السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هل تسقط الحكومة؟

د. عصام عطالله
هل تسقط الحكومة؟
هل تسقط الحكومة؟
A+ A-

 (السلوك الوطني “vs” البيئة السياسية)

إن كلَ انسانٍ كائنٍ موجودٌ وفاعلٌ ومنتجْ وخلاّقْ هو شابٌ مهما بلغَ عمرِه البيولوجي ومن يراقبَ السلوكَ البشري، يكتشفُ بأنَّ الانسانَ هو هذا الكائنُ الاكثرَ تعقيداً للدرسِ، ورغمَ التطورِ المعرفي لا زلنا قاصرين عن فهمِ التغيُّراتِ السلوكيةِ وفهمِ التصرفات بشكل صحيح وواقعي. إن الانسانَ في عصرِ العولمةِ هذا يعيش عصراً جديداً لم نشهدَ لهُ مثيلاً في تاريخِنا البشري. وإنه لأمرٌ طبيعيٌ أن نرى تغييراتٍ فكريةٍ وأخلاقيةٍ وإجتماعيةٍ ونفسيةٍ في ظل كميّةِ المعلوماتِ الجديدةِ التي أصبحت في متناولِ من يشاءَ وبالتالي تأثيراتِ المعلومةِ على السلوكِ البشري واضحةُ المعالم، وقد كان ذلك جلياً في ما شهدته الأحداث منذ الـ17 من تشرين الأول من العام الفائت حيث الشباب والشابات من كل الأعمار تحركوا من أجل المطالبة بحقوق ضائعة أو مسلوبة.

وبالرغم من الخصائص الخاصة والفردية يبدو بأن الأكثرية تجمعت حول نفس المطالبات ومنها محاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة والانتخابات المبكرة، وكان بارزاً بان الخطاب السياسي في كل المناطق ومن كل الأعمار أيضا كان في أغلبيته متناسقاً.

وبالرغم من الاختلافات شهدنا ولا نزال تغييراً مجتمعياً يؤسس الى وعي للحقوق التي هي من أبسط مقومات الحياة الكريمة وأتت الانتفاضة لتصرخ بوجه من "اغتصبوا" السلطة وسرقوا خيرات البلاد لتقول لهم كفى.

وفي ظل فقدان الثقة بالطبقة الحاكمة ومع حكومة جديدة تتطلّع الى أخذ الثقة من الناس، بغض النظر عن الآليات الدستورية المعتمدة، ستبقى الحكومة تحت مجهر الانتفاضة لاسقاطها أو لتحقيق المطالب، ولكي تستمر بالرغم من التحركات قد تضطّر للّجوء الى الأساليب البوليسية أحياناً أو العسكرية أحياناً أخرى.

ومن الطبيعي بأن يخشى البعض من المستفيدين وأزلامهم على "قيمٍ" موجودةٍ وموروثةٍ يتمسكون بها ويخافون من إكتشافِ آفاقٍ أخرى قد تهدّدُ مصالحهم وما جنت أيديهم في العقود السابقة التي أوصلت لبنان الى ما لا تحمد عقباه.

ومن البديهي بأن شبابُ اليوم همْ أكثرُ حاجةٍ لفهم ما يجري من حولِهم فالتأثيراتُ المجتمعيةُ والسياسية والاقتصادية من جهةٍ والمعرفةُ من جهةٍ أخرى وعدمُ وجودِ تناغم في ما بين الجهتين خلقت أحياناً ضياعاً وتساؤلاتٍ لا بدَّ أن تثمر سلوكاً غيرَ مفهومٍ عندَهم وعند المهتمين بشأنِهم، بالإضافة إلى تغللغل الطائفية في النفوس ومحاولة التحرر من تأثيراتها والتوحد حول المطالب العديدة لدى المواطنين.

من المؤثراتِ السلبيةِ العديدةِ التي يقعُ ضحيتُها العديدُ من الشبابِ هو إدّعاءَ بعضِ الأمورِ وتطبيقِها بشكلٍ مغايرٍ تماماً ممّن يجدرُ بهم أن يكونوا قدوةً في المجتمع، وهنا تأتي سهولةَ نقلِ الاضداّدِ من خلال تكنولوجيا المعلوماتِ ووسائِلَ التواصلِ الاجتماعي فيضيع شبابنا بين ما يقال في العلن وما يطبّق بالعلن أيضاً (وبوقاحة).

وتأتي البطالةُ أيضاً وتـأثيراتَها الخطيرة على شباب اليوم وهي التي تُدمّر الطموحاتَ. والبطالةُ كما هو معلومٌ خطٌر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وقد وصلت الى مستويات خطيرة في المجتمع اللبناني، ما أدى أيضاً إلى انتفاضة الشابات والشباب وعن حق أمام سلطة تعمد الى إفقار الناس بدل العمل من أجلهم. في هذا السياق يتساءل خريجو الجامعات عن جدوى تخريج أعداد هائلة في اختصاصات لا تجدً لها فرصَ عمل أو نقصاً في أعداد خريجين بحاجة لهم سوقُ العمل ضمنَ مواصفات تحتاجُها القطاعات العامة الانتاجية وفي ظل غياب سياسات عامة هادفة لتحجيم البطالة، كأني بالمسؤولينَ عن البلاد يعمَلون على توسيع الهوّة بين ما يريدُه شبابُنا وشاباتُنا وبين المصالحَ الخاصةَ او المصالحَ الفئويةَ أو الحزبيةَ على حساب المستقبل. لأن الشبابَ هم المستقبل.

جراءَ ما سبقْ نجدُ بأن شبابَ اليوم يعيشُ صراعات على أكثر من جبهة بدايةً مع صراع القيم التي هي معتقدات راسخة تعطي معنى للوجود وقد تكون تلك القيمَ لا تتوافقُ مع مقاييس العولمة والحداثة من جهة، والانتفاضة التي انفجرت في النفوس وتحولت الى سلوك ثائر على الظلم والظالمين من جهة أخرى.

ولا نستطيع أن نغفُلَ تدنّي الأجور وغياب ثقافة الإبداع حيث المتفوقونَ لا يجدون الفرصَ سوى خارجَ الحدود. لكل هذه الأسباب ولأسبابٍ عديدةٍ لا يسمحُ لنا الوقتَ بذكرِها نجدُ بأن مشكلاتَ الشبابِ تؤدي بالعديدِ منهم الى الشعورِ بالضياعِ والاحباطِ جرّاء الضغوطاتِ السياسيةِ وعدمِ الثقةِ في الفئات الحاكمة، بالاضافة الى المشاكلِ الاقتصاديةِ المتعلقةِ بالعملِ والسكنِ وضمانِ المستقبل، أو العوًز والحرمان.

وفي ظل غيابِ السياساتِ العامةِ الواضحة لبناءِ المستقبلِ يجد شبابُنا أنفسَهم مُكرهينَ للنظر الى خارجَ الحدودِ بهدفِ الحصولِ على فُرصٍ للعمل تعطيهُم الامانَ والديمومةَ بهدف تحقيقِ إنجازاتٍ قد تكونُ مستحيلةً داخلَ الوطن، لذلك هم يرون في ثورتهم مساحة من أجل التغيير الحقيقي لبناء لبنان الحلم.

لكن التغييرَ هذا أصبح حتميٌ وسيؤدي الى التطورِ والتوازنِ عندما نقبلُ به فيتوازَنُ الايقاعَ البشريُ مع الايقاعَ الوطني والسلوكي من أجل لبنان الذي يحلم به جميع اللبنانيين خصوصا من أنتفض على الظلم والتكابر والفساد.

وفي ظل التكنولوجيا والعولمةِ، أصبح بالإمكان تحقيق خروقات كبيرة في السلوكيات وتهديد القيم المتوارثة بهدف التغيير إلى الأفضل ومن أجل وطن يحترم فيه المواطن كما يستحق.

وعليه، علينا أن نعودَ الى أصالةِ ثقافتِنا الوطنيةِ المبنيةِ على الكرامةِ والنُبل والعزةِ والمقداميةِ في التعاطي بجميع الأمورِ الحياتيةِ بمسؤوليةٍ من خلال التوجيهِ والتثقيفِ والاهمُ الإضاءةَ على دور الابطالِ في المجتمعِ عموماً وعدم الإضاءة على الإنجازات الفاشلة للبيئة السياسية التي في الأصلِ يجبُ ان تكونَ للخدمةِ فأصبحت للوجاهةِ.

ويبقى الأمل بأن يصبح الوعي معممّا للضغط الإيجابي على كل من يتعاطى بالشأن العام من أجل المحاسبة والمساءلة وتحقيق حلم وطن يضيع كل يوم في أروقة الفساد والفاسدين ويأبى أن يزول رغم الضغوطات والصعوبات نظرا لتميّزه في أكثر من مجال... والسلام.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم