الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"الأونروا" بين "الترويض السياسي" و"التقليص الخدماتي"

المصدر: النهار
د. باسم عثمان كاتب وباحث سياسي
"الأونروا" بين "الترويض السياسي" و"التقليص الخدماتي"
"الأونروا" بين "الترويض السياسي" و"التقليص الخدماتي"
A+ A-

اتهم القائم بأعمال مدير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" كريستيان ساوندرز، يوم الخميس 16/1/ 2020، أميركا وإسرائيل بالعمل ضدها، مؤكداً أن أميركا تحشد تأييد البرلمانات الأجنبية لوقف التبرعات لها، وقال ساوندرز في مقابلته مع وكالة رويترز: "إن إسرائيل تسعى لاستبدال الخدمات التي تقدمها الوكالة للفلسطينيين بتفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة في القدس الشرقية المحتلة بخدمات تقدمها منظماتها، فيما تروج الولايات المتحدة ضد تمويل الأونروا في البرلمانات الأوروبية وغيرها".

وفي خدمة المجهود نفسه، قررت "بلدية الاحتلال" في القدس، انشاء مدارس تابعة لوزارة "التربية والتعليم الإسرائيلية" بدلاً من مدارس وكالة الغوث "الأونروا"، كخطوة تصعيدية، في إطار مواصلة العدو الإسرائيلي استهداف الشعب الفلسطيني وطمس هويته وثقافته وحقوقه المشروعة إنّ قرار "بلدية الاحتلال" بإنشاء مجمع مدارس تابع لوزارة "المعارف الإسرائيلية" شرق القدس، يأتي تتويجاً للجهود الرامية لتجسيد المخطط الذي تم إعداده مسبقاً وهدفه تصفية "الونروا"، والذي بدأته "بلدية الاحتلال" في القدس بهذه الخطوة بدعم قوي من حكومتها اليمينية المتطرفة والإدارة الأمريكية.

ان تراجع دور وأداء الاونروا ومهامها، مرتبط بالإرادة السياسية الدولية، والجهود الرامية لتحقيق الانهاء التدريجي لعملها ووظيفتها الأساسية، نظراً لما يحمله استمرارها في أداء مهامها، من معنى ومغزى سياسي وقانوني صرف يتعلق ببقاء وديمومة قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإقرار حق العودة في القرار 194.

بعد مرور سبعة عقود على تأسيس الوكالة الدولية، ثمة جدل واسع يطرح نفسه حول دور "الأونروا" ومستقبلها، خصوصا ًمع ما يترافق من حديث حول افاق عملية "التسوية" السياسية ومستقبلها، والتي يرتبط بها مستقبل الاونروا، على الرغم من انها لم تعرف نفسها سياسياً في أي من أدبياتها، واقتصر دورها على الجانب الإغاثي والاجتماعي، إلا انها – أي الأونروا -لا تفارق التفكير السياسي للفلسطيني، بل ويرتبط واقعها في أكثر الأحيان إن لم نقل بمجمله، بالتطورات السياسية الإقليمية والدولية، وأنها لم تكن لتنشأ لولا العامل السياسي الذي رسم عنواناً سياسياً عريضاً للقضية الفلسطينية من خلال قضية اللاجئين وحق العودة.

وهنا تجدر الإشارة، الى ان أميركا أخذت على عاتقها منذ عهد الرئيس ترومان الذي تولى الرئاسة في الفترة ما بين 12/4/1945 – 20/1/1953، منع عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وتوطينهم ودمجهم الاقتصادي في المحيط العربي، وهو ما أعلن عنه ممثل أمريكا في "لجنة التوفيق الدولية الثلاثية حول فلسطين"،والتي ألفتها الجمعية العامة للأمم المتحدة من ممثلي فرنسا وتركيا وأميركا، وأقرها بروتوكول لوزان في 12/5/1949 ،حيث اعلن ممثل أميركا في الاجتماع الذي عقد في بيروت 21/3/1949، ان "إسرائيل لا تقبل عودة اللاجئين...وهناك حقيقة واقعة وهي أن جميع اللاجئين لن يعودوا...يجب التفكير في إعادة توطينهم من جهة، وإعداد المشروعات اللازمة لعودتهم إلى الحياة العادية".

من أجل ذلك، أيدت أمريكا إنشاء وكالة الأونروا كفرصة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين خارج ديارهم، وضغطت على الدول العربية الخليجية كي تفتح أبوابها امام ألفلسطينيين للعمل فيها وبأجور مغرية، وتسهيل كل السبل امامهم لنسيان الوطن والقضية، كما حاولت ان تغري بعض الدول العربية لكي توافق على توطين اللاجئين في بعض أراضيها، وهكذا، حددت أميركا منذ ذلك التاريخ، موعداً معيناً تتوقف عنده – الأونروا - عن تقديم المساعدات للاجئين، بهدف إجبارهم على الاندماج في البلدان التي هُجروا إليها، وهذا ما حدث فعلاً منذ سنوات عدة من قبل سياسة أمريكا، ما أدى إلى توقف كثير من أوجه الدعم والخدمات التي كانت تقدمها "الأونروا" نتيجة النقص الحاد في موارد تمويلها.

كما شهدت "الأونروا" بعد أوسلو عدة متغيرات مترابطة، شكلت انعطافه في تاريخ الوكالة، وانتقالا من الوظيفة التي أنشأت من اجلها، باعتبارها مؤشراً على استمرار معاناة الفلسطينيين وضرورة وقفها من خلال تطبيق القرار 194، الى وظيفة أخرى متكيفة مع الوجهة السياسية لعملية أوسلو، ومؤشراتها قضايا التأهيل والدمج في المجتمع المحلي وفقا "للجنة اللاجئين المتعددة"، والتي تشارك فيها الاونروا وفي اعمالها منذ تأسيسها 1992 ، وهكذا واكبت الاونروا انسجامها مع وجهتها السياسية الجديدة طبقا للمتغيرات ولمتطلبات المرحلة الانتقالية على المسار الفلسطيني، ما انعكس على ميزانيتها وهيكلة عمالتها، فتوارت المشاريع مع الميزانية العادية، وبرز نهج المواءمة بين خدمات الوكالة والدول المضيفة.

هناك العديد من الثغرات التي أحاطت بالأونروا سواء لجهة نوعية التفويض أو لجهة دورها وعملها ومهماتها:

- صلاح صالح عبد ربه في كتابه "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بين مأساة التاريخ، ومأساة الحلول" الصادر مؤخراً، ونقلا عن وليد سالم حيث يقول: " وإذ عملت "لجنة التوفيق" في مناقشة الجانب السياسي لمشكلة اللاجئين مع الحكومات المعنية، فإن وكالة الغوث قد عملت في ميادين الإغاثة وبرامج التشغيل للاجئين، أي أنها انحصرت في الدور غير السياسي، وعندما تعطلت "لجنة التوفيق" بعد سنوات قليلة من حرب 1948، فقد أصبح الدور اللاسياسي للوكالة من الناحية الموضوعية دوراً سياسيا، يصب باتجاه خدمة مشاريع التوطين".

- حصر نشاط "الأونروا" ببعض الدول (ما تبقى من فلسطين خارج نطاق السيطرة الإسرائيلية) وسوريا ولبنان والأردن فقط، واستثنت من عملها اللاجئين في الجزء المغتصب من فلسطين إبان حرب 1948، وبقية الدول.

- تعريف وكالة "الأونروا" لمفهوم (اللاجئ)؟؟!!، الذي استثنى أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين من عملها واغاثتها.

- حصر صلاحياتها على الجانب الإغاثي والتشغيلي والانساني، واستبعادها العمل من أجل إعادة اللاجئين إلى ديارهم – الجانب السياسي والقانوني - وهو الأمر الذي يسمح به نظام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

- الأمم المتحدة التي أنشأت وكالة الأونروا متواطئة في خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وعلى وجه الخصوص: خطتها التقسيمية (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181) التي استخدمها قادة الحركة الصهيونية لتبرير التطهير العرقي في فلسطين، وإن كان بتحريف المصطلحات في بنود القرار والتوسع إلى ما وراء الأراضي المخصصة "لدولة الأغلبية اليهودية".

- قبلت الأمم المتحدة بعضوية " دولة إسرائيل " في جمعيتها العمومية قبل تطبيق حق العودة للاجئ الفلسطيني، ما يشير الى خلل واضح في تطبيقات القانون الدولي وفقا للمصالح السياسية.

وخلافا للدعاية الصهيونية -الامريكية، فإن وجود الأونروا لم يشجع النضال الوطني الفلسطيني ولم يحتوه أيضاً، بل تعامل الفلسطينيون مع الأونروا بطرق مختلفة كما فعلوا مع مؤسسات أخرى، وعلى مدار العقود القليلة الماضية ضَمِنَ نضالهم وكفاحهم عدم نجاح الوكالة –"الأونروا" - في إخماد قضيتهم السياسية.

والذي ينبغي تسليط الضوء عليه، هو ما إذا كانت البرامج التنموية وبرامج البنية التحتية في أماكن تواجد عمليات "الأونروا" ومرافقها، مرتبطة بأجندات سياسية أشمل؟!، تسعى إلى الغاء وتهميش قضية اللاجئين وحقهم في العودة الى ديارهم.

ولكن تجدر الإشارة، ان لوكالة الأونروا أهمية بالغة في ظل المناخ السياسي الراهن بالنسبة للنضال الوطني الفلسطيني وذلك للأسباب التالية:

- الوكالة طرف موقع على كافة قرارات الأمم المتحدة بما فيها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

- برزت الأونروا - في ظل غياب جبهة وطنية تحتل فيها قضية اللاجئين مكانة مركزية في المشروع الوطني الفلسطيني - كمؤسسة تحافظ على إبراز اللاجئين على الساحة الدولية، وتشير إلى أن ولايتها لا تزال قائمة.

- "الأونروا" تبقى في ظل غياب مؤسسات الدولة، الخازن الأوحد والأهم للذاكرة الفلسطينية التاريخية لأكثر من سبعة عقود، فقد احتفظت بسجلات اللاجئين منذ مطلع الخمسينيات وجمعت ذاكرة مؤسسية تشهد على هذا التاريخ الجمعي، ومع ذلك، فهذه الأسباب وغيرها لا تبرئ "الأونروا" من التلاعب بها سياسيا بيد القوى الدولية الكبرى وفقاً لأجنداتها السياسية، وهو ما يتطلب موقفاً متيقظاً من الفلسطينيين حيال توجهات الوكالة وسياساتها وبرامجها الحالية والمستقبلية.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم