السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

تحيّتان إلى قلب الشاعر فوزي يمّين الذي نجا

تحيّتان إلى قلب الشاعر فوزي يمّين الذي نجا
تحيّتان إلى قلب الشاعر فوزي يمّين الذي نجا
A+ A-

نجا الشاعر فوزي يمّين بما يشبه الأعجوبة من وعكةٍ قلبيّة ألمّت به قبل أيّام، وهو يتعافى الآن في المستشفى بعد خروجه من غرفة العناية الفائقة. الأهل والأصدقاء يتحلّقون من حوله في زغرتا، وهم كُثُر. من العاصمة، كتب له شوقي أبي شقرا وعقل العويط، هاتين التحيّتين، إعرابًا عن الحبّ والتقدير والمكانة.

زغرتا والجمال ونحن معكَ

شوقي أبي شقرا

لم نكن في خيال أصبعنا، ولا كنّا مُنفردين ولا فكرة ولا خاطرة ولا أي علامة في البال من اليقظة الفاترة أو النظرة التي تقتحم الميدان ونسمع نحن والجيران موسيقى مختلفة وليست عاديّة. لم تكن إلّا ونحن في اللهفة وفي أنّنا أمام ما حدث لشاعرنا اللبنانيّ الأنفاس والمعاني والذي نُحبِّه إلى حيث اللهب والنار، وهو فوزي يمّين.

أمام شاعرنا، وهكذا الآن نُسمّيه لأنّه في المدى القصير وفي أحلامنا المُندفعة، كان الذي انغمس في الكلام وفي لغة القصيدة الحديثة، حيث لا وزن ولا قافية، بل انصرف إلى ذاته وإلى الطموح الذي يكمن في الداخل، في وعيه الكامل وفي تلك الحيويّة تندلع وتنطلق إلى حيث اللقاء. وهو اللقاء مع القصيدة المطروحة الآن والتي كم كان جهدنا وكم كان وعينا وكم كان انتظارنا أن يأتي حامل الجديد وأن يطلّ علينا الآخر الموهوب، وأن تكون القصيدة من صنعه في تمام ألقها وفي الوهج القويم والذي يضيف الإضافة المُثلى وذات النقاء في محيطها أجمع.

وفوزي الذي أدركنا وأدركناه، كان في أعماقه ذلك النبيذ الحيّ، وذلك المِقدام على الشيء الثمين حيثما يكون وحيث هو في المعمعة، في المفترق، وفي القربى، وفي ذلك المدى الذي كان مذاقه لنا ما أحلاه، والذي يروح إلى شتّى الأبعاد. وهو كان وها هو فوزي يزيد ويضع لمساته على كأس الحياة، كأس حياته الأدبيّة. وها هو يجعلنا نحكي ونتكلّم حوله لأنّه في لحظة من مساره واندفاعه والحيويّة المائلة في جسده وفي قلبه يظلّ الحضور ويظلّ الفاعل الذي يفعل والذي له ضميره وكأنّه الوردة وكأنّه الزهرة، أي واحدة من حقله الواسع والخصب.

ويظلّ لنا السراج، وسراجه لا ينطفئ ولا يزول مثل أي غيمة.

وها نحن، والأمر انتهى وبلغ المحطّة ووصل إلى العافية وإلى تلك الرحابة وتلك الغمزات من الكلمة التي كم غازلها وكم أنزلها في الإطار في صلب الحداثة.

ونحن من العاصمة نُهنّئ فوزي ونأمل له أن يكون دائماً ذلك القطار. ونحن في الداخل ومن النافذة نُبصر الجمال ونُبصر اللاعب الذي هو، والذي يلعب في إطار الحضور والمساهمة في الحركة الثقافيّة، وفي الشأن العام وفي أنّنا نحن مثل الغابة نحضنه لأنّه شجرة ترتفع منذ الجذع إلى مهابة الأغصان المُرتفعة صوب السماء، صوب زغرتا الشجاعة طوال الأيّام وصوب لبنان وصوب كل قارئ يقرأ الجمال.

الشاعر الذي التقط فؤاده عن الطريق

عقل العويط

(إلى فوزي يمّين)

كان صديقى منشغلًا بالحبر. يلهو بالشعر. بكيمياء الكلمات. بالملعب. بالكرة. بالأقدام المراهقة. وبترّهات اللاعبين. وكان مولعًا بالدخان المتراقص اللعوب. بلهاث الحريق. بالهواء الذي يحترق. بالعبث المارق. بالورد العابر الوقت. بالنجوم الساهرة. بالأعباء التي تحملها الجبال. بالغضب النافر الذي لم يعد يتحمّل السكوت على ضيم. وكان مأخوذًا بالشيطنة. بابتسامات العيون الماكرة. بفوح الليمون في البساتين. بطقوس الجلوس في المقاهي. في أروقة الصمت.

كان صديقي متأجّجًا. فوّاحًا. ناضحًا. كريمًا. جارحًا. حادًّا. فجًّا. لئيمًا. حنونًا. طيّبًا. جارفًا. وكان قلبه المحقون بالدخان والتوتّر يرشح خطرًا. وكان ينزف عطشًا وضيقًا وإرهابًا. وكان يتضيّق بلا انتباه. ويتأفّف. ويفور. ويثور. ويشتعل. ويطفح.

ولم يأبه. ولم يلتفت. إلى أنْ أعياه الجدار المسدود، واستبدّ به إرهاق الغضب والتعب واحتمال ما يُحتمَل، فسقط على الطريق.

لكنّ صديقي لم يشأ أنْ يستسلم. ولا أنْ يسلّم قلبه قبل أوان الحقّ والأجل. وهو الأوان الذي، بعدُ، لا قادرٌ على الانتظار

عندما أطلق من أعماق الغدر الفجائيّ نداءَ الاستغاثة، داعيًا إلى نجدة شرايين الأمل المسدود، تنادى الرعاة الطيّبون الأشاوس، فهبّوا إليه، ليطردوا الهواء الداكن، وليأتوه بالنسيم الإهدنيّ الليّن اللذيذ الطيّب النقيّ الأبيّ، وليدلّكوه بالحنكة والحبّ، وليحملوه على شفا القلوب الواجفة إلى البسمة الوادعة والشفاء المرتجى.

وها هو صديقي يعود إلينا ضاحكًا. مستخفًّا. مرفرفًا. وها الطريق يعود مفتوحًا إلى شرايين قلبه، وإلى الحبر الأنيق.

بعد قليلٍ، سأزوره. سنزوره جميعنا. وسيروي لنا بابتسامته الماكرة كيف سقط فؤاده على الطريق.

وسيروي لنا كيف رفعت الأعجوبة فؤاده عن غلطة الطريق.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم