الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مغتربون من الطائرة إلى الساحة... حناجرهم تحيي حلم الانتفاضة

المصدر: "النهار"
كني-جو شمعون
مغتربون من الطائرة إلى الساحة... حناجرهم تحيي حلم الانتفاضة
مغتربون من الطائرة إلى الساحة... حناجرهم تحيي حلم الانتفاضة
A+ A-

منذ 17 تشرين الأوّل، لم تهدأ حناجر لبنانيي العالم في بلاد الاغتراب ووصلت صرخاتهم التضامنية إلى لبنان.

أما اليوم، فقد التقى المغتربون المتهافتون من كافة أقطار الأرض، بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، في بيروت. ساروا في شوارع المدينة غير مكترثين للمطر والطقس العاصف، حاملين مظلّاتهم مؤكّدين على تضامنهم مع ثوّار لبنان: "قولوا لثورة تشرين وصلوا، وصلوا المغتربين".

مسيرتهم الرمزية انطلقت من أمام وزارة الخارجية حيث أنشدوا "النشيد الوطني اللبناني". رددوا شعارات الثورة المطالبة برحيل كلّ الطاقم السياسي دون استثناء، محمّلينه سبب انهيار البلد وهجرتهم، آملين بالعودة وطامحين إلى المشاركة بإعمار لبنان من جديد. وصلوا إلى مدخل ساحة النجمة، وجدوه مُقفلاً فالحاجز بين السلطة والشعب زادهم إصراراً على المثابرة في تحرّكاتهم.


خلال المسيرة، رَوى شبّان وشابات قصصهم لـ"النهار" معلّلين دوافع هجرتهم. تحدّثوا عن إيمانهم بالثورة اللبنانية، ودورهم كمغتربين داعمين للشعب اللبناني المنتفض في ساحات الوطن.

إلسا في الصفوف الأمامية للتظاهرة، رفعت مع آخرين لافتة "مغتربين مجتمعين". تشدّد على ضرورة تحقيق مطالب الثورة. تخبر كيف كانت تنسّق مع شبّان لبنانيي الأصل منتشرين في دول مختلفة للاعتصامات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتصرّح بأنها التقت للتوّ بعدد منهم للمرّة الأولى وجهاً لوجه. بالنسبة لها 17 تشرين الأوّل تاريخ استقلال لبنان الفعلي. لا شيء يصدم في قولها هذا. اللبنانيون خلعوا عنهم ثوب الحزبية الفاتكة، والطائفية المفرّقة. لبنانُهم قبل أي اعتبار وصوتهم تَحَرَّر.

من جهتها، تسرد كريستينا شويتي أنّها غادرت لبنان منذ 10 سنوات وهي من الجيل الثالث المغترب في عائلتها: "كلّ الذين سبقوني، أُرغِموا على الرحيل". تودّ أن تعود شرط أن يتوفّر للمواطن الحد الأدنى من مقوّمات الحياة الكريمة. "السياسيون بهدلوا الشعب وبهدلوا البلد". تؤكّد أنّ وقفة المغتربين في الخارج مهمة للغاية إذ أنَهم ساهموا بفضح ما يحصل في الداخل. "نحن اللبنانيين أقوياء في الداخل والخارج، متضامنون ولن نسكت". تخصصت شويتي في التخطيط المدني وكتبت رسالة الماجيستير في باريس عن الهجرة اللبنانية. كرَّست جزءاً من أبحاثها لتاريخ لبنان وهويّته. تستطرد "تاريخنا مصدر فخر. الحرب هدّمت الكثير لذا علينا الحفاظ على تراثنا وسوف نعيد بناء البلد بالفكر والحجر".



الوجوه في الاعتصام عديدة. العزيمة واضحة. وحدها الأعلام اللبنانية ترفرف زاهية فوق الرؤوس تتلقّف قطرات المطر فيزداد رونقها وبهاؤها.

"انتو هجّرتونا... فّلّوا حتّى نرجع"

كوبا، أفريقيا الجنوبية، الولايات المتحدة، كندا، فرنسا، إيطاليا، بولونيا، أوستراليا، الدول العربية وغيرها من البلدان شهدت كلّها على وقفات اللبنانيين وعلى بزوغ قوميّة لبنانيّة فعليّة. بنظر الدياسبورا، الثورة للحياة وللكرامة الإنسانيّة... الثورة لوطن مستقلّ استقلالاً ناجزاً بأفكاره.

غابريال أبو عضل وهو طالب في الحقوق في جنيف-سويسرا ومجاز في العلاقات الدولية، قَدِمَ لتمضية الأعياد مع عائلته وللمشاركة في الاعتصام. يعبّر عن ثقته بقدرة الشعب التغييرية. تابع خطوة بخطوة تطوّر الثورة، يقول باندفاع: "لبنان وطني وأنا متحمّس للعودة إليه. الأوضاع الاقتصادية-الاجتماعية قد تمنعني من الاستقرار فيه، إذ أنّ فرص العمل معدومة للشباب لكنّ الثورة أعادت لي الأمل بالرجوع. عزيمتنا قويّة، لن نتوقف حتى نيل حقوقنا".



المغتربون يصرّون على أنّ الثورة ليست مرحليّة بل بداية لتحقيق أحلامهم في وطنهم وللنهوض بدولة تليق بالإنسان.

ميرا (21 عاماً)، لبنانية-كندية وطالبة جامعية تشرحُ أنها اختارت التخصص في كندا لأن المناهج التعليمية في مجالها متطوّرة والأقساط منخفضة. أمّا الجامعة اللبنانية فتفتَقِرُ إلى الدعمِ بالرغم من برامجها الجيّدة: الطلاب يدرسون في صفوف غير مجهّزة، تتسرّب إليها مياه الأمطار عبر سقوفها المتصدّعة. وهذا أمر غير مقبول! شارَكَت ميرا في اعتصامات الدياسبورا وكانت تقصد مونتريال للتظاهر. "إنها المرة الأولى التي آتي فيها إلى لبنان منذ سفري. وإذا وجدتُ عملاً بمعاش لائق، سأعود". تشعر الصبيّة بالحنين إلى بلادها، "أجهش بالبكاء حين أرى صورة أو فيديو عن وطني". بُعد المسافات مؤلم، وجعه يفطر القلب ويحفر في الكيان قلق عميق.

مؤسف أن ترى خيرة الشباب يحلمون بوطن وهم انتُزعوا منه بسبب الحرب التي هجّرت أهاليهم أو بسبب الأوضاع المعيشية التي تزداد سوءاً يوماً تلو الآخر. الحقوق الأساسيّة جوهر تحرّكاتهم من طبابة وطعام ومسكن وقضاء مستقلّ وأصول المحاكمات وحريّة التعبير وتعليم مجاني في اختصاصات تحاكي العصر وشيخوخة مضمونة... يصرّون على حقّ كلّ شاب وشابة بالعمل في وطنه... عسى أن تطبّق المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "يحقّ لكلّ فرد بالحياة والأمان على شخصه" في دولته. فإن هاجر الشباب كيف يُضمَن مستقبل الوطن؟


بدنا نرجع عَ لبنان...

إلتقينا أندرو وماري-كريستين، طالبان يتابعان دراستهما في فرنسا وشاركا في اعتصامات باريس. تبادرُنا الشابة "كنّا نتظاهر مع أكثر من 4000 شخص في العاصمة الفرنسية. يستحق اللبنانيون التغيير والمغتربون العودة إلى بلادهم". يشرح أندرو أنّ والده هاجر من لبنان جرّاء الحرب الأهليّة المدمّرة. الشاب يحبّ وطنه وهو مؤمن بالثورة ويرى أنّ ارتفاع صوت الدياسبورا دليل قاطع على استشراء الفساد في الدولة. يستوقفنا أيضاً رجا وهو رجل خمسيني وسط أغلبية شابة؛ يقيمُ في الولايات المتحدة الأميركية. قصته ملفتة. بالرغم من أنه هاجر عن عمر السَنَتَين مع والده، نما على حبّ وطنه الأمّ وهو يعود إليه بشكل دوري؛ "هذا اعتصامي الثاني في بيروت". من ناحيتها، سافرت يارا للدراسة في برلين بسبب الحالة الاجتماعية في البلد. من أهدافها الأساسيّة العودة الى الوطن. تقول "إنني متعلقة ببلدي وأنا هنا اليوم للمشاركة مع الأصدقاء بالاعتصام. في برلين، ندعم الثورة. ونحن الثوار سَنحسّن الحالة، مستقبل البلد بين أيدينا". أمّا كاترين فتؤكّد لثوّار "17 تشرين" أنّهم مدعومون من آلاف المغتربين حول العالم؛ والمخرجة منية عقل عادت من الولايات المتحدة لإيمانها بوطن مشرق.

في الخلاصة، امتزجت أصوات المغتربين المجتمعين في بيروت بإيقاع المطر برهاناً على قوّة الحياة وجرأة تقرير المصير. فالمغتربون يحملون بأغلبيتهم جنسيّتين لكنّهم مولعون بوطنهم الأمّ لبنان ومصمّمون على تحرير حاضره ومستقبله... لبنانهم فوق كلّ شيء.









الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم