الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

فيروس "على حافة الحياة" يهدّد مجتمعاً "على حافة الحياة"

غسان صليبي
فيروس "على حافة الحياة" يهدّد مجتمعاً "على حافة الحياة"
فيروس "على حافة الحياة" يهدّد مجتمعاً "على حافة الحياة"
A+ A-

الفيروس يضرب خلايا الجسم البشري. كثيرون لا يعتبرونه من الكائنات الحية، لذا يسمونه "كائناً على حافة الحياة". فعلى الرغم من ان له جينات، الا انه لا يملك بنية الخليّة، التي يُنظر اليها على انها الوحدة الاساسية للحياة.

"كورونا" هو الفيروس الاكثر شهرة اليوم، يتنقل من بلد الى بلد بخطى متسارعة، وينقل معه العدوى التي بدأت تطال عددا كبيرا من الناس.

زارنا "كورونا" للمرة الاولى منذ نحو الاسبوع، وهو لا يعرف انه يزور مجتمعا يعيش على حافة الحياة. لذلك راح يتصرف كأنه يدخل دولة بكل ما للكلمة من معنى.

دخل إلى لبنان من باب معبر شرعي هو مطار بيروت، على رغم انه كان في إمكانه الدخول من المعابر غير الشرعية عبر سوريا. نتمنى ان يحترم هذه القاعدة، اخوانه واخواته الفيروسات الوافدة الى بلادنا، حتى نستطيع مراقبة دخولها في المستقبل.

يُسجَّل ايضا لـ"كورونا" الآتي من إيران، انه لم يميز الطائفة الشيعية عن غيرها، بل اصاب، اول ما اصاب، إمرأة شيعية من عندنا. لكن بعضنا في المقابل تعامل معه بتعصب كأنه فيروس ايراني اراد استهدافنا نحن اللبنانيين بالذات.

نعم، "كورونا" لم يميز بين الطوائف. فبمجرد دخوله، طاول الهلع الطوائف كافةً بدون استثناء. واذا كان الخوف من الطائفة الاخرى ساهم دائما في الانقسامات والحروب الطائفية، فإن الخوف هذه المرة من "كورونا" ادخل الانقسام الى قلب كل طائفة، بين مواطن مفترض انه سليم وآخر مشتبه في مرضه. كما ان الخوف وحّد الطوائف بعد ان كان يقسّمها. بدا "الكورونا" اكثر وطنية من الفيروس الطائفي، لكن هذه الوطنية للاسف قائمة ايضا على الخوف.

قد ذكّرنا "كورونا" ان الخوف من الآخر هو العدو الاول للانسان، فقد دب الهلع فينا بمجرد دخوله، ولم نعد نسأل حتى عن السيدة المصابة، او نتعاطف معها. حتى هي لم تتعاطف مع نفسها، وشنت حملة تخوين على شعبها، من الطوائف الاخرى طبعا، متوعدة الامن العام بأن اخاها لا بد ان يأتي وينتقم لها بسبب توقيفها والحجر عليها صحيا.

السيدة المصابة، بعدما جعلت الطائفة تنتفض على الوطن، ها هي تطالب العائلة بأن تنقضّ على الطائفة. بمجرد دخول فيروس الى البلد الهش، راحت الخلايا الاجتماعية المريضة تنقضّ بعضها على بعض.

من حق المرأة المصابة ان تغضب لانه جرى تداول اسمها كمريضة على مواقع التواصل الاجتماعي والاعلام. فمجتمعنا يعتبر المرض عيبا او جريمة، يجب إخفاؤهما والتستر عليهما.

في بعض البلدات التي يعيش فيها قادمون على الطائرة نفسها التي جاءت السيدة المصابة على متنها، تعرض هؤلاء الى ما يشبه الاضطهاد، من اهل بلداتهم.

لم يكتف "كورونا" بإحداث البلبلة في خلايا مجتمعنا الذي يعيش على حافة الحياة، بسبب خيانة الطبقة السياسية لشعبها، والوصول بالبلاد الى الافلاس المالي والاقتصادي والسياسي والبيئي والاخلاقي. بل كأنه، وعن غير قصد، اراح هذه الطبقة السياسية التي تعاني منذ اشهر من الضغط الشعبي.

استهتار بعض المسؤولين بدخول "كورونا"، والتقاعس عن اتخاذ الاجراءات الوقائية الجدية، يوحيان بأن لدخوله بعض الفوائد، ولو الرمزية، للطبقة السياسية.

فقد تمكن من زرع الخوف ومن كم الافواه ولو بالكمامات، في حين ان العهد عجز عن ذلك طوال اكثر من ثلاث سنوات. "الكورونا"، على صغره، بدا اقوى من "العهد القوي".

"الكورونا" كان اقوى ايضا من الثورة الايرانية و"حزب الله"، على مستوى الدعوة الدينية، فقد تمكن في وقت قصير من منع المصافحة والقبل والعناق، ليس فقط عند جميع المسلمين، بل عند المسيحيين على حد سواء.

لكن "الكورونا" عجز عن اقناع المسؤولين بأن صحة الانسان اهم من الاعتبارات السياسية، التي قدّمها وزير الصحة كحجة لامتناع السلطة عن وقف السفر من ايران وإليها. فالسلطة تتخذ تدابير احترازية تجاه القادمين من ايران او من غيرها، لا تتناسب البتة مع خطورة المسألة، مما يشكل خطرا على حياة اللبنانيين وخاصة على حياة اتباع هذه السلطة بالذات. "كورونا" أكد لنا ان هذه السلطة تضع تبعيتها للخارج فوق كل اعتبار، وعلى حساب شعبها و"جمهورها".

حتى الآن، صوت الانتفاضة منخفض حول هذه القضية. فهي لم تتخذ موقفا واضحا وحازما من اهمال السلطة، ولا حول كيفية التعاطي مع هذا الموضوع الذي يمس بالامن الصحي للمواطنين. وقد تكون الحساسية المذهبية والاقليمية للموضوع، وقفت حائلا دون اتخاذ هذا الموقف.

لكن هذا لم يمنع من بروز اشكال من التضامن لمواجهة الفيروس. اهم هذه الاشكال، تطوع اطباء متمرنين من الجامعة اللبنانية، في مستشفى الحريري الحكومي، لتقديم كل المساعدات الطبية اللازمة. اللافت ان أطباء الجامعات الخاصة رفضوا الانضمام الى هذه المهمة. "كورونا" أكد لنا، ان المصلحة العامة لا تؤمنها الا المؤسسات العامة، لكن الخالية من الفساد، اي من هيمنة السلطة السياسية.

ان التعاطف مع المرضى والتضامن بين الناس والوقاية العقلانية غير الهستيرية والضغط على السلطة لاتخاذ التدابير الناجعة، هي اضمن الطرق للانتصار على "كورونا"..

الفيروس، كائن مُعدٍ، لكن يحتاج الى مضيف، عادة خليّة، ليتكاثر. لعله يجد في تفكك خلايا مجتمعنا مضيفا غير كريم، فيشفق علينا، ويغادرنا بسلام.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم