السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

"يوم رفع الجزار اسوار بيروت..."

المهندس غبريال أندريا
Bookmark
"يوم رفع الجزار اسوار بيروت..."
"يوم رفع الجزار اسوار بيروت..."
A+ A-
"أَيُّها الدَّاخِلُ بهَذا البَاب إِفتَكِر بالرَّحمَة!"في ذِهنِنا، صُورَةٌ لبَيروت اليَوم يُقال إنَّها تَختَلِفُ تَماماً عَن بَيروت القَديمة، بِشَوارِعِها وساحاتها، بأَبنيتها وشَعبِها. لا نَعرِفُها وقَد لا نَتَعَرَّف إليها يَوماً، ولَكنّ رِوايات الآباء وصوَر الأبيَض والأسوَد تَقُصُّ عَلَينا مَجدَها وجَمالها، فَورَة شَبَابِها وحِكمَة شُيُوخِها، غِنَى حَضَارَتها وعِزّ أيَّامِها.تَروي كُتُب التَّاريخ وسِيَر الرِّجَالات الذين سَكَنوا في بَيروت كَما مُذَكَرات الرَّحَالة الذين قَصَدوا المَدينة، أنَّهُ ومُنذُ تَأسيسها في القَرن الخَامس عَشر قَبلَ الميلاد وحَتًّى أواسِط القَرنِ التّاسِع عَشَر، لم تَكُن بَيروت تُغَطّي هَذِهِ المسَاحَة الوَاسِعَة مِن الأَرضِ التّي تَشغَلُها اليَوم، بَل إنَّها كانَت إلى ما قَبل مِئَة عَامٍ مِن أيّامِنا، عِبَارَةً عَن مَجموعةٍ مِن المسَاكِن الصَّغيرة المُتَلاصِقَة والمَحشُورة في رُقعَةٍ ضَيِّقَةٍ مِن الأَرض، لا يَزيد طُولها عَن سبعمائة وخمسين متراً وعَرضُها حوالي ثلاثمائة وثمانين متراً، يَحِدُّها مِن جِهاتِها الشَّرقيّة والجَنوبيّة والغَربيّة سُورٌ مِنَ الحِجارَة الرَّمليّة المَدعومَة بأنقاض الأعمِدَة المُختَلِفَة مِن حطام الآثار اليُونانِيَّة والرُّومانيّة القَديمة، فيما شَكَّلَت واجِهَتها الشَّماليّة المطِلّة على خَليج بَيروت، خَليج القِديس جاورجيوس، السَّبيل الوَحيد للتَّواصُل ما بَين المدينة وسَائِرِ مُدُن المُتَوَسِّط.إِمتَدَ حَائِط السُّور مِن مَوقَع التَّل التَّاريخيّ (مَا بَين قَاعِدة بَيروت البَحريّة ومَبنَى جَريدَة النَّهار) شَمالاً إلى كَنيسَة مَار جِرجِس المَارونيّة جَنوباً، فسَاحَة رِياض الصُّلُح عَبرَ شَارِع الأمير بَشير غَرباً ثُمَّ عَبرَ شَارِع المَصَارِف وسُوق الطويل حَتَّى زَاوِيَة المَدِينة الشَّمَاليَّة الغَربيّة.أَقدَم ذِكِر لِسُور بَيروت يَعود للحَقَبَة الكَنعَانِيّة الحِثيّة، إذ يَذكُر المُؤَرِّخ صَالِح بِن يحيى التَّنوخيّ في كِتَابِه " تاريخ بيروت وأخبار الأمراء البحتريين من بني الغرب" ما يَلي: "بيَروت مَدينة قَديمة جِداً يَستَدِلّ عَلَى قِدَمِها بِعِتقِ سُورِها، ومَع عِتقِه فهو مُحدث عَلَيها، لأنّنا نَجِد في السُّور المَذكور قَواعِد مِن الرُّخام وأعمِدَة كَثيرة مِن الحَجَر الَمانِع" (ص 8-9)، فيما يُردِف الدّكتور مسعود ضاهر في كتابه "بيروت وجبل لبنان على مشارف القرن العشرين" أنَّ سُور بَيروت كَان "عَلَى شَكلٍ هَندَسِيٍ إتَّبَعَهُ الكِنعانِيّون والحثيّون في بِنَاء الأَسوار حَولَ مُدُنِهم يَختَلف عمّا أَلِفَه المَصريّون، إذ كَان تعلُوه أبراجٌ مُتَقَارِبَة، واجِهَتها مِن الحَجَر وهَذا مَا جَعَلَ بَعض المُؤَرِخين يَذهَبون إلى القَول إنَّ عَهدَهُ يَعودُ إلى عَصِر الكِنعانيّين والحثيّين" (ص 62).لَم يَذكُر المُؤَرِّخون وُجود أيّ سُور يُحيط ببَيروت الرُّومانيَّة، إذ إنصَرَفَ الرُّومان مُنذُ دُخولِهِم بَيروت إلى إِنشَاء المُؤَسَسات العَامَّة وتَشييد الحمَّامَات والمَسَارِح والمَلاعِب والمَعَابِد الضَّخمَة وتَنظيم السَّاحات والأزقَّة، فَلَم يُعيروا المُنشَآت العَسكَريَّة مِن قِلاعٍ وأبراجٍ وحُصون وأسوار أيّ إهتِمام، عَلَى عَكسِ مَا يَعتَقِدُه الكثيرون. وقَد أدَّى ذَلِك إلى إزدِهار المَدينَة وإعلاء شَأنِها بَين نَظيراتِها، فأضحَت قِبلَة البَاحثين عن العِلم والمعرِفَة ومَصدَر التّشريع الأوّل في الإمبراطوريَّة الرُّومَانيَّة. إستَمَرّت الحَال عَلَى مَا هي عَليه حَتَّى التَّاسِع مِن تَمّوز عَام 551، حينما...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم