الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

إبني يتحرش بي!

ليال كيوان بو عجرم
A+ A-

ارتابت ابتسام من تصرفات ابنها المراهق، فهي منذ فترة تلاحظ أنه بات يلتصق بها كثيراً ولا يفوّت فرصة لتقبيلها وضمّها. ظنّت في البداية أن السبب مجرد ارتباطه العاطفي وتعلّقه بها كونها أمه، لكنها لم تكن تعلم أنه... يتحرّش بها!


يمرّ الأولاد الذكور عموماً باختبارات عدة في المراحل الممتدة من الطفولة حتى المراهقة، وتتبلور خلالها شخصية الصبي وترتسم معالم هويته الجنسية. جميعهم يختبرون مرحلة ما من حياتهم يظهر فيها ما أُطلق عليه عقدة أوديب المتمثلة بتعلّق الولد بأمه عاطفياً وجنسياً حتى، منهم من ينتقل من الطفولة والمراهقة الى الرجولة بسلام ويعيش حياة عاطفية وجنسية طبيعية متخطياً تلك العقدة، ومنهم من يبقى عالقاً فيها فيبدأ بالانجذاب نحو والدته. ومن تلك الفئة الأخيرة، قد يكبت البعض مشاعره والبعض الآخر يعلنها. فلماذا يتحرّش المراهق بوالدته؟
جاءت أميرة في ذلك اليوم لزيارة جارتها وهي ترتجف وتكاد أعصابها تنهار من هول ما تعانيه مع ولدها، وقد طفح كيلها. أخبرتها كيف أن جاد الذي بلغ منذ أيام السادسة عشرة من العمر، يبقى ملتصقاً بها حين يجلسان على الأريكة، "بات يحاصرني أينما توجهت في المنزل، يجلس قربي ويلتصق بي، ويعانقني ويقبلني على خدي وجبيني. لكن منذ فترة، بدأ يقبلني في عنقي ويلحّ على النوم الى جانبي في السرير حين ينام والده خارج المنزل بداعي عمله ودوامه الليلي أحياناً، كما أني لاحظت مراراً أنه يعبث بملابسي الداخلية ويفتش فيها. امس، حاول كنت أبدّل ملابسي في غرفة نومي وفوجئت به يسترق النظر الى داخل الغرفة، فنهرته ليعاود محاولة لمس صدري عندما كان يعطيني قبلة ما قبل النوم، فصعقت ولم أعرف ماذا أفعل. دفعته عني ودخلت غرفة النوم وأقفلتها بالمفتاح، والى اليوم لا أعلم ما الذي ينبغي فعله". ضحكت الجارة داليدا طويلاً بعد سماع الخبر، وما كانت ضحكتها إلاّ مجرد انفعال وحسرة على وضعها، فهي الأخرى تعاني مشكلة مع ابنها المراهق ولا تعلم ماذا تفعل. "حرت بأمري مع ابني ذي السابعة عشرة ربيعاً، وبعد أن ضقت ذرعاً من تصرفاته وسلوكه المنحرف أخبرت والده علّه يجد له حلاً، لكنه لم يفعل شيئاً، قائلاً إنني مجنونة وأتخيّل أشياء غير موجودة وأبالغ بتصويري للأمور". كانت داليدا تلاحظ على ابنها أنه يداعب أعضاءه التناسلية منذ صغره، وكان يتعمّد فعل ذلك أمامها. كانت تتجاهل الموضوع قائلة في نفسها إنه طفل ولا يدري ماذا يفعل. "لكن تصرفاته تلك استمرت بعد الثانية عشرة من عمره، وأضاف اليها تصرفات أخرى كانت تثير ريبتي، كأن يعانقني طويلاً ويقبلني ويقول إنه سيتزوجني، إضافة الى انه يغازلني باستمرار. وقبل أشهر، بات يتعمّد أن يخرج من الحمام وهو يلف منشفة حول خصره عندما لا يكون والده موجوداً ويجلس في الصالون. وذات مرة كنت أشاهد التلفزيون، فخرج من الحمام كعادته وأخد يتمشى أمامي، فقلت له أدخل الى غرفتك وارتد ملابسك فقد يأتي زائر في أي وقت. فلم يقبل، وجلس قربي وأخذ يقلّب في هاتفه الخليوي، ويطرح عليّ أسئلة غريبة عن الزواج والجنس واضعاً يده في أماكن حساسة من جسمه، ما جعلني أنفر منه. فتركت المنزل وقصدت منزل أهلي فنصحتني والدتي بأن أستشير طبيباً نفسياً علّه يرشدني الى حل". واتفقت الجارتان على زيارة إحدى العيادات النفسية، علّهما يجدان فيها تفسيراً لتصرفات ولديهما المراهقين.


على الأهل أن يخرجوه من عقدته
في الثالثة من العمر، يبدأ الصبي بتحسّس أعضائه التناسلية والتعرف اليها، وهنا يدخل الولد مرحلة التركيز على أعضائه ويعيش ما يسمى بالعقدة الأوديبيّة التي يجتازها كل ولد بين الثالثة والسادسة من عمره، وهي تؤدي دوراً بالغ الأهمية في تكوين شخصيته وتوجيه حياته الانفعالية.
ويشرح المعالج النفسي الدكتور غدي حطب مظاهرها التي تتمثل في "سعادة الولد بملامسة أمه له واحتكاكها به، ففي هذه السن يطلب الطفل أن ينام قرب والدته ويغار من والده ويثيره منه أن يستأثر بها او يقبّلها، فموضوع حبه بعيد المنال بسبب قصوره الذاتي كطفل من جهة وبسبب وجود منافس لا قدرة له على مقاومته، بحسب ما يعتقد الطفل. وقد يضربه أبوه او يعاقبه كلما ضبطه يعبث بأعضائه، وكثيراً ما يأتي على لسان الأب التهديد بقطع عضوه الذكري، علماً ان التهديد قد يولّد الخوف والفزع في قلب الطفل فيتعلّم أن يخشى الأب وقد يضمر له مشاعر عدوانيّة ولكنه يكبتها، ويضطر أيضاً الى كبت مشاعره الشبقيّة تجاه أمه، وتسمى الرغبات او هذه المشاعر عقدة أوديب، كما تسمى المخاوف المكبوتة من تهديدات الأب للطفل "عقدة الخصاء"، والواقع أن العقدتين متداخلتان والواحدة منهما تنبه للأخرى وتستدعيها. وهذه العقدة هي ما عبّر عنها طبيب الأمراض النفسية والعصبية سيغموند فرويد وشرحها، ويعتقد أن هذه العقدة هي حقيقة واقعة في حياتنا جميعاً، غير أننا نتمايز فيما يطبعنا به او يخلفه فينا من آثار نفسية قد تؤثر بدورها في علاقاتنا الشخصية بالناس من حولنا في المستقبل". ويقول حطب إننا نتجاوز الموقف الأوديبي بشكل تلقائي مع نهاية الطفولة، لتعود وتظهر مع مرحلة البلوغ "فتستيقظ في نفس الطفل الصراعات الأوديبية، وتعود المشاعر والأفكار الجنسية تجاه الأم والأحاسيس بالغيرة من الأب، ولكنه في نهاية المراهقة قد يتخلص من ذلك كله ويعي نفسه ويعرف ما يريد، ويتوجه باهتماماته الجنسية الى موضوعات بعيدة من أمه. ولكنه في حال لم ينشأ تنشئة سليمة، يبقى على تصرفاته وعلى مشاعره العدوانية المكتوبة تجاه أبيه، وقد يُظهر مشاعره الجنسية والعدوانية وقد يكبتها".
ونجاح تخطي هذه العقدة التي يمر بها كل الأولاد، يرتبط بموقف الوالدين منها وتفهّم مشاعر الطفل المتناقضة وتقبّلها، إلى جانب الامتناع عن التواطؤ معها بصورة مشجعة للولد على التمادي المتهور فيها. "ونلاحظ مما سبق، أن المشاعر والميول الجنسية الموجودة بقوة في مرحلة الطفولة وإن خفتت حدّتها بعض الشيء في المرحلة الممتدة بين السابعة والثانية عشرة والتي تدعى لهذا السبب "مرحلة الكُمون"، فإن هذه المشاعر والميول جزء لا يتجزأ من شخصية الطفل، هي تلعب دوراً رئيسياً في نموه على كل الصعد الجسدية والعقلية والعاطفية، فإذا ما أتيح للطفل أن يحياها بشكل سليم يمكنه خلالها التعبير الحر الصريح عنها، مع تشجيعه على تجاوز أشكالها تدريجياً وفقاً لمتطلبات نموّه ومقتضيات الحضارة، كان لذلك دور كبير في تأمين اتزانه وانشراحه وفي التمهيد لاكتماله النفسي عند الرشد، وفي إنجاح خبرته الزوجية والوالدية المستقبلية وإسعادها. والعكس صحيح تماماً، فكلما قمع الأهل مشاعر ابنهم ساهموا أكثر فأكثر في زيادة العقدة لديه وتشابكها، وتفاقم المشكلة وتزايد التعلق بالأم وصولاً الى محاولة التحرش بها". كذلك يشير حطب الى أمور أخرى غير عقدة أوديب قد تدفع المراهق للتحرش بوالدته ومنها ما يتعلق بدور الأب في العائلة وأهمية وجوده، "ففي الأسر الطبيعية التي تتمتع بأجواء جيدة لنمو الطفل تتلاشى المُسبّبات المكوّنة لانحراف الولد وانجذابه نحو أمه جنسياً، فيطوّر الطفل عندئذ علاقات موضوعية مع أمه متخلياً عن رغباته الجنسية تجاهها ومتطلعاً إليها في الوقت نفسه كنموذج جنسي مغاير يقيس على غراره خصائص شريكة حياته المقبلة وصفاتها. لكن الأسر التي يشوبها خلل ما، من مشكلات عائلية او طلاق او غياب الأب تنشأ المشكلات النفسية والعقد عند الأولاد، و تتغذى تلك العقد من علاقة الطفل العاطفية بوالديه والتي من خلالها يطور ديناميّات لضبط غرائزه العدوانية والجنسية. وعليه، إذا ما افتقد الطفل أباه في البيت فإن التوازن في نموه الجنسي قد يتخلخل، مظهراً ذلك في بعض الأحيان على هيئة ارتباط جنسي بوالدته يمتد حتى المراهقة وأحياناً الى ما بعدها". ولا يغفل حطب ما تفعله بعض الأمهات عادة، "فتصرفات الأم لها تأثير كبير في تقويم مسار الطفل الجنسي أو انحرافه، فأحياناً تغازل الأم الولد وتخلع ملابسها أمامه حتى لو كان في سن متقدمة، وتقترب منه وتلامسه ظناً منها أنها تداعبه لكن هذه الطريقة لا تكون صحيحة، فالكفل الذي لديه ميلاً لينجذب نحو أمه سيتخذ من تصرفاتها إشارة وتلميحاً كي يقترب منها أكثر فأكثر. فعلى الأم أن تنتبّه لتصرفاتها وملابسها وكلماتها أمام ابنها المراهق الذي قد يفسّر أي موقف تفسيراً خاطئاً، وهذا ضروري بصرف النظر عن العادات والتقاليد".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم