاصاً من شخصياتهم أو رجولتهم أو مكانتهم كأزواج، "فبعض الأزواج يشعر بالغيرة من نجاح زوجته، ويسعى إلى محاربة نجاحها أو تقييده، على اعتبار أن ذلك يشكل انتقاصاً له وعلواً لمكانتها على مكانته. وقد تبدأ غيرة الزوج من نجاح زوجته في عملها بنار خفيفة في القلب، لكن سرعان ما تتحوّل حريقاً يلتهم الأمان والاستقرار الأسري. لكن في المقابل، يمكن هذه الغيرة أن تعود بنتائج إيجابية بحيث تدفع بالزوج إلى المزيد من الجد والاجتهاد".
وترتبط الغيرة عند الزوج بعدم وجود الكفاءة في الزواج وفق بطرس، "كأن تكون الزوجة مليئة بالطموح والإنجاز على عكس زوجها. والغيرة غالباً ما تتخذ منحى مرضياً يتجسد عنفاً كلامياً أو حتى جسدياً، خصوصاً إذا كان الزوج يشعر بأنه لم يحقق النجاح الذي يصبو إليه. فيلجأ عندها بعض الأزواج إلى تهديد الزوجة بمنعها من العمل أو إحراجها في مكان عملها، أو إتلاف هذه النجاحات إذا كانت قابلة للتلف كالبحوث أو حتى طمسها، وقد يصل الأمر إلى الطلاق". ثم ان التركيبة النفسية الخاصة بالرجل الغيور من نجاح زوجته، تجعله متعطشاً كي يرى الناس إنجازاته ويقدّرون حياته الشخصية. ويعتقد بطرس أن من يعاني هذه العقدة النفسية، "يعاني دائماً حالة قلق تجعله يخاف من تفوق زوجته عليه، لذلك فهو دائماً يفكر باندفاعية ولا شعورية ليخفي ضعفه أمام زوجته، فينتهز فرصة أي تقصير منها في المنزل ليختلق المشاجرات ويتهمها بالإهمال، لأن غالبية الرجال يظنون أن تفوق المرأة في عملها خارج المنزل يأتي على حساب عملها ومسؤولياتها داخله". ولا ينفي بطرس أن يكون السبب في غيرة الزوج هو الزوجة نفسها، "فإذا أصيبت بالغرور، على زوجها وأشعرته بأنه جاهل أو ضعيف فهذا يولّد الكره والبغض والغيرة لدى الرجل".
وقد تنتاب الرجل الغيرة من نجاح زوجته، ويظهر ذلك جلياً إذا كانا يعملان في المكان نفسه، أو إذا كانت الزوجة أعلى منه مرتبة في مجال العمل نفسه. وهنا يقول بطرس إن الحقيقة هي "أن نجاح الزوجة في العمل هو نجاح للزوج نفسه بعدما أتاح لها فرصة وجواً مناسبين لهذا النجاح، وهذا ما يجب أن يدركه الزوج. ولا ينبغي أن ينظر الرجل الى زوجته في نجاحها على محمل التنافس أو الغيرة، فكلاهما مكمل للآخر، وكل اثنين يختلفان في النجاح والإيجابيات كما قد يختلفان في الفشل والسلبيات، وكذلك قد يتفقان في بعض الأمور، لذا يجب على الزوج ألا يمنع زوجته من العمل ما دام عملها لا يؤثر في دورها ومهماتها وأعبائها المنزلية حتى لا يكون هذا النزاع الفكري أيضاً سبباً أساسياً في الانفصال في ما بعد".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم