السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

طرابلس تنقسم بين رفضيْن لدياب... "أهل الثورة والسُنة"

المصدر: طرابلس- "النهار"
جودي الاسمر
طرابلس تنقسم بين رفضيْن لدياب... "أهل الثورة والسُنة"
طرابلس تنقسم بين رفضيْن لدياب... "أهل الثورة والسُنة"
A+ A-

تستمرّ طرابلس بإعلان رفضها لترئيس حسّان دياب الحكومة الانتقالية. مثلما، ضمن هذا الموقف، تستمرّ الهوّة بالاتّساع بين رَفضَين يشيان بتناقض جوهريّ في فهم الانتفاضة، الأمر الّذي يجافي انطباع الآلام والأحلام الموحّدة في طرابلس الّتي انخرطت في انتفاضة 17 تشرين من بابها العريض، وجُعلت عروسها.

انقسام الساحة... قلب وأطراف

ملاحظة هذا الانشطار يُرى بالعين المجرّدة قبل أن تسمعه الآذان. فجغرافية ساحة النّور الرّاهنة،  تُشير للنّاظر الى فرز بين جمهورين، يتّخذ كلُّ منهما موقعًا. فقلب السّاحة الّذي شهد تزاحم الآلاف في الأسابيع الأولى، تشغله اليوم بضعة عشرات من المحتجين، عاودوا النّزول للسّاحة بعدما أصيبت بما يشبه حظر التّجوّل خلال اشتداد العاصفة. وجلّ هؤلاء من المناطق الشّعبيّة، والخلفيّات الاجتماعيّة الرّازحة تحت ثقل مآسيها الاقتصاديّة، يلتفّون حول النّاشط ربيع الزّين ورفاقه الّذين عرفوا بنشاطهم ضمن مجموعة "ثورة المحرومين". الزّين الّذي تحوم حوله شبهات لخلفيته كمخبر أمني، وعن ضلوعه بافتعال اشتباكات بين الجيش والثوار، لم يشفِ ظهوره الاعلامي علامات الاستفهام حوله، ولم يزِح ضبابيتها توقيفه لساعات قبل إطلاق سبيله. وهو اليوم، يحظى بتأييد هذه القاعدة الشّعبيّة الّتي تدين له مساعداته بالحصول على الاستشفاء والطعام خلال أيام عجاف سبقت الانتفاضة. أمّا بعد الانتفاضة، فيواصل ربيع الزّين تفاعله اليوميّ مع هذه الشريحة، وحشد طاقاتها بلغةٍ يتقنُها ويفهمونها، كان آخرها انتقال المئات منهم بباصات الى تلة الخياط للهتاف ضد حسّان دياب.

أيضًا ضدّ حسّان دياب، إنما لأسباب وخلفيّات مغايرة، تنتشر عند أحد مداخل السّاحة خيم التّثقيف السيّاسي والمدني، يشغلها شباب جامعات وخريجون ومهنيّون غير راضين عن أسلوب الزّين منذ صادر منصّة الانتفاضة في مبنى الغندور مع مجموعته. لاحقًا، حالة عدم الرّضى تصاعدت نحو ما يلامس التنافر ليس بين أسلوبين فحسب، بل بين حراكين داخل الحراك الواحد. وأتى "حدث" رئاسة الحكومة مع دياب ليُعَنون هذا الفرز: "سنّية" الرفض التي تتبنّاها القاعدة الشّعبيّة، و"شمولية" الرّفض لوجه قديم، يحظى بدعم فرقاء سيّاسيين على عداوة متبادلة مع الانتفاضة.  


مساهمة حزب "سبعة" ومجموعة ربيع الزّين

بين خيم النقاشات الّتي تحوّل بعضها لركام من أعمدة ونايلون، وبعض آخر لبقع مهجورة سوى من بضعة أشخاص يصفّق بستائرها الهواء العنيف، يخترق ربيع الزين الساحة ليلتحق بأحد الباصات. وليس بمفرده، فمعه كما دومًا، يتنقّل  بضعة شباب، يوحون بهالة حاشية تحيط بزعيمها. هذا الأخير، يظهر بخطواته المتنقلة بأناة وثقة كرجل المهمات الصعبة، بنظارات شمسية "راي بان"، وجاكيت من الجلد الأسود، يعلوه شالًا نبيذيًا يلتفّ حول عنقه.  يجدّد الزّين لنا التأكيد بأنّه دعا الثوّار للنزول احتجاجًا على حسّان دياب. وفي سؤال عن الجهات الّتي تموّل الباصات، يقول بأنّه تمويل ذاتيّ من الثوّار أنفسهم، مضيفًا بدون تحفّظ "وأيضًا (الاعلامية) غادة عيد ساهمت في تمويل بعض الباصات". وبينما يفترض البعض بأن تيّار المستقبل يتولّى تمويل النقليات، الحديث عن ضلوع حزب سبعة في تمويل بعض نواحي الحراك تخطى حدود المفاجأة، وصار حقيقة متداولة وغريبة في طرابلس تستدعي الوقوف عندها. فقبل دقائق، وبسؤال دائم نطرحه حول التمويل، يخبرنا الناشط "يوسف" بأنّ الباصات الّتي كانت تقل نشطاء اشتبك بعضهم مع عناصر من الجيش على حاجز المدفون، وتعرض خلالها يوسف لضربات بالعصا على أذنه، هي باصات ممولة من حزب سبعة.

حديثنا السّريع مع الزّين تلا تفاعلًا مع ثوّار قبل أن يركبوا باصاتهم برفقة "المختار". هذه الصّفة غير الرّسميّة، صنعها عبد النّاصر قدّور كأحد مفاتيح هذه المجموعة في أحياء القبّة الشّعبيّة. بينما يتجمّع حولنا ركّاب متحمّسون للتّعبير، يشرح قدّورخلفيّة نزولهم الى بيروت الّتي بدأت ب"نحن لا نتحدّث من منطلق طائفي" واستتبعها بنقيضها "نحن كسنّة...". ويكمل موضحًا بأن تركيبة لبنان هي الّتي تفرض على كلّ مركز طائفته "نحن سننزل لنقول لدياب: ردّ المفتاح لأصحابه، لقد أخطأت العنوان." وفي استيضاح حول "أصحاب المفتاح"، يجيب "إنهم طبعًا، الطائفة السنية، دار الفتوى، مراجع الافتاء". مقارنًا موقع رئيس الحكومة مع مركز ضابط أقيل في المطار"خرب الدّني"، على حد قوله، وأنتج 7 أيّار. ويشفع وجهة نظره بمثال "العشائر" من "أخواننا الشيعة" في بعلبك الّتي تجتمع بنفسها لاختيار شيخ القبيلة، ولن تتّصل بسنّة طرابلس ليقرّروا عنهم اسم الشيخ. ويحترم المختار تحييد سعد الحريري نفسه عن رئاسة الحكومة، فتقتطع حديثه صيحات حوله تقول "هيدا آدمي"، "الشيخ سعد ابن بيت"، و"شبعان" و"احترم حالو وطلع لأن حزب الله ما خلوه يشتغل". ولكن، "أليس كلّن يعني كلّن" شعار أساسي للانتفاضة؟ نسأله، فيوضح أنّ "كلّن يعني كلّن لا يعني أنّ جميعهم زعران" متابعًا أنّه في حين ثبتت نزاهة أحد الساسة، "سنضرب له التحية ونعتذر منه"، إنّما الآن، نحن نتابع الحراك ضدّ الجميع. ويردّد الشّعار مرّة أخرى، كأنها شعرة معاوية الّتي تصل هذه المجموعة بالانتفاضة الشعبية. ويقول بأنّ هذا التّحرّك مموّل من الشّباب، الّذين تبرعوا بمبالغ زهيدة لجمعها وتغطية التنقلات. وأثناء إنقضاء الحديث، تعلوهتافات "سوري سوري"، ويصرّ الواقفون على التعبير بأنّ "حسّان دياب والله سوري".

يعتبر المختار أنّ كل المعتصمين في ساحة النّور منذ 17 تشرين الأوّل متمسّكون بشعار "كلّن يعني كلّن"، ويصرّ على إيرادنا لهذا الجزء من الحديث "منعًا لأيّ لغط". هذا التصريح، كفل بتعديل تعاطف الموجودين مع سعد الحريري، فتتهادى الينا أصوات جديدة لسان حالها "نحن لن نرضى به رئيسًا ولو أعيد طرح اسمه".

إذًا، في طرابلس حالة شعبيّة يشتدّ وترها السّني، مع إصرارها على الاعتصام بحبل " كلّن يعني كلّن"، ربما كي لا تُنبَذ من الحالة الوطنيّة الّتي خلقتها الانتفاضة، بعدما نبذتها الحالة الوطنية ما قبل الانتفاضة، يأخذها ويردّها كلمة سرّ من مفاتيحها المحليّة الّتي تؤثّرعلى موقفها من سعد الحريري. حالة شعبيّة  لم تعرف غير الفقر المدقع. هي تنضوي تحت نسبة 73% من الأسر التي لا تمتلك أي نوع من التغطية الصحية، تصل الى 90% في منطقة التبانة التي تكثر وفياتها، حسب دراسة مؤسسة البحوث والاستشارات. ويشكّل هؤلاء شريحة من 75% تعيش ظروف صعبة من عداد سكان طرابلس الّذين يبلغ تعدادهم حول 700 ألف نسمة، بالاضافة الى نحو 23% يقبعون تحت خط الفقر الذي جعل دخلهم اليومي أقلّ من دولارين، حسب دراسة أعدتها الاسكوا عام 2015، وأهوال هذه الأرقام ليست الى انحسار!

بالنّتيجة، هذه الشريحة الّتي تبقى اليوم، وأكثر من أيّ يوم مضى، حبيسة احتياجاتها الفزيولوجية، تحتاج احتواء، وتعاطفًا حقيقيين مع معاناتها، وتفكيك أسباب الاستدراج الطائفي المزمن، بموضوعية منزهة عن تهم الجهل والدعشنة، وأن يلحق بخلق قوّة معاكسة لهذه الطائفية تتكلّم لغة القاعدة الشعبية الفقيرة والمهمشة، وتجذبها لتكون شريكة التغيير عن وعي واقتناع. وهذه مسؤولية "النخبة" والشباب المثقف، وعدا عن هذه المقاربة، سينتفي تضمين الانتفاضة لهذه الشريحة وتنتفي شموليتها.

...وضدّ رئيس عاجز عن قول "لا"

بالمقابل، تحرص النّاشطة والمدوّنة منّة الله الباف على تعبيرها عن استيعاب وجهة نظر هؤلاء الثّوار الّذين يشعرون بغبن لطائفتهم، معرّجة على ضرورة فهم الخلفيّة الّتي تلزمهم بهذا التصوّر، بالرغم من ابتعادها عنه وإيمانها بأنّه أساس أزمات لبنان. الناشطة الّتي تشارك في تظاهرات طرابلس وبيروت وفي بعض نقاشات الخيم، وتنشط على صفحات التواصل الاجتماعي، تقول بأنّ رفضها لحسّان دياب يأتي لكونه أولا وجها سياسيا غير مستقل، بحيث لا يحتاج النشطاء لأدلّة تثبت ولاءه السياسي الّذي جعله وزيرًا سابقًا للتربية ورئيسًا للحكومة. لذلك تعتبر أنّه "جزء من المنظومة الّتي ننتفض ضد كل مكوناتها بدون استثناء". وتستدرك الباف بأنّ وجود ميل سياسية لدى رئيس الحكومة ليس عيبًا ينتقص من نزاهته، إنّما الخطأ يكمن في رعاية وصوله من خلال التّيار الوطني الحرّ، الّذي يشكّل ركيزة لهذا النّظام المطالب بإعادة الأموال المنهوبة والمحاسبة. هذه الرّعاية، حسب الناشطة، ستقوّض من قدرة الرئيس المكلّف على قول "لا" بوجه تدخّلات التّيار وحلفائه في طبخ التشكيلة الحكومية وتحاصصها، لذلك فهو غير مؤهل ليكون "لاعب سياسي" أو "منقذ للمرحلة".  

خلاصة الصّورة في طرابلس تأتي في تشظية العقد الثّوري الّذي كونته الهموم المعيشية بنقاوة ولٌحمة وإقدام كبيرين وفرطه ترئيس دياب، الّذي فرز المواطنين الى فئة شعبية تستنجد بالطائفة، ونخبة انزلقت من مستوى الفعل الى ردّ الفعل، تحاول "رتق" التفاعلات العاطفيّة والمحتكمة لسنيتها الّتي تنتجها شريحة آخذة الى اتساع. وكلتا المجموعتين "ثوّار" يعتنقون "كلن يعني كلن" إما لواذًا بالجماعة وخوفًا من التهميش، أو إيمانًا بالشعار نفسه. وفي حين تركن شريحة شعبية الى  خيار سعد الحريري أو ما يمثله وتتقبل بل وقد تطالب بتدخل دار الفتوى لتسمية رئيس بديل، تستمر النخبة في طرابلس برفض دياب ولكنها كما نخب كلّ لبنان، تدور في حلقة مفرغة من غياب الأسماء البديلة، أو الاتفاق ثم التجرؤ على طرحها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم