الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ذلك الكرسي مدّني بالبصيرة (فيديو)

رئيسة الفلاسي ــــ الإمارات
ذلك الكرسي مدّني بالبصيرة (فيديو)
ذلك الكرسي مدّني بالبصيرة (فيديو)
A+ A-

حين تتذكر تفاصيل حياتك، بعضهم قد يشعر بالألم، فيما قد يحتفي آخرون بفرحة الانتصار. قصتي أخبركم إياها في الأسطر الآتية، ولكم أن تخرجوا بخلاصة موقفي منها.

كانت حياتي في البداية طبيعية، مثل أي شخص يتنقل بين المنزل والعائلة والمدرسة، وكنتُ الابنة الكبرى في بيتنا (3 إخوة صبيان، و6 بنات).

كان هدفي مثل أي صبية وشاب دخول الجامعة والحصول على شهادة أحقق من خلالها ذاتي. وبالفعل، دخلت هذا المجال وتحديداً اختصاص علم الجيولوجيا في البترول، وهنا بدأت القصة. قبل تخرّجي بعام تقريباً، حين كنت أمشي وأرتبك ثم أشعر بأنني لا أستطيع السير بشكل منتظم، ولم أستطع أن أصعد السلم كعادتي. تأثرت حركتي كثيراً، بعد 3 سنوات من دخولي مختبرات وإجراء تدريبات بشكل عادي.

انقلبت الأمور رأساً على عقب مع شعوري بضعف في قدمي وعدم قدرة على المشي بشكل ثابت ومستقيم. ذلك كان في نهاية عام 1997، وتحديداً في السنة الجامعية الثالثة لي، وكانت متبقية فقط سنة ونصف السنة لأتخرّج وأدخل مجال العمل.

لم أستطع تسلّق السلم ولا الأماكن العالية. هو شعور غريب حصل فجأة. أولاً بدأ الضعف في قدم واحدة، ثم أصبح في القدمين. دخلت المستشفى في عام 1997، وأحدٌ لم يعرف أسباب هذه الحالة، خصوصاً أنّ كل التحاليل والفحوص التي أجريتها أثبتت أنّ الأمور سليمة ولا وجود لأي نتيجة سلبية.

وبعد تأزُّم وضعي، قرّرت أن أرتاح في المنزل لمدة فصل جامعيّ. كان ذلك صعباً عليّ. ضغطت كثيراً على نفسي حتى تحسّنت الأمور قليلاً، لكن ذلك لم يكن طويلاً لأنّني انتكست مجدداً.

سافرت بعدها لإجراء تحاليل جديدة وفحوص أكثر دقة، وهناك اكتشف أن لدي مشكلة هي "طفرة جينية"، نتيجة عوامل وراثية. لكن اللافت أنّه لا أثر لهذا المرض عند عائلة والدي ولا حتى والدتي، وهما من قبيلتين مختلفتين.

هذه الحالة حصلت معي ومع أحد أشقائي فقط، لكن لم تكن واضحة على أخي عوارض هذا المرض، بل اكتشف بعمر متقدّم، وتحديداً كان عمره 30 سنة، بينما كان عمري 20 عاماً.

بعد ظهور التحاليل، تبيّن أنّ المرض من الحالات النادرة، ووقتها كنت قد انسحبت من الجامعة، وهذا في عام 1999.

بدأنا ننتظر ماذا سيحصل وتطوّرات المرض، خصوصاً مع عدم وجود علاج له. هذا المرض له نتائج سلبية. ففي عمر الـ30 قد يتوفى الشخص نتيجة ضعف عضلاته، لكنّ المرض الذي عندي هو ضمور العضلات Type 2B l. مرض يصيب العضلات والأطراف، بعد سنوات لا يمكن أن أمشي وأتنفس جيداً وغيرهما من العوارض.

من الطبيعي أن يشعر الأهل بالخوف عليّ. كانت هذه اللحظة صعبة جداً، فيا للأسف، حتى الآن لا وجود لأي علاج لهذا المرض، برغم اكتشاف العلاج لأمراض أخرى.

جلستُ في المنزل، وبدأت التفكير ماذا سأفعل؟ فأنا لا أحبّ الجلوس من دون عمل، وعشتُ صراعاً داخلياً بين أن أكون قائدة لعمل أو مستسلمة للمرض وعاجزة.

دعم الأهل كان هائلاً. هو نقطة الضوء في حياتي. وبعد الاحتكاك مع المجتمع والعالم الخارجي من أصحاب الهمم ومن ذوي الحاجات الخاصة، وما رأيته من حالات أصعب من وضعي بكثير، قلتُ “الحمدلله”.

عشت لحظات غضب وألم ودموع. أنا إنسان يشعر، لكنَّ الله أعطاني البصيرة والقوّة والعزيمة. ليس ثمة إنسان في الدنيا لا يملك موهبة، ولكن عليه أن يضع هدفاً في حياته لتحقيقه.

لم أكن يوماً أعيش وأطلب شيئاً من أحد. لا أقبل ذلك على نفسي، خصوصاً بعدما توفّي والدي في 2005، فكنتُ دائماً أحبّ الاعتماد على قدراتي.

“الإعاقة” علّمتني الكثير: الصبر والحكمة، ودائماً كنت أستعين بالقرآن الكريم لأكون أقوى، ويزيد إيماني بالله، مع وجود الأهل إلى جانبي وتكاتفهم معي. لا أنسى أيضاً دعم دولة الإمارات لي، وخصوصاً القانون الذي صدر في 2014 والمتمثل بدعم أصحاب الهمم بكلّ ما يتعلق في حياتهم.

برغم ما حصل معي، حقّقت إنجازات عدة، أهمها دخول مجال العمل، فحصلت على شهادات تقدير وتكرّمت بجوائز عدّة للتمييز. كلّ ذلك أعطاني دفعة معنويّة لأواصل ما بدأته.

طالما لدي عقل وقلب، فيجب أن أواصل التحدّي والمثابرة.

في 2014، التحقت بنادي دبي لأصحاب الهمم، وكانت نقلة نوعية من حياتي العملية إلى مكان مغاير تماماً، فاخترتُ الرياضة لكسر “الروتين” الذي عشته لسنوات.

كانت رياضة “البوتشيا” جديدة على الإمارات، وهي لعبة أكثر انتشاراً في أوروبا وأميركا الشمالية، وتحتاج إلى ذكاء واستراتيجية وتخطيط، وفي أول مشاركة لي في البطولة المحلية، أحرزتُ الميدالية الذهبية.

بدأتُ تحقيق الإنجازات تلو الأخرى. وكان لي الشرف تمثيل الإمارات في المحافل الدولية. زاد التحدّي في داخلي بأن أثبت للعالم أنّنا كأصحاب همم قادرين أن نضع بصمتنا في الإنجازات.

ومن خلال المشاركات الخارجية، تعرّفت إلى الكثير من أصحاب الهمم من دول أخرى وبدأت أدركُ شخصيتي أكثر.

أود أن أّوجه رسالة إلى أصحاب الهمم تحديداً، وأقول لهم: يجب علينا جميعاً أن نشكر الله دائماً على ما نعيشه في الحياة. قولوا "الحمدلله" على النعمة التي أعطانا إياها الله، وعلى الصحّة. لأصحاب الهمم تحدّوا أنفسكم لتصلوا إلى القمم. واجهوا خوفكم، الحياة نعيشها مرة واحدة. استمتعوا بكلّ لحظة. الحياة قصيرة، اجعلوا الناس تتذكركم بالخير. وابقوا أملكم بالله كبيراً.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم